في تطور أمني هام، أعلنت دائرة المخابرات العامة في الأردن عن إحباط مخطط إرهابي كان يهدف إلى تصنيع أسلحة محلية ذات مدى يتراوح بين 3 إلى 5 كيلومترات. وفقًا للتقارير الرسمية، فقد تم الكشف عن خلية خطيرة تقف خلف أنشطة تخريبية تستهدف زعزعة استقرار المجتمع وأمن الوطن.
ليسوا منفذين فحسب.. من يقف خلف الـــ 16 الذين أرادوا إحراق الأردن؟
في عالم يموج بالصراعات والتقلبات الإقليمية، يُثبت الأردن مجددًا أن أمنه ليس منّة من أحد، بل نتيجة لجهد أمني عميق، ويقظة استخباراتية لا تعرف التهاون. كشفت دائرة المخابرات العامة الأردنية، عبر بيان رسمي وتقرير مصوّر بثه التلفزيون الأردني، تفاصيل واحدة من أخطر القضايا الأمنية التي جرى التعامل معها منذ سنوات، وأطاحت بمخطط إرهابي معقّد بدأ في عام 2021، بعيدًا عن الأنظار، واستمر على مدى أربع سنوات، بتمويل وتدريب خارجي، وتنفيذ داخلي بأيدٍ تنتمي لتنظيم غير مرخّص ومنحل.
ليست هذه القصة من نسيج الخيال، بل واقع خطير لخلية إرهابية متشعّبة، تورطت في تصنيع صواريخ قصيرة المدى بأدوات محلية وأخرى تم تهريبها من الخارج، وحيازة متفجرات ، وتجهيز طائرات مسيّرة، فضلاً عن إنشاء مستودعات محصّنة وغرف سرية للتخزين في محافظتي الزرقاء وعمان. كل ذلك كان يجري على الأرض الأردنية، تحت أعين الحذر الأمني، وفي ظل رصد استخباراتي دقيق منذ لحظة الانطلاق الأولى.
تشير المعلومات إلى أن هذه الأسلحة كانت تهدف إلى تنفيذ هجمات تستهدف مؤسسات الدولة أو الأماكن الحيوية، بما في ذلك مراكز أمنية أو مقرات رسمية، بهدف إحداث الفوضى والذعر في المجتمع.
ما جرى كشفه يتجاوز كونه جريمة أمنية أو عملية تهريب سلاح، نحن أمام مشروع متكامل يهدف إلى زعزعة أمن الدولة الأردنية من الداخل. مشروع بدأ منذ ما قبل "طوفان الأقصى”، وقبل أن تتفجر الأوضاع في غزة والمنطقة، مما يؤكد أن الحجة الإقليمية غير قائمة، وأن الهدف الأساسي لم يكن التضامن مع المقاومة أو المشاركة في صراع خارجي، بل تنفيذ أجندة داخلية بأدوات تخريبية غايتها الفوضى وإضعاف الدولة.
الأخطر من ذلك، أن المخطط لم يكن فرديًا، بل مرتبط بجهات خارجية وتنظيمات أيديولوجية منحلة، تؤمن بالعنف طريقًا لتحقيق أهدافها. أحد المحرّكين الرئيسيين ويدعى إبراهيم محمد، وفق التقرير المتلفز، انتمى إلى جماعة الإخوان غير المرخصة، وقد رتّب لعنصرين من الخلية زيارات إلى لبنان لتلقي التدريب والتنسيق مع قيادات تنظيمية هناك. فيما أسندت مهمة نقل الأموال إلى عنصر ثالث. هذه ليست فقط مجموعة أفراد ضالين، بل شبكة متكاملة التنظيم والتمويل والتوجيه.
وقد تنوّعت القضايا التي انخرط فيها أعضاء الخلية الإرهابية: من تصنيع صواريخ يصل مداها إلى 5 كيلومترات، إلى تطوير طائرات بدون طيار، إلى تخزين مواد شديدة الانفجار في مناطق مأهولة، فضلاً عن إنشاء مستودعات سرّية بأبواب إسمنتية مموّهة ومصممة بطريقة هندسية دقيقة لإخفاء الأدوات والمتفجرات. هذا الحجم من الاستعدادات لا يدل على هاوية عشوائية، بل على عمل ممنهج، طويل النفس، هدفه المساس بسيادة الدولة الأردنية.
هذا الكشف يأتي تأكيدًا على الجهود المستمرة التي تبذلها الأجهزة الأمنية في متابعة أي تهديدات محتملة وضمان سلامة الوطن والمواطنين.
وفي الوقت الذي كانت فيه الدولة الأردنية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، تسخّر كل أدواتها الدبلوماسية واللوجستية لإيصال المساعدات إلى أهلنا في غزة، كانت هذه العناصر تُحضّر لضرب الداخل. المفارقة القاتلة أن المشروع الذي سعت هذه المجموعة لتنفيذه، لم يستهدف عدواً خارجيًا، بل الشعب الأردني، ومؤسسات الدولة، ورمزية الاستقرار.
دائرة المخابرات العامة، التي تابعت القضية منذ 2021، عملت بحرفية استخباراتية هادئة، راقبت، وثّقت، وانتظرت اللحظة المناسبة، حتى تمكّنت من الإطاحة بالمجموعة بعد تأكدها من جهوزية النموذج الأولي للصاروخ. ما تم ضبطه من أدوات، ومواد خام، وهياكل معدنية، يشير إلى أن الخطة كانت في مرحلة متقدمة، بل وشارفت على التنفيذ، وأن المملكة كانت قاب قوسين أو أدنى من كارثة محتملة.
الخاتمة: المخابرات الأردنية.. يدٌ تصفع الإرهاب قبل أن ينهض
ليست القضية مجرد 16 مُنفذاً وُضعوا خلف القضبان، بل هي شرارة تكشف حرباً خفيةً تُدار على الأرض الأردنية.. ندعو الجميع إلى الوقوف خلف قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، والتعاون معها لضمان الأمن والاستقرار في المملكة. نقف جميعًا خلف دائرة المخابرات العامة، ندعمها ونشد على يد كل رجل أمن كان له دور في حماية الوطن من هذا المشروع الظلامي. لكن القصاص لا يجب أن يتوقف عند العناصر المنفذة. فالمجرم الحقيقي هو من خطط ودرب ومول، من يحرك هذه الخلايا من الخارج، ويبعث إليها بالأموال والأفكار المسمومة. العدالة لن تكتمل إلا بمحاسبة كل من تجرأ على استهداف الأردن، فهؤلاء لم يكونوا سوى أدوات... مَنْ ظنَّ أن بإمكانه استيراد الفوضى إلى أراضينا، فليعلم أن قبضة الأجهزة الأمنية أقوى من كل صواريخه المزيفة، وأن الشعب الذي وقف خلف قيادته لن يسمح لأحدٍ بتحويل أرض السلام إلى ساحة للدمار. الرسالة واضحة: مَنْ أدار هذه اللعبة من الخارج سيدفع الثمن .. أما العقل المدبر، فهو الهدف الحقيقي للعدالة ... غداً لن يكون مُبكراً على العدالة أن تصل إليه...
كاتب وباحث اردني
0 تعليق