إن كانت الصورة بألف كلمة كما يقولون، فإنّ صورة واحدة من عدسة الكيني محمد أمين، تعتبر بحجم أكبر حملة مساعدات إنسانيّة في تاريخ البشريّة، هكذا يُمكننا أن نختصر قوة الصورة التي قدّمها المصوّر الصحفي الشهير الذي أنشأت وكالة رويترز للأنباء جائزة تحمل اسمه بعد وفاته تقديراً لشجاعته، والذي حوّل لحظات من الألم إلى نداء عالميّ واسع الضمير، وأيقظ من خلالها الوعي الإنساني، فما القصّة التي يحتضنها «اكسبوجر 2025» بين أروقته؟
في منتصف الثمانينات، ضربت المجاعة شمال إثيوبيا نتيجة موجة جفاف مدمّر، تزامناً مع ظروف سياسيّة قيّدت الإمدادات الغذائيّة، لتكون النتيجة كارثة إنسانيّة مروّعة حوّلت الشمال الإثيوبي إلى أرض للموت والجوع، حيث أُزهقت أرواح مليون إنسان، وأكثر من مليوني نازح ومشرّد داخل إثيوبيا، ونصف مليون مهاجر هربوا خارجها بحثاً عن حياة جديدة.
هنا، لم تكن عدسة محمد أمين مجرّد أداة توثيق للألم، بل كانت صوتاً للبشريّة، وصرخة استيقظ عليها العالم، ودفعت ملايين البشر إلى التحرّك في أكبر حملة مساعدات إنسانيّة في التاريخ لإنقاذ الملايين من الموت جوعاً، فعندما انتشرت صوره إلى جانب صور أخرى في وسائل الإعلام العالميّة، لم يعد بالإمكان تجاهل المأساة، لتبدأ حملات مثل «باند إيد» و«أمريكا من أجل إفريقيا»، و«لايف إيد» والتي كانت نتاجاً مباشراً لتلك الصور التي لامست قلوب الملايين.
في تلك اللحظات الحالكة، لم يكن محمد أمين الذي وثّق للعالم أول صور لاستقلال كينيا، مجرّد مصوّر صحفي، بل كان شاهداً على الفاجعة، يلتقط بعدسته الحقيقة العارية التي لم يرغب الكثير في مواجهتها، ومن بين تلك الصور التي تُعرض في المهرجان الدولي للتصوير «اكسبوجر 2025» تبرز ثلاث صور تختزل عمق المأساة: الأولى لطفل إثيوبي، جسده الهزيل يكاد يذوب من الجوع، ووجهه يعلوه المرض والجوع، ونظراته الحزينة تنطق بكل ما لا تستطيع الكلمات وصفه، ويلخصها سؤالٌ واحد: «لماذا؟».
وهناك صورة أخرى لضحايا المجاعة، ينحني بعضهم لالتقاط حبات الحبوب المتساقطة من طائرات الإغاثة، في مشهد يجسّد استجداء الحياة بأبسط أشكالها، وبالحدّ الأدنى من الحقوق الآدميّة، وعلى الرغم من أن هذه الحبوب كانت بالنسبة لهم رمزاً للأمل، لكنّها في عدسة أمين رمزٌ للظلم الذي يعيشونه.
ولعلّ أكثر الصور إيلاماً هي تلك التي تُظهر جثّة طفل محمولة لتوضع مع جثث أخرى في مخيم كوريم شمال إثيوبيا، في مشهد متكرر يومياً آنذاك كان بمثابة تذكير قاسٍ بأنّ الموت ينتظر الجميع هناك، وأنّ الحياة كانت تتحوّل إلى مجرّد رقم في إحصاءات المأساة.
وفي يونيو/حزيران 1985 وصلت حملات الإغاثة ذروتها، رافقها سلسلة حفلات «لايف إيد» التي نظمها المغني الإيرلندي الشهير بوب غيلدوف، والتي أقيمت في عدة مدن حول العالم، وجمعت ملايين الدولارات لإنقاذ الجياع في إثيوبيا، وكانت صور أمين وقوداً أشعل هذه الحركة العالميّة.
في «اكسبوجر 2025» تُعرض هذه الصور ليس فقط كتوثيق للتاريخ أو استرجاع لذكرى أليمة، بل هي تذكير دائماً بقدرة الصورة على تغيير الواقع، وبأنّ الإنسانية مازالت قادرة على التحرّك عندما تلمسها الحقيقة. وهذا هو الإرث الحقيقي لمحمد أمين، حيث عدسته أنقذت ملايين الأرواح، وصوره حوّلت اليأس إلى أمل، وألهمت العالم ليكون أفضل.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق