انظمة عربية لا تريد كسر الحصار على غزة.. وشعوب تقترب من لحظة الانفجار #عاجل - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة
جو 24 :

كتب حلمي الأسمر -

بكل المقاييس، نحن اليوم في ذروة أيّام تاريخية، ستلد معطياتٍ ترافق هذه المنطقة عقوداً طويلةً، بل ربّما أزعم أننا نعيش أحداثاً مفصلية بالمعنى التاريخي للكلمة، إن على مستوى منطقتنا العربية أو حتى على صعيد العالم بأسره، ولا تُخطئ العين أن جلّ ما يحصل في بلادنا والعالم اليوم، من زلازل وبراكين، كان سببها معركة طوفان الأقصى، التي هيّأت المسرح لإعادة كتابة تاريخ المنطقة وجزء كبير من العالم. مصدر القهر والتقلّب على جمره اللذين تجد نفسك فيهما جملةً من مشاهد لا يمكن لعاقل أن تتطبّع مشاعره معها، ويعتبرها محض أحداثٍ طبيعية. بمعنى آخر، هناك شيءٌ فاضحٌ يدور، يكاد يخنقك مواطناً عربياً ظللت طوال حياتك مؤمناً بعروبتك وبأخوة العربي للعربي، وبجملة من المفاهيم والقيم، التي تعلمناها في بيوتنا ومدارسنا ومجتمعاتنا.

مثلاً، كيف تفهم أن يعيش (أو يموت حقيقة) مليونان ونيّف من إخوتك العرب في بقعة أرضٍ ضيّقة، تخلو من أيّ مقوّمات للحياة، في حالة حصار وجوع وعطش وعُري، وقتل يومي متوحّش، وعلى بعد كيلومترات من أكبر بلدٍ عربي، وعلى بعد ما يزيد عن مئاتٍ أخرى من الكيلومترات من عواصم عربية "تنعم" بحياة طبيعية، وتقيم احتفالاتٍ و(إفطارات جماعية)، وحركة سير تشهد أزمات خانقة، وتمارس طقوس الحياة، و"التطنيش" لتلك المذبحة الإنسانية، التي فاقت في توحّشها ما جرى ويجري في التاريخ البشري المعاصر كلّه؟ كيف يمكن لملايين العرب والمسلمين أن يصوموا ويُفطروا على ما لذّ وطاب، فيما يحلم آلافٌ من "إخوتهم" بصحنٍ من حساء العدس؟ وحين يتحدّث أحدٌ ما عن ضرورة التحرّك لإنقاذ هؤلاء من جوعهم والبطش بهم، يقفز من يتّهمه بأنه "ينهش" الوحدة الوطنية، و"يعكّر صفو الوطن"؟

ثمّ، أنّى لك أن تفهم وجود هذا العدد كلّه من الأنظمة العربية، المدجّجة بالأعلام الوطنية وترسانات الأسلحة، والدساتير التي تتحدّث كلّها أن شعب هذه البلاد أو تلك جزء من "الأمّة العربية"، فيما لا تستطيع كلّها (أو بالأحرى لا تريد) أن تكسر تلك اليد التي تغلق صنبور المياه عن أولئك المحاصرين، أو تقطع تيّار الكهرباء عنهم، وتمنع دخول كيس طحين لهم، وهذا كلّه يجري تحت بند "حماية البلد"، والنأي به عمّا يُشكّل خطراً عليه، أو تهديد أمنه الوطني.

كيف تفهم أو تتعايش مع من يدّعي أن الوطنية والإخلاص للوطن هو في التوقّف عن الخروج في مظاهرة (مجرّد احتفالية للصراخ) تعلن التضامن مع أولئك الجوعى المحاصرين بالجوع والموت وقنابل ترامب المليونية، وتدعو إلى نصرتهم؟ هل أصبحت الوطنية تعني خذلان الأخ وإغلاق الأذنين عن سماع صرخة استغاثته، بزعم الحفاظ على البلد؟ وأيّ بلد سيبقى حين يستفرد العدوّ بخطّ الدفاع الأول عن الأمة العربية كلّها؟

ثمّ كيف يمكن أن تتعايش مع مشهد عدوّك، وعدوّ الأمّتين العربية والإسلامية، وهو يُخرج الناس من بيوتهم في مخيّمات الضفة الفلسطينية وقراها، ويقذف بهم إلى الشارع، ويهدم ويحرق البيوت والمحلّات والمزارع والمنشآت، بل كيف "تطبّع" إحساسك مع مشهد الجندي الصهيوني النازي، وهو يصول ويجول في سورية ولبنان وفلسطين، ثمّ لا تجد من أمّة المليار ونصف المليار غير بيانات الشجب والإدانة، ورفض تلك الإجراءات، ثمّ يطلب منك أن تصوم وتفطر وتذهب لأداء صلاة التراويح بمنتهى الهدوء والخشوع، ولا تنبس ببنت شفةٍ تنال من موقف هذا الزعيم أو ذاك، الصامتين الخانعين، ولا أقول المتآمرين، كي لا أتّهم بإطالة اللسان أو النيْل من الوحدة الوطنية، أو تعكير "السلم الأهلي". وأي سلمٍ وأيّ أهل بقيا بعد الاستباحات لشرف الأمّة وكرامتها وكبريائها ووجودها؟

أزعم أن الجمر الذي أتقلّب عليه قهراً وألماً وحرقاً، كلّ يوم، هو الجمر نفسه الذي يحرق ملايين العرب والمسلمين، الذين تغلي صدورهم جرّاء ما يجري من خذلان وتآمر وتواطؤ من أولي أمر هذه الشعوب. وأزعم أن طنجرة الضغط، التي انحشرت فيها شعوبنا، باتت أقرب من أيّ وقت إلى لحظة الانفجار، فما يجري ضربٌ من الفانتازيا المستحيلة، ولا يمكن لكائن بشري أن يتعايش معها، حتى ولو كان لديه الحدّ الأدنى من الشعور بالكرامة والإنسانية، فما حرّك ملايين الغربيين طلّاباً وكهولاً ونساءً لا يمكن إلا أن يصل إلى مراكز إحساس ملايين العرب والمسلمين، المخدوعين بأكاذيب ودعايات نخب إعلامية، تدّعي أن خذلان فلسطين هو ذروة سنام الوطنية العربية.

(العربي الجديد)

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق