ابتسام البقمي بين الضمائر والإشارات - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ابتسام البقمي بين الضمائر والإشارات - عرب فايف, اليوم الجمعة 9 مايو 2025 02:11 صباحاً

تتوقف القاصة ابتسام البقمي وهي تصور آليات مجموعتها السردية للتأمل في هذه الانسيابات السردية المتتالية التي تتشكل في أجواء قصصية متعددة، لكن على اليقين، هي لا تتشكل هكذا سدى. إنها تتشكل عبر امتداد ماضوي للتجربة يرتبط بالبيئة الكتابية وبالنشأة في مهاد الكلمات، ويرتبط بالرؤية التي تشكلت لدى القاصة للعالم والمجتمع ولذاتها الإبداعية نفسها، وهي رؤية ليست وليدة لحظة أو مرحلة، بل وليدة تمرحلات ولحظات، ووليدة انبثاق للوعي التعبيري والوعي القصصي والفكري.

وقد استهلت القاصة ابتسام البقمي كتابتها للقصة القصيرة جدّاً بمجموعتها: «لا تزال الإشارة حمراء» (أوراق للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى يناير 2017)، وهو استهلال يأتي بعد أن أصدرت كتاب: «حصاد العقل» ومجموعة قصصية قصيرة هي: «اضطراب»، ثم تبعت ذلك بمجموعتها: «عطر لازوردي» (مطابع الرباط/‏‏ الطبعة الأولى 2020)، ثم ترجمت مجموعتيها إلى أكثر من 20 لغة؛ منها: الفرنسية والإسبانية والإنجليزية والإيطالية والسويدية والتركية والهندية والبرتغالية والصينية والروسية.

ونشير بإيجاز إلى أن مجموعة الاستهلال: «لا تزال الإشارة حمراء» تتضمن (59) نصّاً قصصيّاً، تستهلها القاصة بمقدمة موجزة من سطرين ونصف تقول فيها: «لا تزال الإشارة حمراء مجموعة قصصية قصيرة جدّاً، هي التجربة الأولى لي في كتابة هذا الفن الأدبي الجميل، أتمنى أن أكون قد وفقت، وأن تجدوا فيها المتعة والفائدة»/‏‏ ص7

القاصة تبحث في هذا الفن عن تقديم المتعة والفائدة، متعة القراءة، ومتعة الكشف عن المواقف والتجارب، نزوعاً للبحث عن خلاصة أو نتيجة أو فائدة، وهي هنا تتضامن مع الرؤية القائلة بالالتزام الفني، وضرورة أن يتوجه الفن لمعايشة الأحداث والتجارب اليومية التي تهم القارئ. الكتابة هنا ليست كتابة في المطلق، بل هي كتابة في الحياة.

​تستهل القاصة بقصة: «حساء» تقول القصة في سطر واحد:

«تدفق شلال الدم في الميدان، رُفعت الألوية، يحتسي الثعلب حساء الدم مبتسماً»/‏‏ ص11

من ثلاث جمل تتشكل القصة:

1- الجملة الأولى: تدفق شلال الدم في الميدان.

2- الجملة الثانية: رُفعت الألوية.

3- الجملة الثالثة: يحتسي الثعلب حساء الدم مبتسماً.

هكذا في ثلاث جمل وثلاثة أفعال تدفقت القصة وانتهت، لكنها انتهت قرائيّاً ولما تنقطع قرائيّاً وتأويليّاً.

إن الانتقال إلى فن أكثر كثافة بعد كتابة رحبة تركز على قراءة الواقع والتجارب المختلفة، وبعد كتابة تعلقت بآليات السرد في القصية القصيرة يجعل الكتابة في فضاء قصصي مكثف ومجرد يرتكز على كتابة الحذف أكثر منه على البوح، يجعل طاقات القصة أكثر تركيزاً وأكثر انتباهاً للكلمات وعددها وطاقاتها. القصة القصيرة جدّاً طاقة كلامية مكتنزة، تخزن داخلها معاني متكثرة، ودلالات متعددة على الرغم مما يتبدى لنا من كلمات قليلة وأسطر لا تتجاوز الأربعة أو الخمسة أو التسعة على الأكثر.

​إن حالة الكتابة هنا حالة إبداعية ستتخلى عن الحشو، وعن الإطناب والتداعي والاسترسال وتذهب إلى المكثف وإلى التجريدي وإلى شعرية اللقطة السردية، وهي إذ ذاك ستركز على السؤال أو المفارقة أو إشاعة حالة من التضاد التعبيري، أو استخدام أسلوب الصدمة القصصية حيث لا يوجد هنا شخوص بعينها ولا أحداث متصارعة أو حوارات مطولة. هو فن الكلمة السردية -إذا صح التعبير- الكلمة الحاكية المشعة في داخلها المكتنزة للدلالة.

​لا توجد شخصيات هنا بل ضمائر، ولا حكايات بل إشارات، ولا بدء وموضوع وختام بل طاقة تعبيرية فلاشية، ولا حسن بدء وحسن ختام، ولا عقدة ولا حبكة بل طلقة سردية برقية تدخل في جوهر الحدث وبؤرة المشهد ووعي النص مباشرة وعلى القارئ أن يمارس متعة التأويل.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق