ما المطلوب من الاردن لمواجهة صفقة القرن ومخططات التهجير؟! #عاجل - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة
جو 24 :

كتب كمال ميرزا - 

من النكات التي كنا نتداولها أيام الطفولة: "مرّة واحد أكل 100 كف غدر"؛ بمعنى أنّ أحدهم قد تلقّى 100 صفعة غدراً!

موضع المفارقة في هذه النكتة أنّ الصفعة الأولى فقط يمكن أن تكون غدراً، وبعد ذلك يُفترض أنّ الشخص قد انتبه، وبات يدرك أنّ هناك مَن يهاجمه ويكيل إليه الصفعات، ولا بدّ له من أن يستنفر ويأتي بردّ فعل ما للذود عن نفسه.

واقع حال الأردن ومجمل ما تسمّى دول الاعتدال العربيّة (والإسلاميّة) إزاء مسألة الوطن البديل (بكونفدراليّة أو دون كونفدراليّة)، وتصفية القضية الفلسطينيّة (بدولة أو بدون دولة)، عبر بوابة ما تُسمّى "صفقة القرن" و"السلام الاقتصاديّ" و"العهود الإبراهيميّة".. هو كحال الذي أكل 100 كف غدر!

لو عدنا إلى الوراء، واستعرضنا مجمل سياسات الإصلاح المطبّقة، ومشاريع التطوير والتحديث المُنفّذة، في جميع المجالات، وعلى مختلف الأصعدة، منذ أكثر من 25 سنة، ابتداءً من موجة الخصخصة، أو "التخاصية" كما كان يحلو للخطاب الرسميّ أن يطلق عليها، وصولاً إلى لوثة تشجيع الاستثمار والتحوّل الاقتصاديّ والسياسيّ الحاليّة، وبموازاة ما رافق ذلك من أحداث على مستوى المنطقة والعالم، مثل "غزو العراق"، و"الحرب على الإرهاب"، و"الربيع العربيّ".. لوجدنا أنّ جميع هذه السياسات والمشاريع قد صبّتْ بشكل مباشر أو غير مباشر، أدرك القائمون عليها ذلك أم لم يدركوا، في خانة تهيئة ظروف ماديّة ومعنويّة مواتية لـ "الوطن البديل"، وإرساء بنية تحتيّة وأرضيّة لوجستيّة وفنيّة مناسبة له، وإتاحة المجال أمام المتماهين مع هذا "الحلّ" لفرضه من بوابة "العَوَز الاقتصاديّ"، وتسويغه باسم "الواقعيّة السياسيّة"، وتسويقه باسم وعود "البحبوحة" و"الازدهار"!

هذه السياسات والمشاريع، أتت وتأتي بموجب مُراجعات وتوصيات وضغوطات من قِبَل مانحين ومُقرضين ومؤسسات ماليّة عالميّة على غرار البنك الدوليّ، وبتمويل من دول غربيّة ذات إرث استعماريّ ووكالات التعاون الدوليّ التابعة لها، وعلى يدّ خبراء أجانب "لا تُعرف قرعة أبوهم من وين"، أو خبراء وتكنوقراط محليّين على طريقة "حافظ مش فاهم"، تباركهم السفارات، وخارجين من رحم منظّمات المجتمع المدنيّ أو المؤسسات الأمميّة أو شركات القطاع الخاص العابرة للقارّات.

حتى المشاريع ذات الطابع التقنيّ، والتي تبدو للوهلة الأولى أبعد ما تكون عن السياسة والتسييس، هي ليست بالحياد الذي تبدو عليه.

فعلى سبيل المثال، غالبية مشاريع الأتمتة والحوسبة والربط الإلكترونيّ التي تم تنفيذها لتطوير العمل داخل مؤسسات ودوائر وأقسام السلطات الثلاث في الأردن (وغالباً على يد الـ USAID)، قد تمّ تنفيذ مشاريع موازية لها في الأراضي الفلسطينيّة، وباعتماد نفس البرمجيّات والتطبيقات وهياكل العمل وهندسة الإجراءات، بحيث لا يستدعي الأمر نظريّاً أكثر من كبسة زر ليتم ربط أي مؤسسة أو جهاز رسميّ فلسطينيّ بنظيره الأردنيّ أو إدماجه فيه دون التسبب بأدنى انقطاع أو إرباك لسير العمل.. وعلى ذلك قِس!

هذه السياسات والمشاريع، والتي لا تقف عند حدود ما هو "إداريّ" و"إجرائيّ"، وتتعدّى ذلك لتطال مختلف مناحي الدولة وحياة المجتمع، يمكن إدراجها ضمن مسارات رئيسية (يطول شرحها) تتكامل فيما بينها من أجل زيادة "اعتماديّة" الأردن دولةً وشعباً (وسائر دول وشعوب المنطقة) على "الخارج"، واستلاب ثرواتهم ومقدّراتهم، وتعطيل مقوّمات استقلاليّتهم ورفضهم وممانعتهم، والذهاب بهم نحو "الوطن البديل" و"صفقة القرن" بسيف "الضرورة" و"الأمر الواقع".

بكلمات أخرى، "صفقة القرن" هي ليست خطة وليدة اللحظة أو مجموعة إجراءات سيتم البدء بتنفيذها من الآن صعوداً.. "صفقة القرن" هي مجموع إجراءات وممارسات وتدابير وترتيبات تمّ اتخاذها فعليّاً طوال السنوات الماضية!

وتصريحات الرئيس الأمريكيّ "دونالد ترامب" الأخيرة حول تهجير أهالي غزّة هي ليست تعبيراً عن تطلّعات وتصوّرات مستقبليّة تتعلّق بصفقة القرن، بل هي إشعار بأنّ الصفقة قد اختمرتْ بالفعل، على الأقل في عقل ووجدان صانع القرار والمُخطِّط الأمريكيّ، وأنّ المسعى حالياً هو لاستكمال اللمسات والرتوش النهائيّة للصفقة، وإعادة ترتيب شكل المنطقة وأوضاعها و"مُخرجاتها" في ضوء التدابير والترتيبات و"المُدخلات" التي سبق إرساؤها!

وهنا تبرز معركة "طوفان الأقصى" باعتبارها كما أكّدت "المقاومة" غير مرّةٍ "ضربةً استباقيّةً" جاءت من أجل إرباك مخططات العدو وبعثرة أوراقه بهذا الخصوص. ومن هنا أيضاً تأتي محاولة الإدارة الأمريكيّة التوصّل إلى اتفاقات وتفاهمات وصيغ تلتفّ على استحقاقات "طوفان الأقصى" ومعانيه وتداعياته على الأرض، وتحول دون تعطيل وإفشال كلّ ما تمّ بذله وإنجازه والاستثمار فيه لغاية الآن من أجل الحفاظ على المصالح الأمريكيّة في المنطقة، وإعادة إنتاج الهيمنة الأمريكيّة في مواجهة المنافسين الإقليميّين والدوليّين.

في ضوء ما تقدّم، فإنّ بيانات الرفض والشجب والإدانة، والتصريحات الرنّانة، والعنتريّات المزاوِدة باسم الولاء والانتماء والالتفاف حول القيادة.. لا تكفي وحدها للوقوف في وجه "صفقة القرن" وتصريحات "ترامب" بخصوص تهجير أهالي غزّة (ومن ثمّ الضفة والـ 48).. بل المطلوب هو اتخاذ خطوات وإجراءات عمليّة ناجزة.

من هذه الخطوات والإجراءات ما هو آني وسريع ومُلِحّ، ومنها ما هو متوسط وبعيد المدى الهدف منها تدارك تركة السنوات الماضية بأثر رجعيّ!

من بين الخطوات السريعة التي يُتوقَّع من دولة مستقلّة وذات سيادة مثل الأردن اتخاذها من أجل إبداء الجديّة والتماسك إزاء مخططات التهجير ما يلي:

ـ إلغاء معاهدة "وادي عربة"، أو على الأقل تجميد العمل بها هي وسائر الملاحق والترتيبات المنبثقة عنها حتى إشعار آخر.

ـ قطع مختلف أوجه التمثيل الدبلوماسيّ والتبادل التجاريّ والتنسيق الأمنيّ مع الكيان الصهيونيّ حتى إشعار آخر.

ـ دسترة فكّ الارتباط مع الضفّة الغربيّة.

ـ الاعتراف الأحاديّ بدولة فلسطينيّة على كامل التراب الوطنيّ الفلسطينيّ، وعاصمتها القدس كامل القدس.

ـ الاعتراف بفصائل المقاومة الفلسطينيّة كحركات تحرّر وطنيّ مشروعة.

ـ تشكيل حكومة إنقاذ وطنيّ تضم شخصيّات وطنيّة مشهود لها وتتمتّع بالقبول والإجماع.

ـ إقرار موازنة طوارئ تقشفيّة تستثني بند المساعدات الخارجيّة، وتُلزِم المستثمرين ورأس المال الوطنيّ بتحمّل واجباتهم ومسؤولياتهم تجاه الدولة والمجتمع في مقابل ما راكموه من أرباح ومكتسبات عبر السنوات.

ـ إعادة التفاوض على الديون الخارجيّة، وإلغاء ما يمكن إلغاؤه منها، وجدولة ما يمكن جدولته، تحت طائلة الامتناع عن السداد في حالة التعنّت أو محاولة استغلال الديون (أو التصنيف الائتمانيّ) كورقة للضغط على الدولة الأردنيّة.

ـ إعادة العمل بـ "الجيش الشعبيّ"، وتفعيل "خدمة العلم"، والتوسّع في التجنيد لغايات الخدمة النظاميّة، واستدعاء الاحتياط وإعلان التعبئة العامّة إذا اقتضت الضرورة.

ـ إلغاء اتفاقيات التعاون العسكريّ الموقّعة مع الولايات المتحدة الأمريكيّة وغيرها من الدول، والطلب من أي قوات أجنبيّة متواجدة على التراب الأردنيّ بموجب هذه الاتفاقيات المغادرة وفق جدول زمنيّ واضح ومحدّد.

ـ الاعتذار عن احتضان مكتب الاتصال الإقليميّ الخاص بحلف شمال الأطلسي (الناتو) في العاصمة الأردنيّة عمّان.

ـ العمل على إعادة إحياء وتفعيل ومأسسة مبادئ "التضامن العربيّ"، و"الدفاع العربيّ المشترك"، و"الجبهة العربيّة الموحّدة".

ـ تجميد نشاط كافة وكالات ومنظّمات التعاون الدوليّ العاملة في الأردن حتى إشعار آخر (باستثناء المنظمات التابعة للأمم المتحدة)، وإقرار تشريعات تمنع تنفيذ أي مشاريع أو مبادرات إلّا من خلال مؤسسات المجتمع المدنيّ الوطنيّة، وعلى يد كوادر وخبرات محليّة، بحيث يقتصر دور الوكالات والمنظّمات الأجنبيّة على تقديم الدعم والتمويل إذا رغبت، والذي يُسلم كاملاً إلى السلطات الأردنيّة المعنيّة التي تتولّى هي مسؤولية إدارته وتحديد أولويّاته وتنظيم أوجه صرفه.

ـ تشكيل لجان تحقيق مستقلّة تحت إشراف قضائيّ مباشر من أجل إجراء مراجعات معمّقة وشاملة لملفّات مثل الخصخصة، وامتيازات الحفر والتنقيب والتعدين، والاستملاكات، وبيوع الأراضي خاصة ما تمّ منها في حينه بموجب وكالات غير قابلة للعزل، والعطاءات الكبرى.. وغيرها من الملفّات المشابهة.

ـ رفع الحدّ الأدنى من الأجور ليتناسب مع معدّلات التضخّم وتكاليف المعيشة الحقيقيّة، والعودة عن سياسات "التشغيل" التي تحابي رأس المال وأرباب العمل إلى سياسات "التوظيف" وما تمنحه من أمان وضمانات للعاملين، والتوقّف عن تسويق الأردن بشكل ضمنيّ باعتباره خزّاناً بشريّاً للأيدي العاملة المؤهلة متدنية الأجور والكُلَف.

مرّةً أخرى، الإجراءات أعلاه هي مجرد مقترحات مبدئيّة، وغيض من فيض، ونقطة انطلاق من أجل تغيير نهج كامل وما تمخض عنه من آثار وتبعات كارثيّة طالت مختلف مناحي حياة الأردنيّين ودولتهم اقتصاديّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً وتربويّاً وإعلاميّاً ودينيّاً وقيميّاً ورمزيّاً.

قد يجادل بعض "العقلانيّين" و"الموضوعيّين" بأنّ هناك استحالة في تطبيق المقترحات أعلاه، وأنّ الأحداث والتغيّرات والتبدّلات على الأرض قد جاوزت نقطة "اللاعودة" ولا يمكن عكس مسارها واتجاهها.. وهذا الكلام بحدّ ذاته له دلالاته الموحية في مثل هذا المقام.

وقد يجادل البعض الآخر بأنّ هذه الإجراءات قد تُفسّر باعتبارها خطوات تصعيديّة وعدائيّة من طرف الأردن، وعندها نكون قد انتقلنا من خانة "100 كف غدر" إلى خانة "بتحكي جَد"؟ أو "مجنون يحكي وعاقل يسمع"! فبعد كلّ هذا الذي حدث، وبعد (15) شهراً من القتل والدمار والإبادة المُمنهجة وجرائم الحرب اليوميّة المتواصلة، وبعد تصريحات المسؤولين الصهاينة والأمريكان التي لم تنقطع، ماذا بقي لتدرك أنظمة الاعتدال العربيّة والإسلاميّة أنّ التصعيد حاصل، وأنّ العِداء حاصل، وأنّ "الفاس وقعت بالراس"، وأنّ "المجتمع الدوليّ" و"القانون الدوليّ" و"الشرعيّة الدوليّة" هي محض خرافات، وأنّ الأمريكيّ والصهيونيّ حليفان لا يُؤمَن جانبهما، وأنّهما على استعداد للتفريط بأعزّ أصدقائهما في سبيل مصالحهما وأولويّاتهما؟!

باختصار، بدون خطوات عمليّة حقيقيّة ملموسة، فإنّ كلّ الأحاديث عن رفض مخططات التهجير الصهيو - أمريكيّة وإعادة تشكيل الشرق الأوسط هي مجرد "سواليف حصيدة"، وقبولٌ بتلقّي الصفعة الواحدة بعد المئة عن طيب خاطر، وتكييشها من قِبَل "الأقليّة" على حساب "الأكثريّة" مع سبق الإصرار والترصّد!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق