عرب فايف

العاطفة السياسية إلى أين ؟ - عرب فايف

جو 24 :

 

يقول (نيكيتا خروتشوف) : " السياسيون كلهم متشابهون ؛ يعدونك ببناء جسر حيث لا يوجد نهر أصلًا!".

الهتاف حتى الإغماء، وإظهار مشاعر التعاطف السياسي ،كلها مترادفات لمعنى واحد ، وهو السكرة السياسية المؤقتة ،التي تعد من أعتى عقاقير المسكنات للآلام التي تنهش الأمنيات والأحلام والواقع ، عالمنا العربي ليس مختلفًا عن العوالم الأخرى ، بل هو لا يشبه تلك التجارب التي قرأنا عنها ، أو سمعنا بها أو حتى عايشناها ، عالم منسلخ عن تاريخه ، وثوابته ورؤاه التي لم تتضح ولم تنضج بعد ،رغم الحقبة القاتمة ، والسرداب المظلم ، والعتمة المزروعة فينا حتى النخاع .

المشهد المؤلم في كل ما يقال عنه مؤامرة ، هو أن المتآمر كائن فضائي لم يقاسمنا الخبز والملح يومًا ما ، والمذيع معارض تم احتوائه ضمن صفقة بجانب الطاولة ، والمنظّر كان بالأمس بذات الفكر المتطرف ، وشواهد النتائج كثيرة ، من كان يهتف ضد النظام ، نراه اليوم بموكب مهيب ضمن فلك الإدارة السياسية والنظام .

بتنا لا نعرف من معنا ومن علينا ، وأمسينا ننام على رزمة من الواجبات تجاه الوطن ومن يدعون الوطنية ، تلك الذئاب التي تتقمص فراء الحملان ، واصبحنا على حقوق هزيلة مسلوبة ، لا تضمن لنا حتى العيش في منطقة الاعراف ما بين سعير الواجبات وفردوس الحقوق .

منذ درس حادثة فنادق عمان وساجدة الريشاوي ،ومروًرا بقصة القلعة الأصعب في المنعطف الأمني، والبقعة وعمارة السلط ، وقبلها الهاشمي والجيوسي ، لا شك أن الأجهزة الأمنية لولا وجود مواطن بلا رتبة ولا ميزات ولكنه مخلص ولديه شعور بالحس الأمني العالي كان ضمن حلقات الوصول للحقيقة ، ونزع فتيل الكارثة قبل أوان نضج حنظلها ، ذاته المواطن الذي احتفى بهذا الانتصار الأمني ، وهو يتراقص طربًا على ثخانة جراحاته الوطنية ، إذ لم يتم التفكير ، والمراجعة الشاملة بجوانب ظروفه الأصعب ، أخذًا بنظرية ( سليمان البستاني) في كتابه ( نظرة وعبرة) ، بل كانت ترجمة الإفادة من الحدث ، نشوة ، عناوين ، وركوب الموجة من أغلبية العابرين لذواتهم ، ذاتها الفئة التي تخطط وتشرع ، وتخرج علينا بالعمامة السياسية منذ اغتيال( وصفي التل) - رحمه الله - ولا تقديم أي تصور حقيقي لوطن خالٍ من الانتماءات والولاءات الفرعية والفردية ، وعدم التفكير بالانتماء الجمعي ضمن خطوط عريضة وواضحة ولا لبس فيها ، وعدم السماح للتجاوزات ضمن عباءة القانون مهما كانت .

على ضفة الوطن الأخرى، الدولة تحبذ نغمة الهتافات العالية ، والنشوة الشعبية الغامرة في كل مرة ، وفي كل حدث ، وكأننا في نزهة أمنية ثم عدنا ، أو فاصل لنضخ الكلام ونواصل بذات الوتيرة ما قبل الحدث ، حتى درس آخر بصيغة أخرى وبمخططات أخرى و بأسخاص أكثر واخر ، لكن هذا المواطن الذي قدم كل ما عليه وزيادة تجاه وطنه وساسته ، كان ولا زال مختبرٌ لحقل التجارب السياسية ، و مجرد بذرة عينة وشريحة يتم من خلالها جس نبض تحمله وقياس مدى طاقته ، من مؤسسته التشريعية المصادرة منذ عقود من زمن ، باعتراف عرابها وايقونة الفوز بغالبية دوراتها ، عندما قال :" مجلس النواب مجرد ديكور لا أكثر " ، أي أنه على وصفه عبارة عن دمى لا تملك حتى حق الرمش .

أنا لا اكتب من طابور تأييد في إحدى التظاهرات المصنوعة ، ولا أنشر ما سمعت وما قالوا وما تحبذ سماعه آذان الدولة العتية ، فأنا ابن القريه والبسطاء ، انا زبون الدكاكين الهامشية التي لا تمتلك ديكورّا فاخرًا البضاعة بل دفترًا من القطع الكبير والضخم الذي يتحمل كل ديون الفقراء ومن ليس لهم دخول ، أسمع على وسائل الإعلام وأرى على مواقع التواصل الاجتماعي كل ما يدغدغ الدولة ، بالذات لفراشات مصابيح السوشال ميديا ، الذين يعشقون اللايك بل يعشقون التعليق أكثر ، والمشاركة أكثر فأكثر .

العاطفة السياسية ليست شيئًا بغيضًا إذا كان ضمن الحدود المعقولة والتي تحقق أهداف منصفة للوطن والشعب والإدارة السياسة معًا ويالتزامن والتوازن، لكن الاستغراق في العسل السياسي ، واتخاذه الوسيلة الوحيدة للرؤى والتخطيط والتوجيه ، فهو مغبة الخطيئة التي لن تغتفر إذا ما نجح أعداء هذا الوطن من تحقيق موضع قدمٍ لهم لقدح فتيل الفتنة ، بل على الإدارة السياسية إعادة تعريف المواطنة الحقيقة ، وعليها أيضًا مراجعة كل التشريعات الناظمة بالذات التي تساعد على تصليب الجبهة الداخلية ، والتي لا يمكن تحقيقها إلا بالإنصات والإصغاء لقلوب المواطنين وسماع تاوهاتهم الصادقة الحقيقة وليست هتافاتهم التي أنتجتها حالة السخونية على رأي الفنان ( حسن حسني) ، والتي ليست اطول من عمر شرنقة ، أو دورة حياة حبة غبار ثارت من وسادة الوطن في لحظة صحوة نصف متأخرة .

العاطفة السياسية ليست أكثر من قرص لمسكن ألم من مركز صحي قروي ، لا تدوم سوى سويعات ، وسرعان ما يعود الصداع والألم بشراسة أعتى من ذي قبل حالما تعود تلك الهتافات لبيوتها ، وتقرأ وطنها على فاتورة كهرباء، أو فاتورة ماء ، أو ارتفاع سلعة الزيت والخبز والهبوط الحاد بمنسوب الوطنية ربما العابر .


أخبار متعلقة :