على قارعة مسلخ منعطف الجيوسياسي الأخطر ، تقف أمة الملياري مسلم إلا ربع ، في مشهدٍ سيترفع التاريخ وهو يغلق عينيه وأنفه أن يبصره أو حتى يشتم بعض روائحه التي تزكم الأنوف ذلًا وعارًا وخذلانًا، وكأننا الشعوب التي باتت ترفض بالعلن وتقر بالخفاء كل تبعيات هذه المذبحة التي لا مبرر لها سوى مصادرة التاريخ والوجود والإنسان.
الموقف العربي المعتاد منذ قرنٍ ونيف بات أيقونة خذلان المواطن العربي بكل ديموغرافيته ، وحالة عدم التوازن والتوافقية والتسابق نحو التحليق بجناحين أبيضين في الفضاء السياسي الصهيوني أمرٌ غير مستغرب لدى السواد الأعظم من صناع القرار وزبانية الساسة ، حتى خلعنا آخر حلل الإنسانية ،وتبرأنا من جلدنا الذي يواري سواة نوايانا ، نجعجع إزاء دوي الانفجارات ، ونرشق وسائل الإعلام بوابلٍ من الكلام الرنان لقاء رشقات الصواريخ ، ونلون قبور الضحايا بتعاطفنا المصطنع ،بينما يكتب الصهاينة بالبارود كل يومٍ قصة مجزرة ،أو رواية مذبحة ، ويسدل ستارة مسرحه الأسود على مشاهد أكثر رعبًا وأعتى وحشية .
أي مصالحٍ مشتركة ،وأية ثمارٍ سنجنيها من كل هذا الدمار !، الجميع يعي تمام الوعي ويعلم أن الكيان الإسرائيلي المحتل بات كلبًا مسعورًا يغرس أنيابه في كل ما هو حوله ، وينبح على مصالحه التي أحرق من أجلها الأخصر واليابس، شعبٌ يباد ، وأرض تحرق حد التفحم، ودويلاتٌ تتناقص حدودها ونفوذها وتم تحجيم كل أدوارها ؛ونحن لم نر بارقة أملٍ تلوحُ أو توحي بأن الدب قادمٌ إلى كل كرومنا .
قبل أيامٍ كانت الكلاب الضالة تنهش أجساد الشهداء بغزة في مشهدٍ رآه السيد قبل المسود، وأبصره العدو قبل الصديق ، وقبيل يومين يتجمد أطفالٌ بغزة من شدة البرد ، والبارحة يتم إخراج آخر مستشفى عن العمل الإنساني ،بل حتى أنه تم إحراق كوادره حد التفحم !
ماذا تبقى ؟ ، هل هو التأنق لساطور العدو الآتي على رقاب بقية الشعوب العربية ؟، أم هو بصيص الأمل المفقود أن لدى قلب عدو يتربص بنا الدوائر بقية إنسانية أو نتفة رحمة سوف يمطرنا بها إذا ما جاء دورنا على مسلخه الجيوسياسي القادم لا محالة!
ما يدور على أرض غزة من سفكٍ ونسف وإبادة إزاء كل هذه التقازم العربي والمسلم هو نذير شؤمٍ وطالع سوءٍ بأن الشعوب العربية قد رزحت تحت نير من يقدم رقابها أعطيات مجانية لعدوٍ ناصبته الكره والعداء منذ تراثها العربي المسلم المشرق وحتى حاضرها المصادر والمشوه والمعاق .
التاريخ يعيد نفسه على من لا يقرأ التاريخ جيدًا ، في وقتٍ بات الصراع مجرد لعبة شطرنج لا أكثر ، وهو لعبة تبديل القطع بعد التفكير مليًا بنتائج كل تبديل وتغيير، وربط كل تغيير بمتغير أو متغيرات على أرض الواقع لصالح إسرائيل حصريًا التي لا ترى من غطرستها سوى نفسها وشعبها .
الصمت المشوب بانتقاء الكلمات حالة من الاشتراك بالجرم والإقرار ، والتذمر المرتجف خدلان مقصود ، وإضعاف إرادة الشعوب الممنهج هو طرح المزيد من الحطب الجاف على جمر الشعوب الكامن في وقود إرادتها وانتقامها من كل هذا الواقع المستغرق في غياهب الضعف و الاضمحلال والظلام !
0 تعليق