نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الانتخابات البلدية 2025: استعادة الدولة أم تعزيز الطائفية؟ - عرب فايف, اليوم الخميس 17 أبريل 2025 03:03 صباحاً
تعود الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان هذا العام بعد تأجيلات متكررة فرضتها الأزمات السياسية والمالية والصحية، لتتحول من استحقاق تنموي محلي إلى ساحة اختبار سياسي جديد يُرسم على خطوط طائفية ومناطقية، في وقت يعاني فيه لبنان من تداعيات أزمات بنيوية تهدد بقاء مؤسساته وقدرته على الحكم.
مع تحديد مواعيد الانتخابات البلدية تباعاً في مختلف المحافظات، عاد الخطاب الطائفي والمناطقي ليحتل الواجهة، وتسابقت الأحزاب السياسية لإعادة ترتيب صفوفها، ليس على أساس البرامج التنموية أو خطط الخدمات، بل وفق الحسابات السياسية الكبرى، خصوصاً أن هذا الإستحقاق يسبق الاستحقاق النيابي الهام بعام واحد فقط، ولو أن الحسابات الانتخابية البلدية قد تختلف بعض الشيء عن النيابية.
المفارقة الصادمة في الانتخابات البلدية هي أن اللامركزية، التي يُفترض أن تعزز الحكم المحلي، تحوّلت في الممارسة إلى تكريسٍ للانقسام الطائفي. ففي معظم القرى والبلدات، تُبنى التحالفات وتُخاض المعارك وفق الانتماء المذهبي والعائلي، لا وفق الكفاءة أو المشروع التنموي، والبلديات، التي من المفترض أن تكون مؤسسات مدنية حيادية تُعنى بشؤون المواطن اليومية، تُدار فعليًا من قبل منظومة طائفية تعيد إنتاج ذاتها حتى في أصغر الدوائر.
رغم تصاعد الخطاب الإصلاحي في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد انتفاضة 17 تشرين 2019، إلا أن الواقع الانتخابي لا يعكس تحولاً جذريًا في المزاج الشعبي. العديد من لوائح "التغيير" تواجه صعوبة في التمويل والتنظيم والتغلغل داخل المجتمعات المحلية، مقابل هيمنة القوى التقليدية التي تمتلك بنية حزبية راسخة وشبكات نفوذ ممتدة، واللافت أنه خلال الأعوام التي تلت التحركات الشعبية اندمجت قوى التغيير ضمن الصورة العامة للقوى السياسية فلم تستطع أن تخلق لنفسها مكاناً فريداً بل صارت جزءاً من الإنقسامات بالبلد.
في بعض المناطق، كما في الجنوب والبقاع والشمال، تفرض الأحزاب تحالفاتها على القرى بقوة الواقع السياسي أو الأمني، ما يجعل الانتخابات أقرب إلى تعيينات مقنّعة منها إلى عملية ديمقراطية فعلية. وفي بيروت، حيث يفترض أن تُشكل الانتخابات فرصة لتصحيح مسار الحوكمة المحلية، ما زال الانقسام الطائفي حاضراً بقوة في تكوين اللوائح وتوزيع الأدوار، فبحسب معلومات "النشرة" لا تزال القوى السياسية تبحث عن كيفية ترتيب المناصفة الطائفية بدل البحث في كيفية إنتاج مجلس بلدي متجانس يهتم بشؤون العاصمة، وهذا الأمر أصبح أصعب بعد ابتعاد تيار المستقبل عن العمل البلدي الإنتخابي، حتى ولو شارك بها.
وتُفيد المعلومات أن محاولات تأجيل الاستحقاق من باب تعديل القانون لا تزال قائمة رغم كل الحديث عن حصول الاستحقاق في وقته.
بعد الإنتخابات، من أبرز التحديات التي ستواجه البلديات المنتخبة هو غياب التمويل المركزي الكافي، في ظل الشلل الحكومي والضغط المالي، اذ تعاني البلديات من نقص حاد في الموارد، ما يجعلها عاجزة عن تنفيذ مشاريع حيوية، أو يدفعها للاعتماد على دعم خارجي، غالباً ما يكون مشروطاً بمواصفات لا تتوفر في معظم المجالس الحالية.
الأمر الأخطر أن بعض الجهات المانحة الدولية بدأت تُبدي تحفظات على التعاون مع بلديات تسيطر عليها أطراف سياسية مصنفة كـ"طرف مسلح" أو "غير شفافة"، ما يُعيد خلط الأوراق في العلاقة بين السلطات المحلية والمجتمع الدولي.
كل هذا الواقع يجعل من إنقاذ العملية البلدية من براثن الطائفية يتطلب تغييراً في القوانين، واعتماد نظام انتخابي أكثر تمثيلاً وعدالة، يعزز مبدأ المواطنة لا الانتماء الطائفي. كما أن تطبيق اللامركزية الإدارية والمالية بشكل فعّال، مع إشراف قضائي مستقل وشفاف، هو المدخل الحقيقي لتحرير البلديات من سطوة الطائفيين، وقبل كل ذلك لا خلاص للبلديات ولا البلد ككل رغم كل ما يُحكى عن اصلاحات.
الانتخابات البلدية 2025 يمكن أن تكون نقطة انطلاق لاستعادة دور الدولة، إذا أراد اللبنانيون ذلك فعلاً، لكنها في ظل المعطيات الحالية، تبدو أقرب إلى إعادة إنتاج للانقسام، لا لإنتاج الحل.
0 تعليق