ميناء فريحة السعيد: ذاكرة الزبارة النابضة وشريانها البحري - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ميناء فريحة السعيد: ذاكرة الزبارة النابضة وشريانها البحري - عرب فايف, اليوم الجمعة 18 أبريل 2025 11:49 مساءً

بقلم: محمد الجمعة الظفيري

مقابلة خاصة مع الباحث التاريخي والمؤرخ: فارس بن جاسم السعيدي

في قلب الخليج العربي، وعلى الساحل الشمالي الغربي لشبه جزيرة قطر، ازدهرت مدينة الزبارة، المدينة التي كانت ذات يوم منارة تجارية وثقافية في المنطقة. ومن بين معالمها البارزة، يبرز ميناء فريحة السعيد كرمز نابض بالحياة، ليس فقط كمرفأ للسفن، بل كبوابة بحرية تاريخية وثقافية ساهمت في تشكيل ملامح المدينة والهوية الخليجية عامة.

الميناء… أكثر من مجرد مرسى

يشير الباحث التاريخي فارس بن جاسم السعيدي إلى أن ميناء فريحة السعيد لم يكن مجرد نقطة رسو، بل كان قلبًا نابضًا للزبارة. “كان الميناء بمثابة البوابة الأولى للقادمين إلى المدينة. فمنه تبدأ رحلة الزائر في اكتشاف الزبارة، وتاريخها، وروحها المضيافة”، يقول السعيدي.

استقبل الميناء على مر السنين بحّارة وتجارًا من الهند وشرق أفريقيا وسواحل الخليج العربي، ما جعله نقطة التقاء لثقافات متعددة ومركزًا مهمًا لتبادل السلع والخبرات والحكايات.

آل سعيد… أسطول وفخر بحري

يرتبط الميناء ارتباطًا وثيقًا بـ أسطول آل سعيد، أحد أبرز الأساطيل البحرية التقليدية في الخليج. كان هذا الأسطول يتكوّن من سفن شراعية صنعت يدويًا مثل: البوم، الجلبوت، السنبوك، البغلة، البقّارة، البتيل، الشوعي. كانت هذه السفن تجوب البحار من الهند إلى شرق أفريقيا، حاملةً البضائع الثمينة.

“كل سفينة كانت تحمل قصة، وحياة، وحلمًا بالرزق”، يقول السعيدي، مضيفًا أن تلك السفن لم تكن فقط وسيلة نقل، بل مرآة تعكس هوية وثقافة سكان الخليج وعلاقتهم بالبحر.

ويضيف السعيدي: “لم تكن كل السفن تجارية فحسب، بل إن بعضًا منها شارك في معارك و مهمات بحرية وتحول من مجرد وسيلة نقل إلى أداة دفاع وحماية. لقد أثبتت هذه السفن قدرتها على التكيّف مع المتغيرات، وكانت رمزًا للمرونة والقوة في آنٍ واحد.”

وها هو اليوم يُحيي هذا المجد المتوارث عبر الأجيال، حيث بادر شيخ قبيلة السعيد ، الشيخ الدكتور جاسم السعيدي بتوزيع هدية رمزية تحمل مجسم “سفن آل سعيد” على الشخصيات المهمة، تجسيدًا لاعتزازه بالإرث، وتأكيدًا على استمرارية هذا التاريخ البحري العريق كرمز للفخر والانتماء.

من عظمة الميناء إلى صمت البحر: رحلة التراجع التجاري

في فترة ازدهار الميناء، كانت السفن التجارية تمتد لتصل إلى الخليج العربي والهند والعراق وأفريقيا وغيرها من المناطق. كان آل سعيد يملكون نحو 37 سفينة، مما يعكس النشاط التجاري الكبير الذي كانت تشهده المنطقة. كانت هذه السفن تشكل شبكة واسعة من التجارة التي تربط المنطقة بمختلف أنحاء العالم، وكانت تلك الحقبة تمثل ذروة النشاط التجاري والازدهار الاقتصادي.

لكن هذا الازدهار لم يدم طويلاً، حيث انخفض عدد السفن تدريجيًا ليصل إلى 37 سفينة فقط. يفسر الباحث السعيدي هذا التراجع بعدة عوامل، أبرزها كساد تجارة اللؤلؤ التي كانت تشكل مصدرًا رئيسيًا للإيرادات، فضلاً عن التحديات الاقتصادية الكبرى التي فرضتها سنة الطبعة، والتي تركت آثارها على حركة التجارة في المنطقة.

مع مرور الوقت، استمر تراجع النشاط التجاري، ليقتصر العدد لاحقًا على أربع سفن فقط. وقد كانت هذه السفن ملكًا للشيخ عبدالكريم بن مبارك بن محمد السعيدي، الذي ورثها أبناؤه. وعلى الرغم من قلة عددها، فإن تلك السفن حافظت على صيتها وسمعتها حتى يومنا الحالي. وكانت تحمل أسماء ذات دلالة كبيرة مثل: مصيحة، العييلة، كامل الزين، والتيسير.

تظل هذه السفن شاهدًا على رحلة تراجع التجارة من العظمة إلى الصمت، وتاريخًا يعكس التحديات الاقتصادية التي مرت بها المنطقة، وتاريخًا حافلًا بالأحداث والتطورات التي شكلت جزءًا من هوية هذه الأماكن.

مركز اقتصادي واستراتيجي

لعب الميناء دورًا محوريًا في تزويد الزبارة باحتياجاتها، خاصة في ظل وعورة الطرق البرية آنذاك. فكل ما كانت تحتاجه المدينة من أغذية وبضائع كان يأتي عبر البحر. كما ساهم الميناء في تحفيز الصناعات المحلية كصناعة السفن وصيد الأسماك، مما جعل الزبارة مركزًا اقتصاديًا متقدمًا في زمانها.

الحياة اليومية في فريحة السعيد

يصف السعيدي الحياة حول الميناء بأنها كانت لا تهدأ. العائلات كانت تترقب عودة السفن، والتجار يتبادلون الأحاديث، والصيادون يبيعون ما جاد به البحر، بينما كان الأطفال يملأون المكان بضحكاتهم. كان الميناء أيضًا مصدرًا للأخبار، حيث كانت السفن تجلب الرسائل والمستجدات من وراء البحار قبل وصول وسائل الاتصال الحديثة.

ذاكرة لا تموت

رغم مرور الزمن، لا يزال ميناء فريحة السعيد حاضرًا في ذاكرة أهل الزبارة كرمز لعصر من الازدهار والتواصل البحري. يقول السعيدي: “ربما اختفت بعض ملامح الميناء، لكن اسمه وتاريخه ما زالا حيّين في الذاكرة الشعبية، كجزء لا يتجزأ من تاريخ المنطقة وتراثها”.

لقد كان الميناء تجسيدًا لعلاقة أهل الخليج بالبحر: علاقة محبة، كفاح، ومغامرة. واليوم، حين يُذكر اسم فريحة السعيد، تتردد في الأذهان صور لسفن شامخة، وأناس بسطاء ربطتهم أمواج البحر أكثر من اليابسة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق