عرب فايف

الحرب التجارية الأميركية الصينية تضع دولاً في موقف صعب بين الانحياز والحياد - عرب فايف

في الوقت الذي لا تلوح فيه في الأفق أي بادرة لنهاية واضحة للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، يسعى البلدان إلى استقطاب أطراف ثالثة للانحياز إليهما في حربهما التجارية.

وتَعِد الولايات المتحدة بتخفيضات محتملة للرسوم الجمركية المحددة حالياً بنسبة 10%، حتى انتهاء فترة التهدئة التي تبلغ 90 يوماً، وذلك بالنسبة للدول التي ترغب في تقييد التجارة والاستثمار الصينيين.

من جهتها، حذّرت الصين من أنها «تعارض بشدة أي طرف يتوصل إلى اتفاق على حساب مصالحها»، فإذا نشأ مثل هذا الوضع، فلن تقبله الصين، وستتخذ إجراءات مضادة حازمة ضده. كما دعا خبراء صينيون الدول الأخرى إلى «مقاومة ضغوط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب».

الاستسلام ليس خياراً

وتؤكّد التصريحات الرسمية الصادرة عن بكين أن الاستسلام للتهديدات الأميركية ليس خياراً، وتقول بكين إن «التفاوض مع (نمر) لن يؤدي إلا إلى التهام (النمر) من يفاوضه، والنضال الحازم هو السبيل الوحيد للفوز بالمستقبل».

ودعت الصين المجتمع الدولي إلى «عدم الوقوف مكتوف الأيدي في وجه سلوك الولايات المتحدة المهيمن والمتنمر»، على حد وصفها.

وفي الوقت نفسه، تُلقي بكين بثقلها في محاولة لمنع الآخرين من إبرام صفقات مع واشنطن، بما في ذلك فرض قيود على صادرات السلع الكورية الجنوبية المصنوعة من المعادن الأرضية النادرة الصينية إلى الولايات المتحدة.

وتُلقي هذه المنافسة بظلالها القاتمة على بقية العالم وتضعه في موقف صعب، فقد كان التنافس الأميركي الصيني في السابق مصدرَ نفوذٍ للدول التي تبحث عن مساعدات واستثمارات خارجية، لكن واشنطن الآن تستخدم العصا بدلاً من الجزرة، ويبدو أن بكين مستعدة للسير في اتجاه مختلف عن الاتجاه الأميركي.

وعلى وجه الخصوص، لا تستطيع دول جنوب شرق آسيا، مثل كمبوديا وفيتنام، أن تتخلى عن إرسال صادراتها إلى أميركا، كما أنها في الوقت نفسه لا تستطيع تحمُّل خسارة الاستثمارات الصينية، وقد تكون هذه الدول على استعداد للقيام بمبادرات رمزية لإرضاء واشنطن، لكنها في النهاية لن تتخلى عن بكين.

وإن مسارها الأكثر ترجيحاً هو محاولة التقرُّب من الولايات المتحدة في المطالب التجارية، مع عرض تعاونٍ أمني متزايد على الصين للتعويض.

مفاوضات تجارية

في غضون ذلك، تزعم إدارة ترامب أنها تُجري مفاوضات تجارية مع أكثر من 70 دولة بخصوص الرسوم الجمركية، لكن حتى في الظروف العادية، تستغرق الصفقات التجارية ما يقارب 18 شهراً للتفاوض و45 شهراً للتنفيذ. ويُعدّ إبرام 70 صفقة دفعة واحدة، لاسيما مع فريق مُنهك وعديم الخبرة من المسؤولين الأميركيين، أمراً شبه مستحيل.

لقد تضررت آفاق إبرام صفقة أميركية صينية بسبب «اللغة المُفرطة» التي استخدمها فريق ترامب والجمهوريون الآخرون، فعلى سبيل المثال، تردد صدى استخدام نائب الرئيس جيه. دي فانس، مصطلح «الفلاحون الصينيون» في أوساط الإنترنت الصيني، الذي اعتبرته بكين إهانة مسيئة.

ولاتزال الصين منفتحة على إبرام صفقة، ويبحث الدبلوماسيون والاقتصاديون الصينيون عن أشخاص جادّين للتحدث معهم من الجانب الأميركي. ومن المحتمل أن يجدوا بعض الحلول، ويبدو أن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، ووزير التجارة، هوارد لوتنيك، منفتحان على التفاوض، نظراً إلى دورهما المحوري في إقناع الرئيس دونالد ترامب بتعليق ما يُسمى بالرسوم الجمركية المتبادلة في التاسع من أبريل الجاري.

وفي اجتماع خاص مع المستثمرين الثلاثاء الماضي، وصف بيسنت الحرب التجارية بأنها غير مستدامة، وقال إن التهدئة قادمة.

منطقياً، هو مُحق، فالاقتصاد الأميركي المتعثر أصلاً لا يستطيع تحمل الانفصال الكامل عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مُصنّع. والاقتصاد الصيني، الذي لايزال يترنح تحت وطأة جائحة «كوفيد-19» وانفجار فقاعة العقارات، لا يستطيع تحمل خسارة سوق تصديره الرئيسة. لكن هذه ليست أوقاتاً عقلانية، وأي صفقة يجب أن تمر عبر محكمة رئيس يريد أن يكون كل شيء حوله.

أميركا تفقد آسيا

مثل هذه التحولات قد تُضعف ثقة آسيا في أميركا بسرعة، وتثير تساؤلات وجودية في المنطقة حول موثوقية الولايات المتحدة كشريك، فضلاً عن كونها ضامناً للأمن.

ويعكس هذا الوضع الجديد خطاب وزير دفاع سنغافورة، نيغ إينغ هين، الشريك الوثيق للولايات المتحدة، في 14 فبراير، والذي أعرب فيه عن أسفه لتغير صورة الولايات المتحدة فجأة «من مُحرِّرة إلى مُخربة عظيمة وتحولها إلى مالك يسعى وراء الإيجار».

كما عبّر رئيس الوزراء الأسترالي السابق المحافظ مالكولم تورنبول، عن حزن الأستراليين على هذا الوضع، بقوله في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»: «نحن نتعامل مع أميركا التي لم تعد قيمها تتوافق مع قيمنا».

الاتجاه نحو الصين

وتتأهب دول آسيوية لعقد صفقات لخفض رسومها الجمركية الأميركية، بشراء المزيد من الغاز الطبيعي الأميركي المسال، وشراء المزيد من المعدات العسكرية، ودعم بناء السفن الأميركية. لكن من غير المرجح أن تتمكن هذه الدول من القضاء على عجزها التجاري مع الولايات المتحدة، فمع اقتصاد يقارب 30 تريليون دولار، تشتري الولايات المتحدة حتماً أكثر مما تبيع للدول الأصغر ذات الدخل المنخفض والمتوسط مثل فيتنام وكمبوديا، حتى مع خفض الرسوم الجمركية. فكيف ستستجيب هذه الدول الآسيوية، التي يُعد النمو القائم على الصادرات جوهرها؟ ربما يدفعها ترامب، دون قصد، نحو الصين، التي تشن حملة ترويجية.

وقد تنأى الولايات المتحدة بنفسها عن العالم، إلا أن معظم الدول تُضاعف جهودها في تبني أنماط جديدة للعولمة، كما تعهد رئيس الوزراء السنغافوري لورانس وونغ، في خطاب مهم ألقاه في الثامن من أبريل.

حلفاء أميركا

إن اجتماع حليفتي الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية واليابان، مع الصين لتجديد الجهود الرامية إلى إبرام اتفاقية تجارية ثلاثية، وبحثهما تنسيق الردود على الولايات المتحدة، يُعدّ علامة من علامات ابتعاد حلفاء أميركا عنها.

وتستكشف أوروبا هي الأخرى، علاقات اقتصادية جديدة مع الصين، مثل ترخيص مصانع السيارات الكهربائية والبطاريات، كما تفعل كذلك إسبانيا والمجر.

ومن مؤشرات هذه الاتجاهات في آسيا قبول اليابان وأستراليا لطلب الصين الانضمام إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ والتقدمية الشاملة، حيث يتجه الاتحاد الأوروبي نحو ترتيبات تجارية مع هذه الاتفاقية. ويمكن لمثل هذه السيناريوهات أن تُحافظ على نظام قائم على القواعد في مرحلة ما بعد الولايات المتحدة، وأن تُشكّل قواعد ومعايير تقنية جديدة. عن «الفورين بوليسي»


الابتعاد عن الدولار

من المخاطر الناجمة عن فقدان آسيا لثقتها بالولايات المتحدة، الابتعاد عن الدولار كعملة عالمية. وقد ترى الدول الآسيوية أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أقل أماناً لنحو ثلاثة تريليونات دولار من سندات الخزانة الأميركية المعاد تدويرها من فوائضها التجارية، والتي تساعد في تمويل عجز الميزانية الأميركية البالغ 37 تريليون دولار.

. التصريحات الرسمية الصادرة عن بكين تؤكّد أن الاستسلام للتهديدات الأميركية ليس خياراً.

. دول جنوب شرق آسيا لا تستطيع التخلي عن إرسال صادراتها إلى أميركا، كما لا يمكنها تحمُّل خسارة الاستثمارات الصينية.

أخبار متعلقة :