كتب -اللواء المتقاعد الدكتور موسى العجلوني - منذ بداية التعاون بين الأردن والوكالة الأميركية للتنمية في السبعينيات، بلغ إجمالي المساعدات الأميركية للأردن حوالي 19 مليار دولار كان نصيب القطاع الصحي منها يزيد على 2.3 مليار دولار.
أثار قرارالرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف جزء كبير من برنامج المساعدات الأميركية المقدم لدول العالم ومنها الأردن عبر الوكالة الأميركية الدولية للتنمية USAIDوالذي يشمل قطاعات حيوية مختلفة من اهمها القطاع الصحي ، مخاوف واسعة في الأوساط الصحية والرسمية، نظراً لاعتماد الأردن منذ سنوات على هذا الدعم في تمويل بعض المشاريع الحيوية ضمن منظومته الصحية .
ويقدر التمويل الأمريكي الموجه للقطاع الصحي في الأردن خلال السنوات العشرة الأخيرة، حسب التقارير السنوية للوكالة وبيانات وزارة الصحة الأردنية، ما بين 100-200 مليون دولار سنويًا. كانت تلك المساعدات تغطي مجالات عديدة، من بينها تطوير البنية التحتية للمراكز الصحية، ودعم المستشفيات الحكومية، وتمويل برامج التطعيم ، ودعم الصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل خاصة في المناطق الطرفية ومخيمات اللاجئين ، تمويل برامج الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي ،إضافة إلى تدريب الكوادرالطبية والتمريضية والإدارية، الأمر الذي ساهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين واللاجئين على حد سواء. يأتي هذا القرار في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها الأردن وتواجد أعداد كبيرة من اللاجئين على أرضه.
من المتوقع ان يؤدي هذا القرار إلى زيادة العبء على النظام الصحي الأردني، الذي يعاني أصلاً من ضغوط كبيرة وزيادة الضغط على موازنة وزارة الصحة،مما قد يضطرها إلى إعادة توزيع مواردها، وتجميد أو تقليص بعض المبادرات. ايضا فإن العديد من حملات التوعية ومكافحة الأمراض المزمنة (مثل السكري والضغط) تعتمد على هذا التمويل، وتوقف التمويل قد يؤدي الى ارتفاع معدلات هذه الأمراض مالم يتم ايجاد بدائل تمويل محلية لهذه الحملات. كذلك فإن هذا القرار سيؤثر بشكل خاص على الخدمات المقدمة للاجئين السوريين، الذين يشكلون تحدياً دائماً للقطاع الصحي في الأردن. بالإضفة لكل ذلك، سينتج عن وقف التمويل تسريح الموظفين الذين كانوا يعملون في ادارة وتشغيل البرامج الممولة من هذا الدعم ويقلص تمويل بعض منظمات المجتمع المحلي، مما يزيد من البطالة ويؤثر سلبا على الاقتصاد.
كيف يمكن للأردن مواجهة هذا التحدي؟
القرار الأميركي، رغم تداعياته، يمكن أن يشكل دافعاً حقيقياً لإعادة هيكلة القطاع الصحي الأردني بشكل أكثر كفاءة واستدامة، بما يحفظ حق المواطن في الحصول على خدمات صحية متقدمة، دون أن يكون رهينة للمساعدات الخارجية. وفيما يلي اهم الإستراتيجيات التي يمكن ان تتبناها الحكومة لتعزيزاستقلالية النظام الصحي ولبناء منظومة صحية أكثر صلابة :
1.تنظيم وتوحيد القطاعات الصحية الحكومية وصناديق التأمين الصحية الحكومية لمنع الإزدواجية وترشيد الإنفاق الحكومي.
2.إصلاح النظام الصحي وتحسين الكفاءة:
-تقليل الهدر في الإنفاق الصحي عبر تحسين إدارة الموارد والإدارة الصحية وتقوية نظام الرقابة.
-إطلاق مبادرات لتعزيز كفاءة الإنفاق وتوجيه الدعم نحو الأولويات الملحة.
-الاستثمار في التحول الرقمي لتعزيز الكفاءة وخفض الكلفة.
-دعم وتقوية الرعاية الصحية الأولية وتطوير نظام تحويلي فعال وجعل الرعاية الصحية الأولية المدخل الرئيسي لتلقي الخدمات الصحية.
3.زيادة الاعتماد على الذات:
- تشجيع الصناعات الدوائية المحلية لتقليل استيراد الأدوية.
- الإستثمار في تدريب الكوادر الطبية محليا لسد العجز في بعض التخصصات النادرة.
- توسيع التعاون مع القطاع الخاص عبر مشاريع شراكة لتطوير البنية التحتية الصحية.
- دعم إنشاء صناديق وطنية مستقلة لتمويل المشاريع الصحية الحيوية.
4. تمكين منظمات المجتمع المدني المحلية لتتولى دوراً أكبر في تنفيذ ودعم البرامج الصحية.
5. تنويع الشركاء الدوليين وتخفيف الاعتماد على جهة واحدة والبحث عن بدائل تمويل من دول مانحة أخرى مثل الاتحاد الأوروبي، ألمانيا، وكندا.
الخاتمة:
قرار وقف المساعدات الأمريكية للقطاع الصحي في الأردن ، رغم تداعياته السلبية ، قد يكون فرصة لإعادة هيكلة القطاع الصحي. بالتخطيط الاستراتيجي والإدارة الحكيمة والعمل الدؤوب ، والرؤية الوطنية الشاملة والشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص، والمساهمة الفاعلة من المجتمع المدني يمكن تحويل التحدي إلى نقطة تحول إيجابية تعزز صمود وتطورالنظام الصحي الأردني.
0 تعليق