كتب عدنان الروسان *
يعيش الأردن -مثل باقي دول المنطقة- حالة من الترقب السلبي جراء التقلبات السياسية والجيوسياسية العنيفة التي تعصف بالهدوء النسبي الطويل الذي كان يلف سماء الإقليم لعقد ونيف من الزمن، مما سمح بالسير بخطى حثيثة لتنفيذ صفقة القرن التي كانت على وشك الإكتمال بالتطبيع مع الدول العربية الخليجية واسدال الستار على القضية الفلسطينية لعقود طويلة قادمة. وقد كان مشروع الديانة الإبراهيمية على وشك الإنطلاق مما سيشكل -حسب القائمين عليه- البديل للديانة الإسلامية التي تحض على الجهاد وقتال العدو وتحرير فلسطين، ومما سيفسح المجال وقد حصل جزئيا لتحييد آيات الجهاد والحض عليه والتركيز على الصلح والتعاون وقبول اليهود في المنطقة، بل وأن لهم حقّا دينيا وتاريخيا في فلسطين!
ما يجري في غزة وفلسطين ولبنان من مذابح وجرائم أجبرت المجتمع الدولي الحقيقي وليس المزيف والمدعى كما أجبرت محكمة الجنايات الدولية على اصدار أوامر اعتقال بحق رئيس وزراء اسرائيل ووزير دفاعها، وهذا حدث جديد يحصل للمرة الأولى منذ عقود طويلة جدا، بل قد يكون الحدث الأكثر اثارة أن تمتلك هيئة دولية الجرأة لإغضاب اسرائيل والولايات المتحدة غير مكترثة بالعواقب التي قد تترتب على ذلك.
شكّل السابع من أكتوبر نقطة مفصلية شديدة الأهمية من حيث الشكل والمضمون، سواء بالنسبة لقوى المقاومة والمعارضة في العالم العربي، وبالنسبة لإسرائيل أيضا، وسيكون لها تداعيات كبيرة على دول الإقليم. وبعيدا عن من يؤيد ما قامت به حماس في 7 أكتوبر او من يعارضه، فان الحدث قد وقع وشكّل تحولا استراتيجيا عميقا في المنطقة، فقد كشف أولا قدرات اسرائيل العسكرية والإستخبارية، وتبيّن أن ما تملكه اسرائيل ليس أكثر من القوة النارية التي تستطيع بها قصف المدنيين وقتل عشرات الآلاف منهم وتدمير المدن والمباني والبنى التحتية والسطحية وذبح وتجويع المدنيين، غير ان قدراتها العسكرية والإستخبارية تجاه المقاتلين في حركات المقاومة كانت محدودة للغاية، و لم تكن لا أمريكا ولا اسرائيل وبحسب تصريحا قادة الطرفين تتوقعان أن تصمد حماس وحزب الله كل هذه المدة، بل ان الولايات المتحدة كانت متفاجئة بهشاشة الكيان لإسرائيلي من جهة وضعف قدراته الإستخبارية من جهة ثانية.
الأشهر القليلة القادمة سوف تحمل مفاجآت كثيرة ربما، لأن الإدارة الأمريكية القادمة هي ادارة برئيس نعرف الكثير عن ملامح القوة في شخصيته و نعرف توجهاته ، ان قدومه يشكل حالة خوف لدة الأنظمة الرسمية العربية كلها بدون استثناء كما يشكل تخوفا لدى اسرائيل ايضا ، فالرئيس القديم الجديد متحرر من كل القيود التي يمكن ان تلزمه بالتصرف عكس رغباته ورؤيته، فهو:
•أولا لن يجامل اسرائيل (وهذا لا يعني انه سيتخلى عنها) ولكنه ليس مضطرا لمجاملتها اذا كانت رؤيته ومصالحه تتعارض مع رؤيتها و مصالحها لأنه لا يطمح لنيل اللوبي الصهيوني في أمريكا لأنه لا يستطيع أن يرشح نفسه لولاية جديدة و بالتالي فهو متحرر من قيد النفق لأحد من أجل الأصوات.
•و ثانيا فهو يملك دعما في الكونغرس كاملا و لا يستطيع اليدقراطيون ابتزازه او التأثير عليه فقد انتزع مقاعد بعض الديمقراطيين في الإنتخابات و صار الكونغرس جمهوريا الى حد بعيد.
•و ثالثا و أخيرا هو رجل مال و أعمال و يعرف كيف يدير ابراطوريته السياسية و يرغب رغبة شديدة في ترك بصمة حادة تجبر التاريخ الأمريكي على تخليد صورته بجانب صور الأباء المؤسسين .
نحن في الأردن نحتاج الى قراءة متأنية لما يحيط بنا من جهة و لما قد تأتي به رياح ترامب من جهة أخرى ، فنحن و بغض لنظر عن كل الإختلافات في الرؤى دولة لها أهمية خاصة ووضع جيوسياسي شديد الأهمية بالنسبة لإسرائيل وبالتالي نحن في عين الحدث، وفي السياسة لا يمكن الركون للأصدقاء، فليس هناك اصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، والمؤشرات التي صدرت وتصدر عن القيادات الإسرائيلية الوزراء والنواب والرؤساء وعن ترامب والإدارات الأمريكية ايضا تجعلنا نتخوف على أمننا ومستقبلنا الوطني، فاسرائيل لا تكاد تعرض صورة لخريطة اسرائيل دون أن يكون الأردن جزءا منها، أما عن التصريحات فحدث ولا حرج، وبالنسبة لترامب فقضية رغبته في توسيع مساحة اسرائيل فهي ايضا تثير ويجب ان تثير مخاوفنا بصورة جادة.
صانع القرار في الأردن يواجه جملة من المشاكل والإشكاليات السياسية التكتيكية والإستراتيجية وهو مدرك لها، وتحتاج الى اعادة هيكلة السياسات والرؤى الأردنية والتحالفات وقراءة الوضع الداخلي قراءة واضحة ومحاولة التخفيف من حالة الإنسداد في العلاقة بين الناس والحكومة وحالة الإحباط التي تسود الشارع من الوضع الإقتصادي وأوضاع الحريات العامة والتي تدفع في بعض الأحيان الى تصرفات فردية خطيرة ولكنها مؤشر على وجود حاجة لتنفيس الضغط المتراكم على صدور الأردنيين، فالمرحلة تحتاج الى الكثير من التجديد والتسامح وفي ابجديات علوم الفيزياء فان الإناء الكبير يتسع للأنية الصغيرة والدولة، اي دولة هي الإناء الأكبر الذي يجب ان يتسع لكل ما سواه..
لا تجني الدولة أي فائدة أو منفعة ولا تدرء اي مفسدة من ابقاء مواطنين كأحمد حسن الزعبي وأيمن صندوقة ومئات آخرين في السجون والتوقيف الإداري بسبب رأي مخالف لرأي الدولة في السياسة أو الإقتصاد، هؤلاء من خيرة أبناء الأردن، رجال متعلمون ومثقفون ولا يشك في وطنيتهم، ومن الأولى اطلاق سراحهم حتى لا نزيد من حجم معاناتهم ومعاناة عائلاتهم و بالتالي خلق حالة من البغضاء بين الوطن وبعض ابنائه.
الأوضاع القادمة صعبة ونحتاج جميعا الى أن يكون كل من في سفينة الوطن قلبه على السفينة وأن لا يؤتين من قبله والوطن للجميع وحرية الرأي يجب ان تكون مكفولة، بل ينادي الملك في كل تصريحاته وخطاباته بأن حرية الرأي سقفها السماء وهذا ما يجب ان يكون الا اذا كان هناك أخرون يرون رؤية غير ما يراه الملك...!!
0 تعليق