نشرت صحيفة "فايننشال تايمز” تقريرا أعده كل من نيري زيلبر وستيفن برنارد ويانا تاوشينسكي قالوا فيه إن الاحتلال الصهيوني يواصل الاستيلاء على الأراضي وتسوية القرى بالأرض لبناء مناطق عازلة، بينما تضرب جيرانها بشكل روتيني في رد على هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
واليوم أصبح جندي صهيوني قادرا على النظر من على ارتفاع يزيد عن 2,000 متر فوق البحر الأبيض المتوسط، فوق قمة جبل الشيخ، إلى الوادي أسفل الجبل المزدحم الآن بآلاف الجنود وما لا يقل عن تسعة مواقع استيطانية جديدة، وطرق وصول ممهدة، وخنادق حفرت حديثا.
ويلقي الجندي نظرة على بعض مئات الكيلومترات المربعة التي استولى الاحتلال عليها من سوريا في أوائل كانون الأول/ ديسمبر، بعد إطاحة الثوار بنظام بشار الأسد.
وهي نفس المشاهد التي تتكرر على طول حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تتمركز قواتها في مواقع محصنة داخل لبنان وتقوم بتجريف مساحات واسعة من الأراضي في غزة وتدمر منازل في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية المحتلة.
وقال مسؤول عسكري صهيوني من أعلى الجبل: "إنه عالم جديد”، مضيفا أن فرقة كاملة كانت في مرتفعات الجولان المحتلة "تقدمت إلى سوريا”.
وتعلق الصحيفة أن هذه التطورات تعبر عن عقيدة عسكرية صهيونية جديدة عدوانية فيما يرى قادة الكيان الصهيوني أنها محاولة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 من غزة واندلاع الحرب الإقليمية.
وتقول الصحيفة إن الاحتلال الاسرائيلي لم يعد يكتفي بالجدران الحدودية وأنظمة الإنذار المبكر، بل تستولي على أراضي جيرانها، وتبني مناطق عازلة، وتضرب ما تعتقد أنها تهديدات متخيلة حتى بيروت ودمشق في استعراضات ضخمة للقوة.
ويبرر مسؤولون صهاينة هذه الإستراتيجية بأنها صورة عن صدمة ودروس 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث خلص تحقيق أجراه "جيش" الإحتلال هذا العام إلى أن "المفهوم الاستراتيجي الخاطئ” وراء الهجوم كان يسمح لحماس بتعزيز قبضتها على غزة. وقال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الشهر الماضي إن "اسرائيل تغير وجه الشرق الأوسط”.
ويعني ما يقوله، تمزيق الاحتلال الحدود المدعومة دوليا وانتهاك سيادة جيرانها، وتصعيد التوترات وتفاقم خطر الصراع، كما يناقش نقادها في الداخل والخارج. وقد أثار هجوم العدوّ الصهيوني الجديد على غزة، إلى جانب توسعها في سوريا ولبنان والضفة الغربية، انتقادات من جميع أنحاء المنطقة.
وقال قادة لبنان إنه "لا سلام” و”لا استقرار دائما” إذا لم ينسحب "جيش" الاحتلال من البلاد، بينما انتقدت الحكومة السورية الجديدة "العدوان الإسرائيلي المستمر… في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية والقانون الدولي”.
ونقلت الصحيفة عن باربرا ليف، الدبلوماسية الأمريكية السابقة في إدارة بايدن، قولها إن تصرف الصهاينة في سوريا "يخاطر بإثارة نوع من التحريض والعداء الذي لم يكن موجودا”.
وأشارت الصحيفة إلى تعرض قوات الاحتلال، في الأسابيع الأخيرة، لهجومين منفصلين بالنيران في المنطقة الأمنية السورية، حيث حذر بعض المحللين من احتمال اندلاع تمرد في ظل محاولة النظام الجديد في دمشق توحيد الدولة المنقسمة.
وأشارت ليف: "هناك عدة طرق لضمان الأمن، وهناك قنوات عديدة” إلى جانب القوة العسكرية، في إشارة إلى الحاجة إلى قنوات خلفية بين العدوّ الصهيوني وسوريا.
منذ استيلائها على مرتفعات الجولان خلال حرب عام 1967 مع سوريا، اعتبر الصهاينة هذه المنطقة المرتفعة – التي يعد جبل الشيخ جزءا منها – منطقة عازلة استراتيجية وقائية.
ولكن بعد أن استولى مقاتلون بقيادة أحمد الشرع على دمشق في كانون الأول/ ديسمبر بعد 13 عاما من الحرب الأهلية، اتخذ الاحتلال إجراءات استباقية، وشنت موجات من الغارات الجوية التي دمرت الأصول العسكرية السورية ومنعت وقوعها في أيد معادية محتملة.
كما أرسل "جيش" الاحتلال قوات برية للسيطرة على المنطقة منزوعة السلاح التي تبلغ مساحتها 235 كيلومترا مربعا والتي تراقبها الأمم المتحدة، قائلا إنها ستبقى "لفترة زمنية غير محدودة”، بينما شن أيضا غارات في عمق سوريا.
بل ذهب نتنياهو إلى حد إعلانه أن 50 كيلومترا أخرى في جنوب سوريا، تمتد تقريبا حتى دمشق، يجب أن تكون جزءا من "منطقة نفوذ” منزوعة السلاح.
ضربت الطائرات الصهيونية هذا الشهر عددا من القواعد الجوية السورية أبعد من ذلك بسبب مخاوف من إمكانية استخدامها من قبل القوات التركية.
وفي لبنان، يضرب "جيش" الاحتلال أهدافا لحزب الله بشكل شبه يومي على الرغم من وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي والذي أنهى حربا استمرت عاما بينهما. كما احتفظ الاحتلال بما لا يقل عن خمسة مواقع "استراتيجية” داخل جنوب لبنان، حيث بنت مواقع على أرض مرتفعة عبر الحدود من "التجمعات السكنية الإسرائيلية".
وفي زيارة حديثة للحدود الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة، شاهدت صحيفة "فاينانشيال تايمز” موقعا داخل لبنان، تديره سرية من جنود الاحتياط المظليين على تلة بالقرب من قرية المطلة المحتلة. وجادل مسؤول صهيوني محلي بأن هذه المواقع الاستيطانية حيوية لضمان عودة السكان النازحين من الحرب بين الاحتلال وحزب الله إلى ديارهم. وأضاف المسؤول، معبرا عن وجهة نظر سائدة على نطاق واسع بين الجمهور الصهيوني: "يجب على "جيش" الاحتلال البقاء في [لبنان] والاستمرار في عدوانيته”.
وفي مكان قريب، كانت قريتا كفركلا والخيام الشيعيتان اللبنانيتان، اللتان قال مسؤولون إن لحزب الله وجودا عسكريا فيهما، في حالة دمار.
وقال وزير الدفاع الصهيوني إسرائيل كاتس في جولة بالمنطقة الشهر الماضي: "هكذا يبدو النصر، "جيشنا" هنا، والمجتمعات المحلية في الأسفل محمية ونشطة. والقرى [اللبنانية] على الجانب الآخر تسحق”.
وتعلق الصحيفة أن المشهد يذكر بتكتيكات الأرض المحروقة التي اتبعها الاحتلال ضد المقاومين الفلسطينيين، في الضفة الغربية، حيث تقدر الأمم المتحدة نزوح نحو 40,000 فلسطيني منذ أن شنّت الاحتلال في كانون الثاني/ يناير هجوما واسعا على مخيم جنين للاجئين، ثم توسعت لاحقا لتشمل مناطق أخرى مجاورة. وأُخلي مخيم جنين بالكامل تقريبا من سكانه، حيث دُمّرت أجزاء كبيرة منه – بما في ذلك الطرق الرئيسية والمدارس والمساجد وعشرات المباني. وأقام "جيش" الاحتلال مواقع استيطانية داخل جنين، وكذلك في مخيمي طولكرم ونور شمس – الخاضعين اسميا للسلطة الفلسطينية – لتطهير المناطق وإنشاء ممرات للعمليات المستقبلية.
ويقول المسؤولون الصهاينة إن القوات ستبقى في مكانها إلى أجل غير مسمى، مع عدم السماح للسكان الفلسطينيين بالعودة قبل نهاية العام.
ويصر "جيش" الاحتلال على أن المواقع الاستيطانية الجديدة التي أُنشئت في سوريا ولبنان ومخيمات الضفة الغربية "مؤقتة”، ويمكن إزالتها في غضون أيام.
مع ذلك، من شبه المؤكد أن ما سيحدث في غزة سيكون مختلفا. منذ بداية الحرب، أوضح مسؤولون صهاينة كبار عزمهم على بناء منطقة عازلة بطول كيلومتر واحد داخل القطاع لضمان عدم وقوع هجوم آخر على غرار هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
بعد أكثر من 18 شهرا من الحرب، تحولت أجزاء كاملة من القطاع الفلسطيني إلى أنقاض. قال جندي احتياط صهيوني في جنوب غزة: "يبدو الأمر وكأنه كوكب المريخ. إذا كان هناك مبنى قائم، فهذا يعني على الأرجح أننا نستخدمه”.
ولم يخف نتنياهو قط رغبته في الحفاظ على "السيطرة الأمنية الشاملة” على القطاع. كما تبنى بحماس اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطرد سكان غزة وتحويل القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط”. وبحسب إيهود يعاري، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن دعم ترامب ساهم في ضمان أن يكون الضغط الدولي على الاحتلال للانسحاب من الأراضي التي استولت عليها قابلا للإدارة، وأن الاحتلال سيواصل هذه الاستراتيجية العدوانية الجديدة. وقال: "هذا ما سيبدو عليه اليوم التالي” بعد الحرب وعلى مختلف الجبهات.
أخبار متعلقة :