عرب فايف

الغرب يحتاج اليد العاملة الإفريقية رغم السياسات المعادية للهجرة - عرب فايف

إفريقيا في حركة نزوح دائم، إذ يعيش ما لا يقل عن 20 مليون مهاجر خارج القارة، بزيادة قدرها ثلاثة أضعاف منذ عام 1990.

وهذا أعلى من عدد المهاجرين الهنود خارج الهند، أو المهاجرين الصينيين خارج الصين، وهما جاليتان كبيرتان من دولتين ذواتا تعداد سكاني مماثل للقارة الإفريقية.

وتستضيف أوروبا نحو نصف المهاجرين الأفارقة خارج إفريقيا، لكن حصتها انخفضت بشكل مطرد منذ عام 1990، وشهدت أميركا والصين وتركيا ارتفاعاً حاداً في عدد سكانها المولودين في إفريقيا.

قد يبدو من غير المألوف التنبؤ باستمرار هذا الوضع، بالنظر إلى رد الفعل العنيف ضد الهجرة في جميع أنحاء الغرب.

لكن كما نوضح، فإن الهجرة الإفريقية قوة لا يمكن إيقافها، وستدوم طويلاً، بغض النظر عن خطاب السياسيين الشعبويين الحاليين المناهضين للهجرة، وستسهم في تحديد ملامح القرن الـ21، وتبعات تجاهلها تقع على الغرب الذي قد يخسر الكثير.

تصدير العمالة

الديموغرافيا أحد الأسباب، فمن المعروف جيداً أن عدد الأشخاص في سن العمل (من تراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً) في العالم المتقدم، سينخفض، ما يؤدي إلى تفاقم نقص العمالة، لكن ما لا يحظى بتقدير واسع هو أن الدول الناشئة المرتبطة بـ«تصدير العمالة»، مثل المكسيك والفلبين، تتقدم في السن، وتزداد ثراء أيضاً، ما يعني أن نسباً أقل من سكانها ستغادر في المستقبل، في المقابل من المتوقع أن يزداد عدد السكان في سن العمل في إفريقيا إلى نحو 700 مليون شخص بحلول عام 2050.

وهناك سبب آخر يتمثل في الاقتصاد، فالدول الإفريقية التي تتقدم في مراحل النمو لايزال فيها الناس يعانون الفقر بما يكفي ليرغبوا في المغادرة، لكنهم، للمرة الأولى، يملكون ما يكفي من المال للسفر مسافات طويلة، ولا تخلق الدول الإفريقية سوى نحو خُمس عدد الوظائف الرسمية اللازمة لاستيعاب قواها العاملة المتزايدة.

يثير هذا سؤالين كبيرين ومثيرين للجدل، أحدهما يتعلق بعواقب الهجرة على إفريقيا، والآخر بموقف بقية العالم.

ومن الواضح أن الهجرة غالباً ما تكون في مصلحة أولئك الذين يغادرون، ويمكن أن تتغير حياتهم من خلال كسب أضعاف ما يكسبونه في وطنهم، وغالباً ما تكون المغادرة أضمن طريق للخروج من الفقر.

لكن لدى الاقتصاديين الأفارقة قلق دائم بشأن هجرة الأدمغة، في وقت أعرب بعض الباحثين عن مخاوفهم بشأن الآثار السياسية للهجرة.

وإذا غادر الأفضل والأذكى، فهل يعني ذلك أن الأسوأ سيتركون في السلطة، في مرحلة ما تكون هجرة العمال المهرة كبيرة وسريعة بما يكفي لإلحاق الضرر، لاسيما في البلدان الصغيرة، حيث توجد بها طبقة متعلمة معتبرة، وفي الدول الاستبدادية تستمر هذه الأنظمة جزئياً، لأن الطبقة الوسطى التي تُفقرها تختار المغادرة بدلاً من الاحتجاج.

نقص التوظيف

ومع ذلك، بشكل عام فإن مشكلات الهجرة قابلة للحل، ويعاني الخريجون الأفارقة نقص التوظيف في وطنهم، والتحويلات المالية التي يرسلونها هم وغيرهم تفوق قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر والمساعدات الخارجية، وتشير إحدى الدراسات إلى أن الطبيب النموذجي المدرَّب في إفريقيا يرسل إلى بلده ما يقرب من ضعف كلفة تدريبه كتحويلات مالية، ويمكن أن تؤدي الهجرة أيضاً إلى «اكتساب الأدمغة».

إن ارتفاع الأجور في الخارج يدفع المزيد من الناس إلى اكتساب مهارات مطلوبة، ويبقى البعض في أوطانهم، ويغادر آخرون، ويعود آخرون في نهاية المطاف، وقد اكتسبوا مهارات متطورة، كما يمكن للمغتربين أن يسهموا في تقويض الأنظمة الاستبدادية من خلال نشر القيم الديمقراطية التي اكتسبوها في الخارج، وإرسال الأموال إلى أوطانهم، ما يضعف اعتماد المواطنين على الحكومات.

ينبغي على الحكومات الإفريقية أن تتبنى فكرة الهجرة كعملة تصديرية، وأن تسعى إلى تعظيم الفوائد وتقليل التكاليف، ويمكن أن يكون الاتفاق الذي أبرم العام الماضي بين كينيا وألمانيا نموذجاً يحتذى، فقد وافقت كينيا على تسريع إبعاد المهاجرين غير الشرعيين في ألمانيا، والمساعدة في توظيف العمالة المحلية، بينما تعهدت ألمانيا بدعم المهارات اللغوية والتدريب المهني، ويمكن لإفريقيا أيضاً أن تتعلم من الهند، التي تشجع المهنيين المدربين في الخارج على العودة إلى أوطانهم، ومن الفلبين، التي استغلت هجرة الممرضات لجني التحويلات المالية، وزيادة عدد الممرضات اللواتي تدربهن.

ضغوط ديموغرافية

السؤال الثاني المثير للجدل هو ما إذا كان بقية العالم سيرحب بمزيد من الأفارقة، وهاجم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، دول القارة في ولايته الأولى، وفي ذلك قال مستشاره ستيفن ميلر: «إذا استوردت العالم الثالث، أصبحت العالم الثالث»، وعلى الجانب الآخر من الأطلسي تهيمن جهود الحد من الهجرة غير الشرعية على سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه إفريقيا.

ومع ذلك، ستُثبت الضغوط الديموغرافية والحوافز الاقتصادية قوتها على المدى البعيد، وستستمر الهجرة من إفريقيا بوتيرة متسارعة، ولو انخفضت في أماكن أخرى، لأن العالم الغني سيحتاج إلى عمال، ولو لم يتلاشَ العداء الحالي تجاه المهاجرين، وعلى أي حال تتأثر المواقف تجاه الهجرة القانونية بالوظائف التي يقوم بها المهاجرون، فالأطباء الأفارقة في القطاع الصحي البريطاني يتمتعون بشعبية.

وفي أميركا قد يصبح الأفارقة «الأقلية النموذجية الجديدة»، وفقاً لكتاب قادم، فهم أفضل تعليماً، وأكثر حظاً في العمل من المولودين محلياً، ويدعمون القيم الأميركية كالحرية والفرص.

إلى ذلك، يسعى سياسيو اليوم في الغالب إلى منع الهجرة، ومع تفاقم الواقع الديموغرافي، سيجبر سياسيو الغد على التركيز على كيفية إدارتها بشكل أفضل، وتحقيق أقصى استفادة منها. عن «الإيكونوميست»


سد النقص

جورجيا ميلوني تبنت سياسة مختلفة للهجرة منذ مجيئها للسلطة. رويترز

قد تؤدي النزعة القومية إلى مزيد من القيود على الهجرة الإفريقية، لكن تقييدها سيكون له ثمن سياسي، ففي بريطانيا سيصعّب ذلك إيجاد ممرضين وأطباء لهيئة الصحة الوطنية.

وفي كل مكان سيعني ذلك اللجوء إلى بدائل غير شعبية لسد النقص في العمالة، وتمويل دول الرعاية الاجتماعية، مثل خفض المزايا أو رفع سن التقاعد.

قبل تولي جورجيا ميلوني رئاسة وزراء إيطاليا، تعهدت بخفض الهجرة، ومنذ توليها منصبها في الحكومة، ازداد عدد تأشيرات العمل الصادرة من إيطاليا لمصلحة العمالة من خارج الاتحاد الأوروبي.

كما ارتفع صافي الهجرة بشكل كبير في بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وطالما أن الدول الغنية بحاجة إلى عمالة من الخارج، فمن المنطقي افتراض أن الأفارقة سيوفرون المزيد منها.

في الواقع إنهم يفعلون، ففي عام 2024 كان هناك أكثر من 45 مليون مهاجر إفريقي يعيشون خارج بلدانهم الأصلية، وفقاً لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، التي أصدرت أحدث تقديراتها للهجرة الدولية في يناير، وشكّل الأفارقة 15% من المهاجرين في العالم، بزيادة من 13% في عام 1990.

في العقد الماضي، تجاوزت أميركا فرنسا كدولة تضم أكبر عدد من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وارتفعت حصة الأفارقة من الهجرة إلى أميركا من أقل من 1% في عام 1960 إلى 11% في عام 2020، وكان صافي الهجرة من منطقة البحر الكاريبي وإفريقيا، في العقد الثاني من القرن الـ21، ضعف صافي الهجرة من أميركا اللاتينية، ويقدر الباحث في جامعة كولومبيا، نيراج كوشال، أن عدد الأفارقة الذين وصلوا إلى أميركا بين عامَي 1990 و2020 بلغ أربعة أضعاف عددهم خلال فترة تجارة الرقيق.

. لدى الاقتصاديين الأفارقة قلق دائم بشأن هجرة الأدمغة، في وقت أعرب بعض الباحثين عن مخاوفهم بشأن الآثار السياسية للهجرة.

 

أخبار متعلقة :