نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشركات الاستشارية.. شركاء أم فساد ؟ - عرب فايف, اليوم الأحد 11 مايو 2025 12:15 صباحاً
تدخل المؤسسات بخطابات برّاقة وتقارير منمّقة، لتغادرها لاحقاً بعد أن تكون قد استنزفت ميزانياتها دون تقديم قيمة مستدامة حقيقية.
ولعل المشكلة الأبرز التي تتكرر، هي جهل هذه الشركات بطبيعة البلد، وبُنى المجتمع، والثقافة المحلية. تأتي نماذج جاهزة، معظمها مستورد من الغرب، فتُطبق بلا دراسة عميقة للواقع المحلي واحتياجاته. والأسوأ من ذلك، أن القرارات الإدارية تُترك بيد استشاريين أجانب من جنسيات معروفة تتصدر المشهد، على رأسها الأمريكية والبريطانية والهندية، وأحياناً العربية (اللبنانية والمصرية)، الذين في كثير من الأحيان يتعاملون مع المؤسسات السعودية والخليجية بعقلية «التنميط الجاهز» دون بذل جهد حقيقي لفهم سياقات المجتمع وتحدياته الداخلية.
وبرغم انكشاف هذه الشركات وتكرار فشلها في تقديم حلول تتماشى مع الواقع، إلا أنها لا تزال تحصد العقود بأرقام فلكية... لماذا؟ لأنها في نظر بعض المسؤولين تُعد «ماركة فاخرة»، لا يُسأل صاحب القرار عن جدواها، بل يُكافأ على تعاقده معها... وكأن اسم الشركة بات أغلى من عقل الوطن، وأهم من صوت الخبراء المحليين... أو لتكون هي جدار الأمان بينه وبين المسؤول الأهم...
وهنا يتحدث المواطن والخبير السعودي بصوت واحد: نحن نمتلك من العقول والخبرات ما يكفي لبناء الحلول من الداخل، لا من مكاتب باردة في مدن لا تشبهنا... يكفي استيراد الوهم، وحان وقت تمكين العقول المحلية، ومحاسبة من يتعامل مع الوطن كأنه مختبر لتجارب الآخرين.
هذا التوجه يخلق فجوة كبيرة بين التوصيات والواقع، ويؤدي إلى تنفيذ خطط لا تتماشى مع بنية المجتمع وقيمه، فضلاً عن عدم توافقها مع الثقافة التنظيمية... وللأسف، تُحمّل الشركات المحلية التبعات المالية والمعنوية لهذا الفشل، فيما تنسحب الشركات الاستشارية من المشهد دون أدنى مسؤولية.
حان الوقت لأن تدرك المؤسسات أن الاستشارات الحقيقية تبدأ من الداخل، وأن القرارات الاستراتيجية يجب ألا تُسلَّم بالكامل لمن لا يعرف الأرض التي يمشي عليها، مهما بدا لامعاً وبراقاً... فالحل ليس باستيراد الفكر بل ببناء القدرات الداخلية وتطويرها، والاعتماد على استشارات داعمة لا استنزافية.
الشركات الناجحة لا تستخدم الاستشاري كعُكّاز تعتمد عليه، أو جدار تحتمي من خلفه، بل تستثمره كأداة تساعدها على الوقوف بثبات، أما التي تُسلم زمام قرارها لمن لا يفهم طبيعة أرضها، فهي تحكم على نفسها مسبقاً بالضعف والتبعية وقد يكون ذلك نوعاً من أنواع الفساد..
أخبار ذات صلة
0 تعليق