استئناف الحرب على غزة: "تكتيك تفاوضي" أم عودة إلى شبح "التهجير"؟ #عاجل - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة
جو 24 :

كتب عريب الرنتاوي * 

يستأنف نتنياهو وحكومة اليمين الفاشي الحرب على غزة، مدفوعين بعوامل واعتبارات عدة، داخلية بالأساس، بعد أن تحصّلوا على "ضوء أخضر" أمريكي، إنفاذاً لوعيد "الجحيم" المصبوب على حماس وأهل القطاع التي ما انفكّ ترامب يقذف بها صبح مساء، ويردد صداها موفدوه وأركان إدارته اليمينية المتطرفة كذلك.

في البعد الداخلي لقرار استئناف الحرب، يسعى نتنياهو لشد عصب الائتلاف اليمين الفاشي، بعد أن أصابته بعض شروخ وتشققات، بلغت ذروتها بانسحاب "عظمة يهودية" من الحكومة، وليس سوى سفك دماء الفلسطينيين والسطو على أرضهم وحقوقهم ومقدساتهم، ما يرضي هذا اليمين الدموي، لكأننا أمام مشهد يوزع فيه رئيس الحكومة "الهدايا الدامية" على أطراف الائتلاف، فيعطي بيمنيه، سموتريتش والصهيونية – الدينية ما يشترطانه للبقاء في الائتلاف من استباحةٍ لمخيمات الضفة الغربية وبلداتها، وتصعيدٍ للزحف الاستيطاني، ويعطي بيساره، بن غفير وفريق الأكثر تزمتاً، ما يتعطش لرؤيته من دماء وأشلاء نساء غزة وأطفالها، ودائماً بمباركة أمريكية معلنة، فالصمت المتواطئ، لم يعد مفردة في قاموس هذه الإدارة.

ينتظر نتنياهو وحكومته، استحقاق إقرار الموازنة، والتصويت عليها كما هو العرف في إسرائيل، تصويت على "الثقة بالحكومة"، وهو يرغب في الذهاب إلى هذا الاستحقاق، مدججاً بأغلبية وازنة ومضمونة، تضمن بقاء حكومته حتى نهاية ولايتها في العام المقبل، وثمة في إسرائيل من يتخوف من رغبات دفينه تراود نتنياهو، بتأخير الانتخابات بدل تبكيرها، كما تطالب غالبية المجتمع الإسرائيلية، وهي مخاوف مقرونة بنوايا خبيئة وخبيثة، حذّر منها قادة إسرائيليون في المعارضة من مغبّة إقدام نتنياهو على "اللعب بجوف صناديق الاقتراع"، على خلفية إصراره على إقالة رونين بار رئيس الشباك، والمجيء بخلفٍ له من تيار "الصهيونية – الدينية" الفاشي، الزاحف على مؤسسات الدولة، من أمنية وعسكرية، مدنية وسياسية، قضائية وتنفيذية.

ومن الدوافع الداخلية لقرار استئناف الحرب على غزة، ما يستشعره نتنياهو وفريقه، من مخاطر انفجار شعبي غاضب ضد سياسات حكومته، بل وضده شخصياً بالأساس، فالأصوات التي تعالت في الأيام الأخيرة على خلفية الإخفاق التفاوضي المُتعمّد، ورفض إقالة بار والتحضير لطرد المستشارة القضائية للحكومة، كانت تنذر بدخول الاحتجاجات الشعبية المعارضة، مرحلة يصعب السيطرة عليها، أو إدارة الظهر لصيحاتها، سيما بعد أن تداعت للمشاركة فيها، قوى وشرائح جديدة، لم تنخرط بحركة الشارع من قبل، مثل رؤساء الجامعات والمجتمع الأكاديمي وأحزاب سياسية نأت بنفسها نسبياً عن حراك عائلات الأسرى والمحتجزين، وليس أفضل من الزجّ بالإسرائيليين في أتون حرب واسعة، من وسيلةٍ لتفادي هذه المواجهة، وتقليص حدة الاحتشاد الشعبي في الطرق والساحات.

وفي خلفية قرار استئناف الحرب، شبح المحاكمات والتحقيقات التي تطارد نتنياهو، والتي تتكاثر يوماً إثر آخر، كالنبت الشيطاني، ولعل التحقيق في فضائح الفساد وتلقي الرشى وسوء استخدام السلطة، ليس أكثرها أهمية، فهناك أيضاً قضية "الاختراق القطري" لمكتب نتنياهو التي يتولاها رونين بار شخصياً، وهناك شبح "التقصير" في السابع من أكتوبر وما تلاه من سوء تقدير وإدارة لأطول حرب عربية إسرائيلية، وكل واحدٍ من هذه الملفات، كفيل بإنهاء المستقبل السياسي، وحتى المصير الشخصي لـ"ملك إسرائيل".

وكما جاء في بيانات فصائل المقاومة الفلسطينية تعقيباً على قرار استئناف الحرب، فإن نتنياهو يجعل من دماء الفلسطينيين وأشلائهم، "قارب نجاة" للخروج من بحر متلاطم الأمواج يكاد يبتلعه ويتهدد مصير حكومته، بل ومصير "الفرصة التاريخية النادرة" التي لاحت في أفق المشروع اليميني الفاشي في شقّيه، الأول؛ المتعلق بالقضاء على الفلسطينيين ومقاومتهم ومشروعهم الوطني، والثاني؛ المتعلق بإعادة صياغة الدولة اليهودية، على صورة الفاشيين الجدد ومقاساتهم، وبما ينهي حقبة "الصهيونية – العلمانية – الليبرالية" التي ميّزت مراحل النشأة والتأسيس وما تلاها.

أما في البعد الخارجي، فإن ما يفعله نتنياهو، ليس سوى صورة فجّة عمّا يفعله ترامب أو يهدد بفعله، نتنياهو يفتح أبواب الجحيم على غزة وحماس، إنفاذاً لوعيد ترامب، وهو قرر السبّت الماضي أن يستأنف الحرب، تزامناً مع تهديد الموفد ستيف بيتكوف بأن الفرصة المتبقية لحماس قصيرة للغاية قبل أن تنقلب الطاولة على رؤوس قادتها، في تناغم بدد ما أشيع عن "نهاية شهر العسل" بين واشنطن وتل أبيب، واتساع الفجوة بين "البيت الأبيض" و"الكرياه".

والمؤكد أن ترامب، وفريقه وإدارته، لا يأبهون من قريب أو من بعيد، لعبث نتنياهو بالنظام السياسي الإسرائيلي، وفي ظني أن الانقلاب الذي ينفذه الرجل على النظام السياسي الإسرائيلي، نظام الصهيونية – العلمانية – الليبرالية، وعلى نحو فجّ ومتسارع، إنما يقع وقعاً حسناً على أسماع ساكنة البيت الأبيض، الذين يفعلون شيئاً مماثلاً، ويقودون انقلاباً على النظام، وعلى أمريكا التي نعرف منذ مائة عام على أقل تقدير...كلاهما يضفي ملامح استبدادية على نظام الحكم لديه، وكلاهما، امتنهن ويمتهن مقاربات خارجة على القانون الدولي والانساني وما استقرت عليه منظومة العلاقات الدولية من ضوابط ومحددات...إنهما وجهان للعملة القبيحة ذاتها.

حرب مفتوحة أم محدودة؟

يصعب الجزم كيف ستتفاعل تطورات الميدان...هنا في غزة، وهنا فقط، سيرتسم الجواب على هذا السؤال، فلا أمل لغزة بإسناد خارجي كفيل بتغيير وجهة الحرب واتجاهاتها، بعد كل ما تعرض له حلفاؤها في العام ونصف العام الفائت من ضربات موجعة، ولا أمل يرتجى من "صحوة عربية"، رسمية أو شعبية، لم تحدث طيلة سبعة عشر شهراً، وليس ثمة من سببٍ يدعو للاعتقاد بأنها ستحدث في الفصل الأخير من حرب التطويق والتطهير والإبادة.

على أنه من المرجح على أقل تقدير، أن تتواصل فصول استباحة الدم الفلسطيني إلى حين اجتياز حكومة نتنياهو لاستحقاق الثقة والتصويت على الموازنة، ما يعني أن غزة قد تذهب لحرب من عدة أسابيع، وربما ما هو أبعد من ذلك، أخذاً بنظر الاعتبار أن إسرائيل قررت على ما يبدو، إعادة انتاج السيناريو المتبع في لبنان في غزة، كأن تواصل عمليات القصف الجوي وتنفيذ اختراقات برية محدودة، وعلى نحو متواصل، ترتفع شدته وتنخفض، وفقاً لمجريات السياسة الداخلية الإسرائيلية، ومقتضيات التفاوض المتنقل بين القاهرة والدوحة وجولات ويتكوف وأعوانه.

الجنرال إيال زامير الذي يأتي متحمساً على رأس المؤسسة العسكرية، لمواصلة فنون القتل والتدمير للفلسطينيين وما تبقى من ممتلكاتهم، يعتمد على ما يبدو "تكتيك الصدمة والترويع" مراهناً على أن قدرة "حاضنة المقاومة" على الصمود والثبات، بعد شهرين من الهدوء النسبي (ارتقى خلالهما 155 شهيد)، ستكون أضعف بكثير مما كانت عليه زمن الحرب الممتدة، وهذا التكتيك، على ما نعتقد، يناسب المستوى السياسي في تل أبيب، وفي واشنطن كذلك، فمشروع "التهجير" الذي تراجع ولم يدفن، قد يعود للإطالة برأسه البشع مجدداً، سيما وأن محاولات الشريكتين الاستراتيجيتين لإيجاد وجهة جديدة للمهجرين قسراً عن ديارهم، لم تتوقف بعد أن أقفلت في وجهها أبواب مصر والأردن، بل تواصلت لتشمل السودان والصومال و"أرض الصومال" وسوريا وغيرها من الدول الهشّة، وإدارة ترامب تعد قادة هذه الدول، التوّاقين للحصول على "شرعية" و"اعتراف" دوليين، بمكافآت وجوائز ترضية.

استئناف الحرب على غزة، تكتيك تفاوضي، أو "تفاوض بالنار" في حدّه الأدنى، وقد يستمر أياماً وأسابيع عدة، أما في حده الأقصى، فهو استكمال لمشروع الإبادة والتطهير والتهجير، الذي يستدف قطع رأس المقاومة وتشريد أهلها، توطئة لاستكمال المهمة في الضفة الغربية...أما الحسم بين أيٍ من السيناريوهين ستكون له الغلبة، فإنما يعود لصمود أهل غزة وثبات مقاوميها، لا شيء غير ذلك.

* الكاتب مدير مركز القدس للدراسات السياسية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق