الخصومة مسؤولية فلا تهبها لمن لا يستحق - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الخصومة مسؤولية فلا تهبها لمن لا يستحق - عرب فايف, اليوم الأحد 11 مايو 2025 12:15 صباحاً

في عالم تسوده العلاقات المعقدة والصراعات الدائمة، يبرز سؤال يستحق التأمل: هل من الحكمة أن نترك أنفسنا فريسة لخصومات عشوائية، أم أن اختيار الخصم بعناية هو فن يعكس عمق الحكمة وسمو الفكر؟!

إن فكرة أن الخصومة مسؤولية، وأن منحها لمن لا يستحق قد يرفع قدر الوضيع وينتقص من قدر الرفيع، تفتح أمامنا أبواباً للتفكير في طبيعة العلاقات البشرية، وفي كيفية إدارة الصراعات بحنكة ووعي.

تخيل أنك في ساحة معركة فكرية أو اجتماعية، وأمامك خياران: أن تواجه خصماً يملك القدرة على تحديك وصقل مهاراتك، أو أن تنشغل بمن لا يملك إلا الضجيج والافتعال، فأيهما أجدر بوقتك وطاقتك؟!

إن اختيار الخصم ليس مجرد مسألة تفضيل شخصي، بل هو قرار استراتيجي يحدد مسارك ومكانتك، فالخصم القوي الذي يمتلك فكراً ورؤية، يدفعك لتطوير ذاتك، يجبرك على إعادة النظر في مواقفك، ويمنحك فرصة لإثبات جدارتك.

أما الخصم الضعيف، الذي لا يملك إلا الهشاشة والسطحية، فقد يجرك إلى مستنقع لا يليق بك، ويمنح نفسه، بمجرد وقوفه أمامك، رفعة لا يستحقها.

إن الخصومة في جوهرها ليست مجرد صراع، بل هي حوار مضمر، إنها اختبار للقيم وللأفكار وللقدرة على الدفاع عن الموقف.

فلماذا إذن نهب هذا الحوار لمن لا يملك أدواته؟ لماذا نسمح لمن لا يستحق أن يصبح طرفاً في معركتنا، فيرفع من شأنه على حسابنا؟!

تأمل معي هذا المشهد: شخصية مرموقة، تتمتع بسمعة طيبة ومكانة عالية، تجد نفسها فجأة متورطة في جدال مع شخص مغمور، لا يملك إلا الصخب والاستفزاز.. ما الذي يحدث؟ إن مجرد دخول هذا الشخص المرموق في الجدال يمنح الطرف الآخر نوعاً من الشرعية، فيصبح المغمور، الذي لم يكن يُذكر، حديث الناس، ليس لأنه يملك ما يقوله، بل لأنه وقف في مواجهة من هو أكبر منه.

هنا تكمن المفارقة: الخصومة العشوائية لا تُنقص من قدر الرفيع فحسب، بل تمنح الوضيع فرصة للظهور، ولو مؤقتاً.

إن هذه العشوائية تشبه إلقاء اللؤلؤ أمام من لا يعرف قيمته، فالخصومة إذا أُسيء اختيارها تصبح خسارة مضاعفة: خسارة للوقت والجهد، وخسارة للمكانة والوقار.

كم من شخصية عظيمة فقدت بريقها لأنها انشغلت بمن لا يستحق؟ وكم من جدال تافه أضاع فرصة لنقاش مثمر؟

إذا كانت الخصومة مسؤولية، فما الذي يجعلنا نتحملها بحكمة؟!

أولاً: إنها مسؤولية تجاه أنفسنا، فكل خصومة نخوضها تشكل جزءاً من هويتنا، وتؤثر في صورتنا أمام الآخرين. ثانياً: إنها مسؤولية تجاه القيم التي ندافع عنها، فالخصم الذي نختاره يعكس نوعية القضايا التي نؤمن بها، فإذا اخترنا خصماً لا يملك إلا الضجيج، فقد نكون -دون قصد- قد قللنا من شأن قضيتنا.

لكن، كيف نميز بين الخصم الذي يستحق والذي لا يستحق؟ هنا يأتي دور الحكمة.. إن الخصم الجدير هو من يملك القدرة على تحديك فكرياً أو أخلاقياً، من يدفعك لتطوير أدواتك وصقل حججك، أما الخصم غير الجدير فهو من يعتمد على الاستفزاز أو التشويش، دون أن يقدم شيئاً يستحق النقاش، والحكمة تكمن في تجاهل هذا النوع من الخصوم، ليس ضعفاً، بل قوة.. لأن التجاهل في بعض الأحيان هو أقوى رد.

ما يثير الدهشة في هذه الفكرة هو أن الخصم، سواء أردنا أم أبينا، يلعب دوراً في تشكيل هويتنا، فالخصومة ليست مجرد مواجهة، بل هي مرآة تعكس من نحن. إذا اخترنا خصوماً أقوياء، فإننا نصنع من أنفسنا أشخاصاً أقوياء، وإذا انشغلنا بخصوم ضعفاء، فقد نجد أنفسنا -دون أن ندري- قد انزلقنا إلى مستواهم.

ألا يثير هذا تساؤلاً عميقاً؟!

كيف يمكن لشخص مغمور أن يصبح بمجرد وقوفه أمامك شخصية يُشار إليها؟!

وكيف يمكن لخصومة تافهة أن تنتقص من قدرك، بينما كنت في الأصل أكبر منها؟!

إن هذه المفارقة تدعونا لإعادة التفكير في كيفية إدارة علاقاتنا وصراعاتنا.

إنها دعوة لأن نكون أكثر وعياً، أكثر انتقائية، وأكثر حكمة.

إن الخصومة مسؤولية، فلا نهبها لمن لا يستحق، ولا نسمح لأحد أن يجعلنا خصماً له دون وجه حق، ولنكن نحن من يحدد ساحة المعركة، ولنختر خصوماً يليقون بمكانتنا، ففي هذا الاختيار تكمن حكمتنا، وفي هذا الانتقاء يتجلّى جمال عقلانيتنا.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق