تعود مشاهد الحرب من جديد إلى لبنان، بعد أن نفذت إسرائيل غارة جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت وسلسلة غارات مدفعية وجوية على قرى وبلدات في جنوب لبنان أسفرت عن سقوط ضحايا والكثير من الخسائر في البنية التحتية.
وجاء التصعيد الإسرائيلي بعد إطلاق صاروخين من لبنان باتجاه الجليل، كان الجيش الإسرائيلي أعلن أنه اعترض أحدهما بينما سقط الآخر في منطقة مفتوحة.
رفض للاعتداءات الإسرائيلية
ويعد هذا التصعيد واحدًا من مئات الخروقات التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي منذ وقف إطلاق النار في لبنان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
وعقب هذا الاستهداف نفى حزب الله إطلاق قذائف صاروخية تجاه إسرائيل، مؤكدًا التزامه التام باتفاق وقف إطلاق النار، ومعتبرًا أن إسرائيل تفتعل ذرائع مشبوهة لاستمرار عدوانها على لبنان.
في غضون ذلك، سارع الجيش اللبناني إلى فتح تحقيق بهدف تحديد هوية مطلق الصواريخ على إسرائيل، بعدما أعلن تحديد موقع الإطلاق في منطقة قعقعية الجسر بالنبطية شمال نهر الليطاني.
وأعقبت هذه التطورات الميدانية تصريحات سياسية، إذ أعرب الرئيس اللبناني جوزيف عون عن رفضه أي اعتداء على لبنان، وأي محاولة مشبوهة لإعادة البلاد إلى دوامة العنف.
وخلال مؤتمر مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العاصمة الفرنسية باريس أكد عون عزم لبنان بناء جيشه وبسط سيطرته على كامل البلاد لإنهاء دائرة العنف.
وقال ماكرون من جهته إن الضربات الإسرائيلية على لبنان غير مقبولة، وإنه سيجري اتصالات مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشتهما، داعيًا ترمب للضغط على إسرائيل لاحترام اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان.
"الحرب من أجل الحرب"
وعن دوافع الغارات الإسرائيلية، يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن إسرائيل تبحث عن التصعيد في كل الجبهات، وأن هناك تقديرات بأن نتنياهو يريد الاستمرار في الحرب في أكثر من جبهة "فهو يخوض الحرب من أجل الحرب".
ويوضح شلحت أن نتنياهو كان يواجه في السابق معارضة داخلية بشأن التصعيد مع حزب الله من أوساط في المؤسسة الأمنية، مشيرًا إلى أن الوضع قد تغير الآن بعدما أقدم نتنياهو على تغيير أغلب رؤساء المؤسسة الأمنية ليصبح ولاؤها للسياسة التي ينتهجها نتنياهو.
وتطرق شلحت إلى أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي مطلق، وأن هناك غطاء أميركيًا شاملًا لكل ما قامت به إسرائيل من غارات لأول مرة منذ وقف إطلاق النار الذي استهدف قلب العاصمة بيروت.
ويشير إلى تصريحات نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف قالت فيها إن حزب الله هو المسؤول عن هذا التصعيد، وإن الولايات المتحدة ستفتح تحقيقًا لتقصي وقائع مسؤولية الحزب عن هذا التصعيد.
"الدولة مسؤولة عن كل شيء"
بدوره، يعتقد الكاتب والباحث السياسي قاسم قصير أن من يطلق الصواريخ تجاه إسرائيل هم "عملاء لها، ترسلهم أو تستخدمهم من أجل تبرير المزيد من القتل"، مضيفًا أنه "لو كان الهدف من إطلاق الصواريخ الرد على العمليات الإسرائيلية لكان من المفترض أن تُطلق صواريخ ذات جدوى على أقل تقدير".
ويرى قصير أن حزب الله ليس مسؤولًا عن أمن لبنان في ظل وجود دولة لبنانية، وتشكيل حكومة جديدة، ووجود جيش لبناني، "فالدولة مسؤولة عن كل شيء".
ويتابع قوله: "إننا أمام تبرير أو حجج لقيام العدو بتوسعة الحرب وهناك معلومات في بيروت باحتمال أن تعود إسرائيل لتنفيذ حرب جديدة في لبنان كما عادت إلى الحرب في غزة"، معللًا ذلك بأن الاحتلال يريد الحرب لأنه لم يحقق أهدافه.
ثلاث رسائل إسرائيلية
وبشأن أهداف إسرائيل من الغارات على لبنان، يعتقد الصحفي والكاتب سياسي داوود رمال، أن الهدف يتمثل في توجيه 3 رسائل مباشرة، أولاها "إلى باريس حيث تزامن إطلاق الصواريخ مع وصول عون إليها".
ويتابع داوود أن الرسالة الثانية موجهة "إلى السعودية الثانية التي كانت تحتضن الاجتماع الأول اللبناني السوري تحت رعايتها والذي وضع الأسس لكيفية التعاطي على جانبي الحدود"، في حين أن "الرسالة الثالثة كانت إلى حزب الله حيث كانت الغارة على الضاحية بنفس التوقيت الذي كان الأمين العام للحزب نعيم قاسم يستعد فيه للحديث بمناسبة يوم القدس العالمي".
ويستطرد داوود أن "إسرائيل تقول بوضوح إنه لا مناص للبنان إلا القبول بما عرضته إسرائيل عبر الولايات المتحدة وهو الذهاب إلى مفاوضات سياسية ودبلوماسية مباشرة معها".
ويضيف أن إسرائيل تريد اتفاقًا مع لبنان أشبه باتفاق أيار، وأنها تعتبر أن الوضع الحالي هو مشابه للوضع الذي كان قائمًا بعد اجتياح عام 1982، والذي أفضى إلى مفاوضات لبنانية إسرائيلي مباشرة أنتجت 17 أيار.
0 تعليق