نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بطولة العالم العسكرية للفروسية.. دلالات الاستضافة المصرية - عرب فايف, اليوم الاثنين 5 مايو 2025 07:02 مساءً
في العاصمة الإدارية الجديدة، وعلى ميادين نادي الفروسية بالأكاديمية العسكرية المصرية، يتبارى فرسان بطولة كأس العالم العسكرية للفروسية. مشهد لا يمكن اختصاره في مجرد مناسبة رياضية. أجواء مصقولة بعناية، تحمل في تفاصيلها ما يتجاوز القفزات الرشيقة للخيول، وصرامة الزي العسكري للفرسان.
افتتاح وفعاليات بطولة العالم العسكرية للفروسية تعكس رسائل استراتيجية ناعمة، تضع الرياضة في خدمة التنمية، والرمز في خدمة الطموح الوطني. البطولة ليست حدثًا عابرًا على هامش أجندة الرياضات العسكرية، بل مرآة تعكس هندسة مصرية دقيقة لحضور نوعي في المشهد الدولي، من خلال هذه البطولة وغيرها، خلال السنوات الأخيرة.
من حيث الشكل، تستضيف مصر عبر استضافتها بطولة العالم العسكرية للفروسية ممثلين عن جيوش عدة في منشأة عسكرية عريقة. ومن حيث المضمون، تفتح البطولة نافذة على فلسفة جديدة تتبناها الدولة المصرية: القوة لم تعد فقط في السلاح، بل في القدرة على تحويل اللحظة الرياضية إلى لحظة دولة.
أن تُقام البطولة في الأكاديمية العسكرية، ليس تفصيلًا عابرًا، بل تثبيت لهوية المؤسسة العسكرية المصرية كركيزة للاستقرار والتنمية. تعبير عن مقاربة مصرية تدمج بين الأداء الاحترافي التقليدي، ميدانيًا، والمشاركة في جهود التحديث والانفتاح الثقافي والرياضي، هذا ما يمكن قراءة تفاصيله عبر بطولة العالم العسكرية للفروسية.
العاصمة الإدارية، بما تحمله من رمزية المشروع الوطني الأكبر في العقد الأخير، تجد في البطولة فرصة لتثبيت نفسها كمنصة للأحداث العالمية، السياسية منها والرياضية. كل ميدان، كل منصة قفز، تتحول إلى اختبار للبنية التحتية، والقدرة التنظيمية، والقدرة على إبهار الوفود الدولية، بعيدًا عن الصخب، وبعيدًا عن الضجيج.
تمنح البطولة المؤسسة العسكرية المصرية مساحة ناعمة لتقديم صورتها الحضارية، تلك التي تجمع بين الانضباط والتقاليد العريقة، وبين القدرة على التجديد والاحتراف. الفروسية، كرياضة، ليست غريبة عن الوجدان المصري، وهي امتداد طبيعي لثقافة النبل والشجاعة والانضباط التي طالما رافقت صورة الفارس في الذاكرة العربية.
لكن الأهم من ذلك أن هذه البطولة ليست فقط إعادة اعتبار لرياضة تراجعت شعبيًا، بل أيضًا محاولة لإعادة إدراجها في الثقافة العامة، وجعلها جزءًا من المشروع الوطني العام، المتعدد الأبعاد: تنموي، رمزي، ثقافي، واستثماري.
وراء هذا الحدث العالمي، منظومة اقتصادية دقيقة: تجهيزات بيطرية، صناعات جلدية، تغذية متخصصة، كفاءات بشرية، ومدارس تدريب. سلسلة اقتصادية كاملة تُدفع للأمام بفعل لحظة رياضية، تتزامن مع خطط لتنمية العاصمة الإدارية ومحيطها العمراني، بما يجعل من الرياضة محفزًا غير مباشرٍ لاقتصاد الفروسية.
إلى جانب الاقتصاد، تلوح فرص أخرى. فالمؤسسة العسكرية لا تكتفي بالعرض، بل ترسم ملامح مسار جديد في الاستثمار الرياضي العسكري، حيث تفتح هذه البطولات الباب لتوظيف البنية التحتية العسكرية، ذات المعايير الرفيعة، في رياضات احترافية تتقاطع فيها الصرامة والانضباط، مع الذوق العام والشغف الشعبي.
الأكثر طموحًا هو ما تلوّح به هذه اللحظة من أفقٍ استشرافي: تأسيس أكاديمية دولية للفروسية العسكرية، تكون شراكة بين وزارة الدفاع ووزارة الرياضة واتحاد الفروسية، لا تقتصر على التدريب، بل تتعداه إلى البحث والتعليم والتأهيل، بما يجعل من مصر مركزًا معرفيًا في هذا المجال.
تبرز الدبلوماسية الدفاعية كأداة حديثة للنفوذ. فالجيوش الكبرى باتت تعي أن الرياضة العسكرية إحدى بوابات النفوذ الناعم، حيث العلاقات تُنسَج في ميادين الخيول كما تُنسج في صالونات السياسة. ومصر، من خلال هذه البطولة، لا تنسج فقط علاقات ثنائية مع جيوش الدول المشاركة، بل تؤسس شبكة إقليمية ودولية جديدة، خاصة في محيطها العربي والإفريقي.
قد تكون البطولة العسكرية للفروسية حدثًا رياضيًا، لكن قراءتها الصحيحة تكشف عن لحظة شديدة التركيب، لحظة تداخل فيها الرمز بالحسابات، والموروث بالرؤية، والفروسية بالاستراتيجية. إنها لحظة تقول إن مصر لا تتسابق فقط بخيولها في ميادين الأكاديمية، بل تتسابق أيضًا مع الزمن لتكريس حضورها كقوة ناعمة صاعدة في زمنٍ تتعدد فيه أدوات التأثير. هي بطولة، نعم، لكنها أيضًا حكاية وطن يُحسن الحديث عن نفسه.
أخبار متعلقة :