شخصيات لها تاريخ «58» على ماهر باشا.. «ميكافيللى» العصر الملكى - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
شخصيات لها تاريخ «58» على ماهر باشا.. «ميكافيللى» العصر الملكى - عرب فايف, اليوم الثلاثاء 15 أبريل 2025 02:41 مساءً

شكؤا متابعينا الكرام لمتابعتكم خبر عن شخصيات لها تاريخ «58» على ماهر باشا.. «ميكافيللى» العصر الملكى

تولى رئاسة الحكومة عدة مرات ورئاسة الديوان الملكى مرتين فى عهدى فؤاد الأول وفاروق الأول واختاره الضباط ليتولى رئاسة أولى حكومات الثورة
عمل فى كل المهن القانونية مثل المحاماة والنيابة والقضاء وتولى عمادة كلية الحقوق ومنصب وزير الحقانية وكان عضوًا فى لجنة كتابة دستور 1923
تصدى للداخلية فى عهد «إسماعيل صدقى» واستقال من منصبه «وزير الحقانية» والتمس من الملك تخفيف العقوبة الصادرة ضد «أحمد جعيدى» قاتل مأمور البدارى
شارك فى ثلاثة انقلابات دستورية لصالح القصر و«مصطفى النحاس» اعتقله بتهمة موالاة دول «المحور» بناء على رغبة بريطانية

هذا الرجل شركسى الأصل، كان حجة فى القانون، وشغل كل المناصب القانونية من المحاماة والقضاء والنيابة العامة إلى عمادة كلية الحقوق، وشارك فى صياغة دستور 1923، وبعد ثورة يوليو 1952 كان أول رئيس وزراء يختاره “الضباط الأحرار”، وهو الذى أقنع “الملك فاروق” بالتنازل عن العرش لولى عهده الطفل “أحمد فؤاد”، وهو الذى اختاره “الملك فؤاد” ليكون رئيس ديوانه، وكذلك اختاره “فاروق” للمهمة نفسها، وكان وكيل “حزب الاتحاد” الذى أنشأه القصر فى عهد فؤاد ليحارب به حزب الوفد، وهو الذى استقال من حكومة إسماعيل صدقى، بعد أن شارك فى الانقلاب الدستورى الذى أتى به إلى رئاسة الحكومة، وكان عضوا فى حزب الوفد مع الزعيم سعد زغلول، وانشق عن الحزب، وهو من تزعم إضراب الموظفين فى ثورة 1919، وتولى رئاسة الوزارة أربع مرات فــى منعطفـات وأزمــات سياسية حتــى أطلـق عليــه لـقــب “رجــل الأزمــات” ورجــل الســاعــة..

يعرف المهتمون بالسياسة شخصية “ميكافيللى” صاحب كتاب “الأمير”، ولكن فى مصر كان لهذا ـ الانتهازى السياسى ـ تلاميذ منهم “على ماهر باشا”، فهو من الفصيل الذى استوعب جوهر اللعبة الديمقراطية الغربية، وفهم أن مقولات “العدل، القانون، الصندوق، الانتخاب، السلطة” ما هى إلا أدوات لها وجوه متعددة، والذكى البارع هو من يستخدمها لتحقيق مصالحه، وهو كان من الشركس، والشركس فريق من “المماليك” منهم “محمود سامى البارودى” ومنهم “عثمان رفقى” وزير الحربية المعادى للمصريين، الذى تزعم الحرب على “أحمد عرابى” ورفاقه الضباط فى زمن الخديو “توفيق”، لكن “على محمد ماهر” كان أبوه عسكريا، درس فى المدارس الابتدائية والتجهيزية، والتحق بالمدرسة الحربية فأصبح ضابطا وبلغ منصب “وكيل وزارة الحربية” وغرس فى أولاده الروح العسكرية، فألحقهم بالمدارس “الداخلية” ليقوى فى قلوبهم روح الاعتماد على النفس، وكان يجعل كل واحد منهم يرأس شئون البيت فترة من الزمن، حتى يعلمهم القيادة والمسئولية، ونبغ من أولاده اثنان توليا رئاسة الحكومة المصرية فى العصر الملكى “على ماهر باشا، أحمد ماهر باشا” والاثنان دخلا الحياة السياسية من باب ثورة 1919، والاثنان خرجا على “حزب الوفد”، الأول “على ماهر” خرج مبكرا فى زمن “سعد زغلول” والثانى خرج على “مصطفى النحاس” وكوّن “الهيئة السعدية” ومعه “محمود فهمى النقراشى”، واغتيل فى البهو الفرعونى فى مبنى البرلمان فى مدينة القاهرة فى العام 1944، وكان فى منصب “رئيس الحكومة” خلفا لعدوّه السياسى “مصطفى النحاس”، وبعد اغتياله جاء “محمود فهمى النقراشى”، لكن مسيرة “على ماهر” ارتبطت بالقصر الملكى، والعداء للوفد، فكان يختطف “الحرية” التى منحها الدستور للشعب، ليمنحها للجالس فوق العرش، وبذلك يضمن لنفسه البقاء بالقرب من الملك القابض على زمام السلطة، وطوال تاريخه السياسى خاض الحروب والمعارك، وحقق المكاسب، وخسر بعض المعارك منها معركة داخل القصر كان خصمه فيها كامل البندارى باشا، وكيل الديوان الملكى، واستطاع البندارى أن “يفخخ” على ماهر، ويوغر صدر “فاروق” الملك الشاب عليه، بأن نقل إلى الملك الشاب العنيد، مقولات “على ماهر” التى قالها فى حضور أقارب له، زعم بها أنه “الملك الحقيقى” الذى يحرك العرش ويملى أفكاره على “الملك الشاب”، وكانت المناسبة الدينية “عيد الهجرة النبوية” فرصة ليخاطب “فاروق” الشعب، عبر “الإذاعة” فى الوقت الذى كان فيه “على ماهر” فى لندن للمشاركة فى مؤتمر سياسى دولى، فأبرق الملك برقية إلى رئيس الديوان “على ماهر باشا” وطلب منه الاستماع إلى الكلمة التى سوف يلقيها عبر أثير الإذاعة، وكان القصد منها إبلاغ ـ الباشا رئيس الديوان ـ رسالة معناها أن “الملك” ليس فى حاجة إليه، وأنه يستطيع الاستغناء عنه، ومن المفيد هنا أن نقرأ ما كتبه ـ الدكتور عبد العظيم رمضان ـ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر فى كتابه “الصراع بين الوفد والعرش”:

فى ذلك الحين كان القصر الملكى يتهيأ لأعظم انفجار بين “على ماهر باشا” و”محمد كامل البندارى باشا” وهذا الصراع بدأ فى العام 1938، وانتهى بفشل “على ماهر” فى زحزحة ـ البندارى ـ من القصر، وقد أتيحت للبندارى باشا فرصة لتعزيز مركزه بالاستناد إلى بعض أفراد الأسرة المالكة وإلى جماعة “مصر الفتاة” ذات الميول “الفاشية” وساعده على ذلك المناخ الدولى الموالى للأنظمة الفاشية فى ألمانيا وإيطاليا، ثم سنحت الفرصة للبندارى باشا لتوجيه ضربة قاصمة إلى “على ماهر” حين خلا له الجو بسفر “على ماهر” إلى لندن لحضور مؤتمر المائدة المستديرة بخصوص فلسطين، فقد استطاع “البندارى” تخليص “فاروق” من تأثير”على ماهر” عن طريق نقل ما يردده أقارب “على ماهر” من أنه الحاكم الفعلى فى القصر، ونقل بذلك ـ السلطة ـ من يد “على ماهر” إلى صاحبها الأصلى وهو “الملك”، ثم أقنع الملك بإجراء خطير هو إعلان حكم القصر سافرا على الأمة، وأقنعه بأنه يستطيع أن يجد فى الشباب الملتف حول “مصر الفتاة” سندا لحكمه، يغنيه عن أية مساندة شعبية، واستهوت هذه الأفكار “الملك فاروق” ورأى أن يعلنها فى خطبة يذيعها بالراديو على العالم الإسلامى لمناسبة العام الهجرى الجديد، ومن الطريف أنه أرادها أن تكون رسالة يوجهها إلى “على ماهر” فى لندن ليعرّفه بأن دولته قد زالت ولم يعد يملك تأثيرا عليه، ومما جاء فى خطبة الملك فاروق:

ـ إننى مع إعجابى بوالدى، قد أكون خالفته فى بعض الطباع، ولكننى أؤكد أننى قد احتفظت بأبرز هذه الطباع، فأنا مثله لا يستطيع أن يؤثِّر فىَّ أحد إذا تبينت صواب أمر واعتقدت بعد تقليب الرأى، أنه فى صالح شعبى أفرادا وجماعات، وأن ثقتى بنفسى وتوكُّلى على الله هما اللذان يلهمانى تصريف الأمور، ويوجهانى الوجهة التى أختارها، إننى أؤمن أن شباب مصرالمتوثِّب إلى المجد سيكتبون صحيفة خالدة فى تاريخ الوطن، وفى استطاعتهم أن يصنعوا من هذا الوطن العزيز، مصر العظيمة المتحدة التى هى آمالنا وأحلامنا جميعا، وعلى الشباب وحده تحقيق هذا الحلم.

ويقول ـ دكتور عبد العظيم رمضان ـ إن “محمد كامل البندارى” التقاه فى القاهرة فى شهر سبتمبر 1969 وأخبره بأن إشارة “فاروق” إلى الشباب فى الخطبة الملكية كان يقصد بها “مصر الفتاة” وذكر له أن “فاروق” هو من كتب هذه الخطبة بنفسه، وأن “البندارى” هو من  منحه الأفكار التى وردت بها، وقد أذيعت الخطبة فى مساء يوم “22 فبراير 1939”.

 شخصية الجيل

  وحياة “على ماهر باشا” كانت صاخبة، عجيبة من عجائب السياسة المصرية، ومن مظاهر الصخب والدهشة، قيام معلم فى مدرسة الأمير فاروق الثانوية الأميرية، اسمه “عبد الرحمن مصطفى رضوان” بتأليف كتاب حمل عنوان “شخصية الجيل.. على ماهر”، وهذا المعلم وصف نفسه بأنه “أستاذ علوم” والشهادة التى نالها هى “الليسانس فى التربية والعلوم”، وهذا الكتاب يتضمن التحليل والتبرير والإشادة بكل قرار وموقف اتخذه “على ماهر” فى سنوات عمله السياسى، وقد رأيت أن أسوق للقارئ مقتطفات من هذا الكتاب الذى اعتبرته “مرافعة” قام بها “معلم ثانوى” دفاعا عن “ميكافيللى” السياسة فى العصر الملكى، وهذه المقتطفات مفيدة لمن يريد أن يعرف أنماط التفكير التى سادت فى بلادنا، خلال القرن الماضى..

يقول مؤلف كتاب “شخصية الجيل.. على ماهر”:

ـ أستطيع القول إنى اتخذت محور الكتاب دراسة شخصية “على ماهر” وسرد فصولها باعتبار ـ الرجل ـ أقوى القادة، فى توجيه “الجيل” الذى سيكون بدوره نواة الأجيال الناشئة من الأبناء والأحفاد والقادة أيضا..

ـ كنا لم نزل صغارا ناشئين والثورة المصرية فى نشأتها فى سنة 1919 والحركة تستعر والأمة تحدّ وتحتدّ، لما سمعنا صوتا يجلجل دويّه فى جنبات الحكومة فتهتز البلاد من أقصاها إلى أقصاها بحادث فرد فى التاريخ، ذلك هو إضراب الموظفين.. هل تعلم من هو الذى نادى بالإضراب؟.. هكذا سألنى أبى وكنت لم أزل فى نحو العاشرة.. هو “على بك ماهر” وسرعان ما سرت كلمة الاحتجاج مؤيدة بالعمل الإيجابى فى روح الثورة، تنفح فيها الحياة وتدفعها للغضب.. أى رجل هذا؟ بل أى خطر؟ وعلى المؤرخ المدقق أن يسجل أنه لو صح أن نقول عن الثورة بأنها شطران، لكانت فعلة “على ماهر” هى شطرها الأول، ومازلنا بعد مضىّ عشرين عاما نسمع الشيوخ والشباب والنساء يتحدثون عن هذا الحادث عندما يُذكر أمامهم اسم الرجل.

ـ قد يقف المفكر الذى يحلل حوادث التاريخ ويتلمس لها الأسس والأسباب أو يطبق عليها ـ كما يقول المناطقة ـ قانون التعليل، قد يقف لحظة ويسائل نفسه، لماذا اعتزل الرجل وانشق عن “الوفد” وعاد إلى الوطن مع بعض زملائه؟

ولكن هل لمن أخطأوا بالأمس أن يجمعوا بين ذكرى يوم استقلال الرجل فى كفاحه وحقيقة ما آل إليه أمر من انشق عليهم؟.. من مِن أنصار الحقيقة لايقلب فكره فيما مر من سنوات منذ ذلك العهد ليرى صدق حدس الرجل وبُعد نظره الذى دلّه على حقيقة ظهرت بعد نيِّف وخمس عشرة سنة بما حل بعضه بالمحاربين القدماء ـ إن صح هذا التعبير ـ عن قوم خدعوا الأمة وحاربوا الرجل.. يا للرجل من ثائر يبنى ثورته على أسس المنطق والعقيدة، يا له من شعلة ذكاء خارق يستشف ما وراء الحوادث ويا له من جبّار يؤمن بالنصر ولا يمل من الثقة بهذا الإيمان العجيب مهما طال الزمن وتتابعت المِحَن.

ـ هو داعى الوطن مرة أخرى.. سنة 1923، فلما رأى بطلنا “على ماهر باشا” أن الوطنية المصرية أصبحت كأنها سلعة عرضها قوم من المصريين للتجارة والشهرة، وأن الدفاع عن الحرية  أصبح مُضغة فى أفواه المغالطين، وأن المطالبة بالاستقلال أصبحت حرفة يقوم بها أفراد حسبوا الوطنية والدفاع عن الحرية والمطالبة بالاستقلال حكرا لهم دون سواهم، لم يجد مانعا من أن ينضم إلى حزب “الاتحاد” ليكوّن الوحدة القومية المبعثرة، وتجلت صورة الرجل فى حزب “الباتحاد” مما أعاد إلى الأذهان صورة الثائر الأول وهى صورته..

ولا نملك التعليق أو مواصلة قراءة هذا الكتاب المبنى على “قلب” الحقائق، وعكس الوقائع، وهو كتاب لا نعرف ظروف تأليفه، وما الثمن الذى تقاضاه المؤلف “عبدالرحمن مصطفى رضوان” معلم الثانوى، ولكن الباحث الدكتور ـ محمد فريد حشيش ـ له رسالة دكتوراه منشورة ضمن سلسلة تاريخ المصريين “الهيئة العامة للكتاب” تحتوى على قصة الصراع بين “حزب الوفد” وزعيمه “مصطفى النحاس” ـ من جهة ـ والقصر الملكى و”على ماهر” من جهة أخرى، فالزعيم مصطفى النحاس كان يؤمن بالديمقراطية، ويؤمن بأن الأمة هى مصدر السلطات، و”على ماهر” والملك المستبد “فؤاد الأول” يرفضان هذا الإيمان، ويسعيان للسيطرة والاستبداد، ورغم أن “على ماهر” كان عضوا فى لجنة الثلاثين التى كتبت “دستور 1923” ورغم أنه “قاضى وأستاذ قانون” كان  مهندس كل “الانقلابات” التى صاغها الملكان “فؤاد الأول وفاروق الأول” ونقرأ ما كتبه  دكتور محمد فريد حشيش فى هذا الشأن:

ـ برزت المطامع التى حاكها رجال القصر لكى يستردوا خيوط السلطة، فحينما يريد الملك تعيين مهندس إنجليزى فى “الباخرة المحروسة” وتريد حكومة “الوفد” أن تطبق القانون على هذا المهندس، يرفض الملك فاروق، ويتمسك كل طرف برأيه، ويذهب النحاس للقاء الملك ليقول له إنه حريص على منح الملك حقوقه وسلطاته، لكن هناك قانون “على ماهر” ولابد من تطبيقه وكان جواب الملك هو:

ـ أنا سألت على ماهر فقال لى إنه حين أصدر القانون لم يخطر بباله موظفو السراى.. وأدرك “النحاس” أن “على ماهر” يقف خلف الستار، ولم يمض وقت طويل حتى ظهر لكى يلعب دوره بكل وضوح، وفى 20 أكتوبر 1937 صدر مرسوم ملكى بتعيين “على ماهر”  باشا، رئيسا للديوان الملكى، وكان هذا التعيين رغم أنف الوزارة ودون رغبة منها ودون أن يعلم رئيس الحكومة مصطفى النحاس، وكانت مسألة تعيين رئيس الديوان مثار شدّ وجذب، إذ أدركت الحكومة الوفدية أن “السراى” لا ترغب فى إشراكها فى ترشيح أو اختيار من يشغل هذا المنصب، وكانت ترشيحاتها قد رفضها الملك، وفاجأ الجميع بتعيين على ماهر باشا، وهو رجل الملك فؤاد، وعضو حزب “الاتحاد” وكان رئيس الديوان قبل أن يجلس “فاروق” على العرش.

ويقول دكتور محمد فريد حشيش:

ـ كان تعيين “على ماهر” رئيسا للديوان الملكى باعثا على الأزمات الدستورية، فهو ينال من سلطات الشعب، ليمنحها للملك، وعلى امتداد المدة التى تبقت من عُمر حكومة الوفد، حاول الملك ومعه “على ماهر” ـ مستشاره ـ تقييد خطوات وقرارات الحكومة بدعوى المحافظة على دستور 1923، ومن أمثلة ذلك، وقوع الخلاف بين القصر والحكومة حول تعيين عضو فى مجلس الشيوخ، بعد وفاة أحد الأعضاء، فقد رأت الحكومة أنها مسئولة عن تعيين عضو المجلس ورأى القصر أنه صاحب الحق فى الاختيار ورأت الحكومة أن رأى القصر استشارى، ورأى القصر أن رأيه ملزم للحكومة، وفى يوم 21 ديسمبر 1937 تجمع آلاف الطلبة من الجامعة والمدارس والأزهر أمام قصر عابدين وهو يهتفون بحياة “الملك فاروق”، وأطل عليهم ـ جلالته ـ من الشرفة وحياهم، وكانت هذه “المظاهرة” ردا من القصر على مظاهرة وفدية، هتفت بشعار “النحاس أو الثورة”، ومضت الأمور على هذا الطريق حتى أصدر الملك أمره بإقالة حكومة الوفد، ولم يكن مضى على تسلمه مقاليد الحكم سوى شهور قليلة.

 مقتل مأمور البدارى

ونستأذن القارئ العزيز ونعود إلى بداية عقد الثلاثينيات من القرن العشرين، أى قبل تعيين على ماهر رئيسا للديوان الملكى فى عهد “الملك فؤاد” وقبل تعيينه للمرة الثانية فى المنصب ذاته فى عهد “الملك فاروق” وقبل أن يتولى منصب رئيس الحكومة، بعد استقالة محمد محمود باشا وحكومته، وكان “على ماهر” فى تلك الفترة وزيرا للحقانية “العدل” فى حكومة يرأسها “إسماعيل صدقى”، والقصة كان البطل الأول فيها مأمور مركز “البدارى” فى محافظة أسيوط، واسمه البكباشى “يوسف الشافعى” وهو من نوعية الضباط الذين يحتقرون الناس، ويفرضون سطوتهم بالقوة والتنكيل والمبالغة فى إهانة المواطنين، وحدث أن قبض هذا المأمور على شاب من البدارى يدعى “أحمد جعيدى” وبالغ فى إهانته وتعذيبه، وخرج الشاب ومعه صديق له “حسن عاشور” لقى ما لقيه من إهانة مثله على أيدى رجال “الشافعى” وقرر “جعيدى” الانتقام، وقتل المأمور بالفعل، وكان “حسن عاشور” استطاع إصابة مهندس الرى المرافق للمأمور إصابة وضعته على حدود الموت، ولكن مقتل مأمور البدارى، أسعد الأهالى فى البدارى والقرى التابعة لها، ووضع حكومة “إسماعيل صدقى” فى اختبار “هيبة” وجعلها تتوسع فى تأديب الأهالى، وتنتزع اعترافات من المتهمين بالقوة الجبرية، والمهم هنا أن الحادث خرج عن سيطرة الحكومة وخلق انقساما بين “الداخلية” التى يتولاها إسماعيل صدقى، إلى جانب كونه رئيساً للحكومة، وبين “الحقانية” ـ العدل ـ التى يتولاها “على ماهر”، فقد قرر “على ماهر” التحقيق فى شكاوى تتهم وزارة الداخلية بتعذيب المواطنين، وحاول رئيس الحكومة أن يثنى “على ماهر” الوزير التابع له عن موقفه الذى يحرج الحكومة ويخل بمبدأ التضامن الذى يحكم العلاقة بين الوزراء أعضاء الحكومة، لكن “على ماهر” أصر على السير فى طريق الصدام مع رئيس الحكومة، وانتهى الأمر بخروجه من الوزارة وتضامن معه وزير الخارجية، وهنا نقرأ ما كتبه ـ صلاح عيسى ـ فى كتابه “حكايات من دفتر الوطن” وهو الذى روى القصة واندهش لموقف “على ماهر” المؤيد لحقوق الناس وهذا أمر يدعو للدهشة والتساؤل:

ـ لا أحد يدرى على وجه القطع السبب الذى من أجله تشدد “على ماهر” كل هذا التشدد، وأصر على أن يدفع بالأمور إلى طريق الأزمة، صحيح أنه من رجال القضاء القدماء وأنه كان عميدا لكلية الحقوق وعضوا فى اللجنة التى وضعت الدستور 1923، إلا أنه كان كذلك من أبطال الانقلابات الدستورية، وكانت “وزارة صدقى” هى الانقلاب الثالث الذى شارك فيه “على ماهر” وهو نفسه كان وزيرا فى العام 1925 فى حكومة “زيور باشا”، ووقع حادث مماثل فى قرية “إخطاب” بالوجه البحرى ولم يحتج ولم يثر أزمة، والأهم من هذا وذاك أنه كان وكيل حزب “الاتحاد” الذى أسسه القصر، ويمثل حزب الاتحاد فى الوزارة الائتلافية التى يرأسها “صدقى”، فهل كان حزب “الاتحاد” يخطط لنسف ائتلافه مع “صدقى”؟ ..أم كان  ـ على ماهر ـ يريد أن يُظهِر مدى قدرته على تأزيم الأوضاع، ليكسب نفوذا فى الوزارة؟ أم أن الأمر كله هو أن “على ماهر” وهو من ألغاز التاريخ السياسى المصرى، شعر بأن السفينة توشك على الغرق فآثر أن يفر منها ليطرح اسمه رئيسا مقبولا للوزارة القومية التى كان الجدل يدور حول تأليفها على أنقاض حكومة “صدقى”، ربما يكون دافع ـ على ماهر ـ أحد هذه الأسباب، وقد تكون كلها، أما المؤكد فهو أن “على ماهر” اتفق مع رئيس محكمة النقض على أن يرفع باسمه ـ وهو وزير الحقانية ـ التماسا إلى جلالة الملك بطلب إبدال عقوبة إعدام “أحمد جعيدى” إلى الأشغال الشاقة.

وقضى “أحمد جعيدى” فى سجنة ثمانية عشر عاما، لكن “على ماهر” ظل حاضرا فى المشهد السياسى وتولى رئاسة الحكومة بعد استقالة محمد محمود باشا، ثم  تولى مصطفى النحاس رئاسة الحكومة فى 1942 وبقى فى الحكم حتى العام 1944 وخلال هذه الفترة أُعتقل “على ماهر” بتهمة موالاة “دول المحور” وخرج، وتوالت الأحداث حتى كان حريق القاهرة، فاختاره الملك فاروق ليتولى رئاسة الحكومة، وجاءت ثورة يوليو 1952 واختارته لرئاسة الحكومة وكان هو من جعل “فاروق” يوقع وثيقة التنازل عن العرش لولى عهده الطفل “أحمد فؤاد”، وفى سبتمبر1952 استقال “على ماهر” من رئاسة الحكومة اعتراضا على قانون الإصلاح الزراعى، واعتزل السياسة حتى لقى ربه فى أغسطس من العام 1960.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق