عاجل

عمال الطوب بالهند في مواجهة نارين.. «الطقس والأفران» - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

يعاني العمال في أفران حرق الطوب بالهند شدة الحرارة العالية الناتجة عن تلك الأفران، فضلاً عن ارتفاع حرارة الطقس خلال فصل الصيف، ما يجعلهم دائماً في حالة من الإجهاد الحراري.

ويقول كبير العمال الذين يوقدون النار في فرن للطوب، قرب بلدة دانابور على مشارف مدينة باتنا عاصمة ولاية بيهار الشرقية، وهو يحدق في وهج الشمس الحارقة: «أنا أعمل بالنار.. لكن هذا اليوم يُعدّ الأشد حراً على الإطلاق».

ويضيف هاريلال راجبوت (41 عاماً)، الذي هاجر إلى دانابور من ولاية أوتار براديش المجاورة، حيث كان يعيش وزوجته مع أطفالهما الثلاثة، أنه أحياناً يبقى مع العاملين تحت إشرافه، من دون أي طعام طوال فترة مناوبتهم التي تستمر ثماني ساعات متواصلة.

ويقوم العاملون في أفران الطوب بربط قطعة قماش قطنية على رؤوسهم، والاحتفاظ بدلو من الماء في متناول اليد لترطيب رؤوسهم من حين إلى آخر، كإجراء احتياطي من بين العديد من الاحتياطات التي يتخذها العمال لتجنب الإجهاد الحراري.

حرارة مضاعفة

وكان صحافيون من «الغارديان» زاروا الفرن الذي يعمل فيه راجبوت، وسط أطول موجة حر في الهند على الإطلاق، مع تسجيل مدينة باتنا 42.2 درجة مئوية (108 فهرنهايت).

لكن راجبوت يقول إنه يشعر بحرارة مضاعفة فوق الفرن الذي يعمل فيه، حيث يضيف الفحم إلى منطقة إشعال صغيرة للطوب تحتوي 35 حفرة مرتبة بدقة.

ويضيف راجبوت: «في الأغلب أشعر بالدوار، ويجف حلقي، وأرتجف مع ارتفاع درجة حرارة جسدي، غير أن عملنا في حرق الطوب لا يمكن أن يتوقف».

ويُعدّ راجبوت واحداً من ضمن 15 مليون عامل يعملون على إيقاد النار في 140 ألف فرن لحرق الطوب بالهند، التي تُعدّ ثاني أكبر دولة في العالم في إنتاج الطوب المحروق بعد الصين.

فرص عمل

ومع أن هذا القطاع غير خاضع للتنظيم الكافي، لكنه يوفر فرص عمل موسمية للعمال غير الرسميين، ومعظمهم من المهاجرين من مناطق أخرى. وتتميّز بيهار بأنها تحتوي على 7700 فرن للطوب بإنتاج سنوي يزيد على 20 مليار طوبة.

ويواجه عمال إيقاد الأفران الذين يعملون ويعيشون في المكان نفسه، صعوبة مزدوجة تتمثّل في ارتفاع درجة حرارة الطقس، والحرارة العالية التي تنبعث من الفرن.

ودائماً ما يُبلغ عمال الأفران، خلال الموسم الحار، عن أعراض «الإجهاد الحراري وانخفاض الإنتاجية والتأثيرات في الحياة اليومية»، وفقاً لدراسة أجريت عام 2015.

موجات الحر

ويقول عامل قوالب الطوب، رام برافيش مانجهي (35 عاماً)، الذي يعمل في الفرن ذاته الذي يعمل به راجبوت، إن حرارة الليل والنهار متساوية بالنسبة له.

ويضيف: «في الشتاء يمكننا العمل طوال اليوم تقريباً، لكن مع دخول شهر يونيو تكون بضع ساعات في النهار مرهقة جداً، حيث يتوقف معظم عمل الفرن عن العمل في ذروة ارتفاع حرارة النهار، لكن لا يتم إطفاء النار».

وكان صيف 2024 في الهند حاراً جداً، إذ شهدت البلاد أطول موجة حر على الإطلاق، وكانت بيهار واحدة من الولايات الشمالية التي تحملت وطأة درجات الحرارة القصوى، مع أكثر من 12 حالة وفاة بسبب ضربة شمس.

ومن المتوقع أن تصبح موجات الحر في الهند أكثر شدة وتستمر لفترة أطول في السنة، كما من المتوقع أن تحدث بتواتر أعلى وفي وقت مبكر من العام.

وستسهم الولايات الشمالية، بما في ذلك بيهار، التي لديها أكبر عدد لأفران الطوب، في ارتفاع درجات الحرارة أكثر.

دراسة

وأظهرت دراسة أجراها مختبر «رايتس لاب» في جامعة نوتنغهام في المملكة المتحدة، أن العاملين في أفران الطوب هم من بين الأكثر عرضة للاحترار العالمي.

ورسم الباحثون خرائط لأكثر من 48 ألف فرن طوب في جميع أنحاء الهند باستخدام بيانات الأقمار الاصطناعية، ثم ركبوا نماذج المناخ التي تتعلق برصد المناخ على المواقع الجغرافية للأفران، للتنبؤ بعدد أيام الحرارة الشديدة التي سيتحملها عمال الأفران منذ الآن إلى عام 2050.

وتم إجراء التنبؤات بخطر الإجهاد الحراري المستقبلي في أفران الطوب باستخدام مقياس درجة حرارة خاص، يجمع بين درجة حرارة الهواء الجاف والرطوبة وزاوية الشمس ومستويات الرياح.

الحرارة الأعلى

ويتم تعريف درجة الحرارة الأعلى من 30 درجة، كونها تُعدّ إجهاداً حرارياً معتدلاً، و34 درجة مئوية هي إجهاد حراري شديد.

ووفقاً للخدمة الوطنية للأرصاد الجوية الأميركية، إذا تجاوزت درجة الحرارة أكثر من 32.2 على المقياس الخاص، فإن العمل أو ممارسة الرياضة في ضوء الشمس المباشر، سيسبب الإجهاد للجسم بعد مرور 15 دقيقة فقط.

وتقول مديرة مختبر «رايتس لاب»، البروفيسور دورين بويد: «تقيس الدراسة التي أجريناها مخاطر الإجهاد الحراري بالمستقبل في أفران الطوب في جميع أنحاء الهند، على نطاقات لم تكن ممكنة من قبل، حتى عام 2050، ما يدل على أنه من الممكن التنبؤ بتهديدات العمل، والاستعداد لها باستخدام بيانات وأساليب جديدة».

وتضيف أن منظمة العمل الدولية، تُعرّف العمل اللائق بأنه: «عمل منتج في ظروف من الحرية والمساواة والأمن».

3 سيناريوهات

وبحسب «دراسة رايتس لاب»، تم إجراء التوقعات بناءً على ثلاثة سيناريوهات محتملة، الأول يتميّز بانبعاثات منخفضة وتقنيات نظيفة وتعاون عالمي قوي مع التركيز على الاستدامة، فيما السيناريو الثاني يتميّز بالانبعاثات المعتدلة والمنافسة الإقليمية والجهود المختلطة في العمل المناخي، في حين يركز السيناريو الثالث على الانبعاثات العالية والاعتماد على الوقود الأحفوري وعدم وجود اهتمام بالمناخ.

وتظهر الدراسة، التي نشرت في «مجلة التنمية المستدامة»، أنه بحلول عام 2050، حتى في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، سيشتغل العمال في درجات حرارة أعلى في معظم أفران الطوب.

ونظراً إلى أن معظم العمال يتقاضون أجورهم بصورة مجزأة، فإنهم يترددون في أخذ فترات راحة خوفاً من فقدان الأجر، ما يجعلهم أكثر عرضة لضربة الشمس والجفاف والأمراض طويلة الأمد.

وتأمل البروفيسور بويد، أن يؤدي تسليط الضوء على هذه المخاطر في البحث وإنشاء وحدة تدريبية عبر الإنترنت، إلى مناقشة بين صنّاع السياسات وأصحاب العمل حول حقوق العمال، بما في ذلك تحسين الظروف، ونظام دفع أكثر عدالة.

وتؤكد الدراسة، التي دعمها صندوق ابتكار العبودية الحديثة التابع للحكومة البريطانية، أن «ثمة حاجة مُلحة بالنسبة لصناعة الأفران ومفتشي العمل والبيئة الحكوميين لفهم ووضع سياسات العمل الشاملة، والتدخل في مكان العمل لتجنب المخاطر الصحية لهؤلاء الملايين من العمال الذين يعملون في أفران حرق الطوب». عن «الغارديان»


إغلاق

يتم إغلاق أفران حرق الطوب في الهند خلال فصل الرياح الموسمية، من نهاية يونيو إلى نوفمبر، وعلى مدار 200 يوم تقريباً من موسم صناعة الطوب الجاف، يوقد العمال النار في الفرن كل 10 دقائق لكي يبقى الفحم مشتعلاً، وهي وظيفة شاقة جداً، كما أنها أكثر إرهاقاً في الأيام الحارة.


 تأمين السلامة

 

عمال خلال فترة استراحة. من المصدر

 قال مالك فرن لحرق الطوب، يُدعى بالديف براساد، إن من أولوياته تأمين السلامة للعمال، ومنحهم أجوراً منصفة.

وأضاف براساد الذي يدير الفرن منذ نحو 25 عاماً: «تؤثر الحرارة في إنتاجية العمال، لكننا نريد منهم البقاء هنا، وبناء عليه نعمل على التأكد من أننا نتخذ كل التدابير الضرورية لضمان راحتهم، بما في ذلك اتخاذ القرار لوقف جميع النشاطات الأخرى غير أعمال الحرق، خلال ذروة ارتفاع الحرارة في اليوم».

وأكد العمال من جهتهم أنهم يتمكنون من الحصول على الماء النظيف، ويستطيعون الاستحمام، ولديهم كهرباء في مساكنهم، وثمة رشاشات مياه ترش عليهم الرذاذ، بهدف جعل الأرض باردة، فضلاً عن حصولهم على الرعاية الصحية.

من جهته، قال نيفيت كومار ياداف، من مركز العلوم والبيئة في دلهي، إنه لا يتم عمل الكثير على الأرض حالياً، لكن على المدى الطويل، هناك حاجة إلى خطة ليتكيّف العامل مع بيئة العمل بشكل أفضل.

وأضاف أنه «يتم تدريب عامل الفرن العادي على التعامل مع الحرارة المتولدة من أسفل الفرن، لكن ليس مع حرارة الجو».

وتحدثت عاملة التحميل، كيران سونكار، البالغة من العمر 27 عاماً، خلال أخذها استراحة بعد الظهر في سكن تابع للفرن، عن أن الحرارة تظل تشغل أذهان جميع العمال في الفرن.

وتقول: «في أيام الصيف الحارة أشعر بالامتنان لأمرين، المروحة في غرفتي، وشجرة بانيان الكبيرة في مباني الفرن، غير أن درجة الحرارة تزداد ولا أحد يستطيع إيقاف الطقس الحار الذي نواجهه».

لكن ليس كل من يعمل في فرن حرق الطوب محظوظاً بما يكفي للحصول على استراحة بعد الظهر، إذ يواصل المسؤول عن فريق من عمال الفرن، هاريلال راجبوت، إشعال الفحم حتى اقتراب نوبته من نهايتها، ويقول: «مع مرور السنوات أشعر بأن الحرارة تزداد شيئاً فشيئاً، وإذا كنت تعمل في فرن حرق الطوب، ليس هناك من طريقة للهروب من الحر»، ويضيف: «أشعر أحياناً بالدوار، ولا يمكنني التوقف عن العمل، ويبدو أن الانحباس الحراري العالمي يجعل حياة عمال الفرن لا تطاق بالفعل، وسيزداد الأمر سوءاً مع الأسف».

 بيئات فقيرة

 انتهى المطاف بالشاب شيفا نارايان (22 عاماً)، الخريج الحديث من ولاية ماديا براديش، للعمل في فرن دانابور بعد أن عجز عن إيجاد عمل آخر للإنفاق على عائلته، التي كانت تكافح من أجل تسديد ديونها. وكان معظم زملائه من العمال جاؤوا من بيئات مشابهة تعاني الفقر.

ويقول نارايان: «العمال في فرن دانابور من بيئات فقيرة، وهم مضطرون للعمل هنا لأنه ليس لدينا خيارات أخرى، حتى في ظروف الحرارة الشديدة وفي جميع الأوقات».

وعلى الرغم من الحرارة المرهقة، يقول نارايان وعمال آخرون، إنهم ضد تقليص أيام العمل لأن ذلك يعني فقدان الكثير من أجرهم، حيث يكسب معظم العمال في المتوسط 14 ألف روبية شهرياً.

. 15 مليون عامل يوقدون النار في 140 ألف فرن لحرق الطوب بالهند، التي تُعدّ الثانية عالمياً بعد الصين في إنتاج الطوب المحروق.

. عمال الأفران معظمهم من المهاجرين، ويعملون ويعيشون في المكان نفسه.

. دراسة أجرتها جامعة نوتنغهام أظهرت أن العاملين في أفران الطوب يُعدّون من بين الأكثر عرضة للاحترار العالمي. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق