نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
زوجة منزوعة النّكد ! - عرب فايف, اليوم الأحد 13 أبريل 2025 11:28 مساءً
فها أنت تقتحم «خصوصيتنا» كلها، وتهتك كلّ حجاب، وتنسف كلّ حاجز، وتدخل عميقًا حتى في اختيار الزوجة، محيلًا «الخاطبة» إلى أضابير الذاكرة، وواضعًا «المجتمع» أمام اختبار عظيم لتحوير مفهوم «النظرة الشرعية» لموافاة الواقع، وقد بلغت بك «الجرأة» حدّ أن تختار لنا زوجة وفق المواصفات وحسب الطلب!
واقع جديد يتيحه الذكاء الاصطناعي اليوم أمام الباحثين عن رفيقة حياة، وزوجة يأنس بها المرء ويستلذ، عبر خيارين وفق المزاج، وحسب الاعتقاد؛ فما عليك؛ في الخيار الأوّل، إلّا أن تدوّن المواصفات التي تتطلع إليها؛ مورفولوجيًا وسيكولوجيًا وسوسيولوجيًا، وما عليك من بأس أن استعنت في ذلك بمن تشاء وكيفما شئت، فإن كنت كلاسيكيًا فدونك دواوين الشعراء فما تركوا لك من خيار وقد دخلوا عميقًا، إلى أبعد مما تتخيل وتتصوّر، أما سمعت وصف قائلهم في بديع نظمه «الماجن»:
هِركَولَةٌ فُنُقٌ دُرمٌ مَرافِقُها
كَأَنَّ أَخمَصَها بِالشَوكِ مُنتَعِلُ
إِذا تَقومُ يَضوعُ المِسكُ أَصوِرَةً
وَالزَنبَقُ الوَردُ مِن أَردانِها شَمِلُ
وكأنما أغار منه الآخر، فزاد على ذلك بالقول البارع وصفًا:
غَرَّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها
تَمشِي الهُوَينى كما يَمْشِي الوَجِي الوَحِلُ
كَأنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا
مَرُّ السَّحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
تَسمَعُ لِلْحَلْيِ وَسْوَاسًا إذا انصَرَفَتْ
كمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
لا تسلني عن شرح ذلك؛ فإن الشرح في هذا «المقام» يشوّش على الخاطر شاشة تخيله، ويطمس عليه أفق رسمه الخاص، فدعك من شرح ذلك، واذهب في السبيل الآخر إذا كنت عصريًا ورومانسيًا ومن هواة «القوام الباريسي» والهيام واللوعة وحارق الأشواق، دوّن في «كراسة الطلب» قول القائل:
ما ضَرَّ لَو أَنَّكَ لي راحِمُ
وَعِلَّتي أَنتَ بِها عالِمُ
يَهنيكَ يا سُؤلي وَيا بُغيَتي
أَنَّكَ مِمّا أَشتَكي سالِمُ
تَضحَكُ في الحُبِّ وَأَبكي أَنا
اللَهُ فيما بَينَنا حاكِمُ
أَقولُ لَمّا طارَ عَنّي الكَرى
قَولَ مُعَنّىً قَلبُهُ هائِمُ
يا نائِمًا أَيقَظَني حُبُّهُ
هَب لي رُقادًا أَيُّها النائِمُ
وحين تفرغ من كل ذلك، وتستوفي كامل شروطك، وتأخذ من الوقت ما تريد لتدوين ما ترغب فيه من مواصفات و«مقاسات»، فدف بها إلى عالم الذكاء الاصطناعي،
وتيقن أنه قد تلقّى في ذات اللحظة أطيافًا من مواصفات، كتبتها أخريات يبحثن عن مثيل وشبيه يوافي مزاجهن، ويرضي أذواقهن، وهنا يتدخل الذكاء الاصطناعي، بحساب دقيق، وتقدير يتضاءلُ فيه «هامش الخطأ» إلى ما يقارب الصفر المئوي، ويقترح عليك ما تريد، ويبعث إليك وإليها بما تشتهيان، ورجاؤه أن «يوافق شنّ طبقة»؛ لتبدأ من ثم دورة «الاختيار الآدمي»، والتعقيدات التي نعرفها جميعًا ولن يضمن لك الذكاء الاصطناعي من بعد حياة سعيدة، أو استمرارًا لنمو ذات المواصفات المطروحة لديه، ومدى صدقيتها، وخلوّها من «التدليس» والتجمّل والاصطناع، وهنا يقع الغبن، وعقيد الإشكال، ونعيد دورات حيواتنا التعيسة!
لكن هذا ما تحسّب له الذكاء الاصطناعي، فوضع له الحل في النموذج الثاني، وقد تولّى هو بنفسه «صناعة الزوجة»، عبر «ربوت» يجسد لك ما تطلب وترغب فيه، شكلًا وموضوعًا وغايات غير محدودة بسقف، أو مسيجة بمحذور، نموذج يتطابق كل التطابق مع نوازع «هيت لك» في أقسى حدود مرونتها المطواعة.
والخلاصة: زوجة منزوعة النكد، مستوفية للطلب، من طائفة «أقبلي فتقبل» و«أدبري فتدبر»، طوع البنان، عذبة اللسان، سليمة الجَنان، تتملّكها بحُر مالِك.. وإن لم يكفك من واحدة ما تشتهي وتأمل، فلن تجد حرجًا في التثنية عليها، بالتثليث والتربيع، وتراحب إن شئت في مُلك اليمين من هذه «الجواري الاصطناعيات»، وأنت آمن من شر «الضرّات»، ولحظتها ستضحك، وأنت تتقلّب في نعيمك، على ذلك البائس حين قال:
تَزَوَّجْتُ اثنتينِ لِفَرْطِ جَهْلِي
بِمَا يَشْقَى به زَوجُ اثْنتينِ
فقلتُ أصيرُ بينهما خروفًا
أُنَعَّمُ بين أَكْرَمِ نَعْجَتَيْنِ
فصِرْتُ كَنَعْجَةٍ تُضْحِي وتُمْسِي
تُدَاوَلُ بينَ أَخْبَثِ ذِئْبَتَيْنِ
رِضَا هَذِي يُهَيِّجُ سُخْطَ هَذِي
فَمَا أَعْرَى مِن إحْدَى السُّخْطَتَيْنِ
وأَلْقَى في المعِيْشَةِ كُلَّ ضُرٍّ
كَذَاك الضُّرُّ بينَ الضَّرَّتَيْنِ
لهذي ليلةٌ ولتلكَ أُخْرى
عِتَابٌ دَائِمٌ في الليلَتَيْنِ
غير أنّي متيقنٌ كلَّ اليقين أن مثل هذا العيش الرغد، والطاعة «الاصطناعية» العمياء، المحققة لكل الرغبات دون ممانعة أو تأبٍّ، ستبعث على المِلال، وسنحنّ إلى «نكد» المرأة اليومي وهرموناتها وتقلبات مزاجها بآدميتنا العاشقة لمفارقة الجِنان، فما يستطيب لنا وصل إلا إن كابدنا الهجر ولظاه، ولا نهنأ بحبيب إن لم يمارس علينا كل أنواع الدلال والتمنّع وإخفاء المرغوب، وستر المطلوب، وفي ذلك نرغب، وبذلك نفرح، مصداق قول القائل:
فَقَدْ يُشْرَبُ الصَّابُ الكَرِيهُ لِعِلَّةٍ
وَيُتْرَكُ صَفوُ الشهْدِ وهو مُحَبَّبُ
وَأَعدلُ فِي إِجْهَادِ نَفْسِيَ فِي الَّذِي
أُرِيدُ وَإِنِّي فِيهِ أَشْقَى وَأَتْعَبُ
هَلِ اللُّؤْلُؤ المَكْنُون وَالدُّر كُلهُ
رَأَيْتَ بِغَيْرِ الغَوْصِ فِي البَحْرِ يُطْلَبُ
وَأَصْرِفُ نَفْسِي عَنْ وُجُوهِ طِبَاعِهَا
إِذَا فِي سِوَاهَا صَحَّ مَا أَنَا أَرْغَبُ
أما وإن الحياة ماضية إلى زمن ستختلط فيه الأشياء، وترتبك فيه المُسلّمات، وتتضارب فيه القالات والمحفوظات، وما من شيء إلا وسيُبتلى ويختبر، وقد بات في حكم المنتظر قريبًا أن تأتيك «الزوجة» المطلوبة «دليفري / delivery» وفق المشتهى، وطبقًا للمواصفات.. فإلى أين نحن ذاهبون معك أيها الذكاء الاصطناعي المخيف المرعب..!؟
أخبار ذات صلة
0 تعليق