نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصفحات المزيفة على مواقع التواصل.. رعب في حياتنا الرقمية - عرب فايف, اليوم الاثنين 2 ديسمبر 2024 11:11 صباحاً
في عالم رقمي يتسارع فيه التفاعل والتواصل، يصبح كل منشور على منصات التواصل الاجتماعي شاهداً على هويتنا، ومؤشراً على أفكارنا وآرائنا، ولكن في هذا الفضاء الافتراضي الذي يبدو مفتوحًا ومؤمّنًا، تظل هناك ظلال غير مرئية، تخترق خصوصياتنا وتستغل ثقتنا، ففي قلب الظلام الذي يحيط بنا في العالم الرقمي، تبرز الصفحات المزيفة على فيسبوك ككائنات متقلبة، فهي ليست مجرد حسابات وهمية، بل هي أدوات تلاعب نفسي وتقني تُستخدم لخلق واقع زائف، ربما يفضي إلى أزمة ثقة أو تشوش هوية، وتضر بحياة الناس بشكل يفوق التصور، وتكمن خطورة هذه الصفحات في قدرتها على التسلل إلى أذهاننا وتوجيه سلوكياتنا، إذ تمتزج أساليبهم بين التقنية الحديثة والأساليب النفسية المدمرة.
وفي هذا التحقيق، نتناول دراسة الأبعاد الأمنية السيبرانية والنفسية التي تحيط بها، مستعرضين قصصا حقيقية لأشخاص وقعوا ضحايا لهذه الصفحات، لنكشف عن تأثيرها العميق على حياتهم.
فى البداية يقول الدكتور عبد الوهاب غنيم، نائب رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي بجامعة الدول العربية ومستشار كلية كامبريدج البريطانية: إن الجرائم السيبرانية بشكل عام تعد جرائم ضد الإنسانية والاقتصاد العالمي وتتمثل في أكثر من 100 نوع من الجرائم ويكون الغرض منها سرقة أو تدمير بيانات الأشخاص أو المؤسسات من أجل استغلالها أو تشويهها أو الابتزاز المالي، ويقوم بهذه الأعمال أشخاص يسيئون استخدام تكنولوجيا المعلومات ويطلق عليهم القراصنة، وهم نوعان: القراصنة الهواة ويطلق عليهم الهاكرز والقراصنة المحترفون وهم عصابات منظمة ويطلق عليهم الكراكرز.
ويضيف عبد الوهاب: إن الظواهر التي شهدتها الجرائم الإلكترونية ما يعرف بالـ "ديب فيك" أو "التزوير العميق"، يأخذ الكثير من الأشكال ويكمن أسوأ أشكاله في فبركة الفيديوهات للمشاهير من الفنانين والسياسيين من أجل تزوير الحقائق والخوض في سمعة الأشخاص والتشكيك في نزاهتهم، ويتم ذلك من خلال الاستعانة بالأحاديث الصحفية والتليفزيونية السابقة والصور، إذ يتم فبركة وتركيب هذه الأشياء ومحاولة اختلاق تردد صوت متقارب مع الصوت الأصلي بحيث لا يتم التفرقة بينهما، وذلك من أجل الإساءة إلى هذا الشخص، فإذا كان هذا الشخص رجل اقتصاد على سبيل المثال يجعلونه يقول جملة معينة يترتب عليها ضياع شركات وأسهم، وأحيانا تستخدم للسرقة مثلما حدث في بنك هونج كونج، حيث تم تركيب صوت للرئيس التنفيذي الخاص به من أجل أن يعطي أوامر بتحويل مبالغ مالية طائلة إلى أشخاص بأعينهم".
وحول دوافع إنشاء تلك الصفحات المزيفة، يستكمل عبد الوهاب: غالبا ما يكون الغرض من تلك الصفحات ابتزاز مشاهير أو نشر الإشاعات الكاذبة أو الإشاعات التي يمكن أن تثير القلق والبلبلة في الدول، أو لترويج فكر ديني أو إرهابي، فهناك بعض الأشخاص الذين اختلقوا صفحات مزيفة بأسماء سياسيين من أجل تشويه صورتهم العامة أو المساس باستقرار الدولة أو جهات معينة، لذا فكل الأغراض الدافعة لإنشاء صفحة مزيفة تكون سيئة.
ويوضح أنه لا يمكن للمستخدم العادي التمييز بين تلك الصفحات المزيفة والصفحات الحقيقية، فهناك بعض التطبيقات الخاصة بالكشف عن تلك الصفحات إلا أنها متوافرة لدى الجهات الأمنية أو بعض الشركات الكبيرة فقط، لأنها تطبيقات مدفوعة وذات تكلفة عالية، لافتا إلى أن تطبيق اليوتيوب استطاع الآن توظيف هذه التطبيقات التي يستطيع الكشف من خلالها عن المحتوى المفبرك من الصحيح، فقبل أن يقوم بنشر المحتوى يقوم التطبيق الذي يستخدمه اليوتيوب تحت مسمى "ريالتي أو الحقيقة" بفحص المحتوى ويقوم بربطه مع كل المحتوى المتواجد على المواقع المختلفة والخاص بالشخصية المتواجدة بالفيديو، فإذا اكتشف أنه شخص جيد ولا يقوم بأفعال خاطئة على عكس ما هو متواجد بالفيديو لا يقوم بنشر هذا الفيديو ويعتبره محتوى مزيفا، ويؤكد: "لذا أعتقد أن الحل سيأتي في البداية من إدارة الفيسبوك بأن تقوم بتوظيف مثل تلك التطبيقات للتحقق من صحة المحتوى المتداول قبل نشره".
ويختتم عبد الوهاب حديثه، قائلًا: إن القانون يعاقب على المساهمة في نشر المحتوى المزيف حتى إذا لم يكن الشخص الذي أعاد نشره يعرف ذلك، إذ أنه قد ساهم في إذاعة الشائعات التي قد تؤثر على أمن الدولة واستقرارها، لذا أؤكد ضرورة التأكد من صحة المحتوى المتداول قبل نشره سواء من الأفراد أو الجهات الإعلامية حفاظًا على الأمن العام، وأطالب الأفراد بأن يحصلوا على معلوماتهم من الجهات الرسمية الحكومية التابعة للدولة والتي تمتلك صفحات موثقة وحقيقية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
في سياق متصل، يرى الدكتور محمد بحيري، المدرس بكلية الذكاء الاصطناعي بالجامعة المصرية الروسية، أن الصفحات المزيفة ما هي إلا صفحات تستخدم بيانات غير سليمة أو غير مصرح باستخدامها إذ يتم إنشاؤها دون وجود إيميلات حقيقية لأصحابها كي يتفادى أن يصل إليه أحد أو تحديد موقعه فيما بعد، وذلك من أجل ممارسة أعمال غير قانونية أو مدفوعة من جماعات معينة من أجل الإضرار باقتصاد الدولة أو سياستها وإحداث القلق بها.
ويضيف بحيري: لابد من استعمال العقل للتمييز بين الصفحات المزيفة والحقيقية، ففي البداية لابد من التأكد من الأسماء والصور الشخصية لأصحاب تلك الصفحات وتاريخ نشأتها، فلن تستطيع صفحة تم إنشاؤها بالأمس أن تستقطب آلاف المتابعين في ليلة وضحاها، ففي الغالب ستكون التفاعلات على تلك الصفحات من أشخاص لا يحملون أسماء الدولة الموجودة بها إذ ستكون أسماء غريبة نوعًا ما إلى جانب هذا يمكن ملاحظة عدد التفاعلات نفسها، فلا تستطيع تلك الصفحات جذب عدد كبير من التفاعلات.
وأما عن كيفية مواجهة تلك الصفحات، فيتابع بحيري: هناك بعض الكلمات تعرف بـ "الكلمات المفتاحية"، وإذا تم استخدامها في تعليقات أو منشورات على الفيسبوك سيؤدي ذلك إلى مسح التعليق أو غلق الصفحة بأكملها، فهناك ما يسمى بالتقرير أو البلاغ الذي يقدم لإدارة الفيسبوك كشكوى من المستخدمين عن وجود صفحة معينة تنشر محتوى مزيفا أو مضللا، وعندما يتكرر هذا البلاغ ضد تلك الصفحة تقوم إدارة الفيسبوك فورا بغلقها، لذا أنصح الأفراد أن يقوموا بتقديم هذا البلاغ من أجل القضاء على مثل تلك الصفحات.
ويختتم بحيري قائلًا: هناك حل آخر للأشخاص الذين تم فبركة صفحات مزيفة بأسمائهم وهو أن يقوموا بالتوجه لإدارة الفيسبوك بهذا البلاغ، ومن ثم يطلب الفيسبوك بعض المعلومات الشخصية الخاصة بهم والصورة الشخصية الحالية وشهادة الميلاد مترجمة بالإنجليزية كي يتأكد من صحة البلاغ، وخلال 72 ساعة كحد أقصى يقوم الفيسبوك بغلق تلك الصفحة لانتهاكها الحقوق الشخصية لشخص آخر.
وأما عن الدوافع النفسية التي قد تدفع الأشخاص لإنشاء صفحات مزيفة على الفيسبوك، فتقول الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن الدوافع تنقسم إلى شقين منها ما هو خاص بمن يزيفون صفحات للإضرار بأشخاص بأعينهم وآخر خاص بمن يزيفون صفحات للإضرار بالصالح العام.
موضحة أن الأشخاص الذين يزيفون صفحات من أجل الإضرار بأشخاص بأعينهم يمتلكون هوس الشهرة لذا يودون لفت الأنظار أو إثارة ضجة، وأما الأشخاص الذين يزيفون الصفحات للإضرار بالصالح العام فهؤلاء الأكثر خطورة على المجتمع لأنهم غالبا مأجورون من أجل إثارة البلبلة والتشكيك في كل ما هو موجود بالمجتمع من أجل توجيه المواطنين ضد تماسك المجتمع، فالنوع الأول يمتلك جانبا انتقاميا أو ابتزازيا وهذا يكون نابعا من شخصية منحرفة تود الإضرار بصالح شخص بعينه من أجل استثمار شيء معين خاص به أو إسكاته عن الحديث بشيء يخصه أو يخص أحدا يعرفه، لذا يستغل هذا الشخص المعلومات المتوافرة لديه عن الضحية ويقوم بتهديده من أجل عدم البوح بما لديه من أسرار ومعلومات.
وتضيف سوسن فايد: أما عن النوع الثاني الذي يحمل خطورة حقيقية تجاه المجتمع والحكومات والمؤسسات، فلابد من مواجهته بإتاحة المعلومات والحقائق للأفراد، كي تكون هناك قدرة لدى المواطن على فرز الحقائق بناءً على الخلفية المعلوماتية المتوافرة لديه، فهذا النوع من الصفحات المزيفة تستهدف إصابة أمن المجتمع ولا تظهر فعاليتها سوى في أوقات الأزمات والحروب التي ينقطع فيها الإعلام عن بث الحقائق والمعلومات، إذ تصبح وسائل التواصل الاجتماعي هي الملجأ الأساسي لدى المواطنين لمعرفة الجديد نتيجة لنقص المعلومات المتوافرة لديهم، لذا كي يتم تحصين الفرد من الوقوع في فخ التشكيك، أو شعور عدم الثقة أو المصداقية التي تنبع نتيجة قلة المعلومات المتوافرة بشأن الأحداث الجارية في الدولة، يجب توافر المعلومات أولًا بأول على الصفحات الخاصة بالمصادر الرسمية.
وحول التجارب الشخصية تقول أ.ج، إحدى الحالات التي تعرضت للتعامل مع الحسابات المزيفة: "كنت دائما ما أستخدم الماسنجر للتواصل مع أصدقائي، لكن في يوم وصلتني رسالة من حساب بنت اسمها "ندى"، وقالت إنها تعرفني من أيام المدرسة.
بدأت أتواصل معها، وكانت الأسئلة عادية في البداية، لكن بعد فترة أحسست أنها تسأل عن حياتي الخاصة بشكل غريب، واكتشفت بعد ذلك أن الحساب مزيف، وأن شخصا يحاول أن يتلاعب بي ومن وقتها، يفزعني كل إشعار جديد على الماسنجر حتى لو كانت رسالة من أصدقائي، بدأت أبعد عن التطبيق، التجربة علمتنى أن أكون حذرة جدًا في التعامل مع الأشخاص على الإنترنت".
تجربة أخرى يرويها أ.ع، إحدى الحالات التي تعرضت للاختراق من الحسابات المزيفة، قائلا: كان عندي عدد متابعين كبير على فيسبوك أكثر من ألفى متابع، وفي يوم اكتشفت أن حسابا مزيفا يستخدم اسمي وصورتي، هذا الشخص بدأ يراسل الناس على الماسنجر ويدعي أنه أنا، بعدها بدأ أصحابي يرسلون لى رسائل وصلتهم من هذا الشخص، وقالوا إنهم ليسوا متأكدين إذا كانت الصفحة حقيقية أم لا، الموضوع جعلنى أعيش في حالة من الخوف والارتباك، خوفا على سمعتي وحياتي الشخصية.
0 تعليق