اتفق صنّاع فيلم «فتى الجبل»، الذي يبدأ عرضه اليوم في صالات السينما المحلية، بالتزامن مع شهر التوعية بالتوحّد (أبريل)، على أن إنتاج عمل بمستوى ضخامة وحرفية فريق هذا الفيلم الإماراتي، دليل على امتلاك الساحة المحلية القدرة والاستعدادات والإمكانات التي تؤهلها لطرح أفلام ناجحة ترقى إلى مصاف أفلام شهيرة، مشيدين بمواهب العمل التي تنتمي إلى جيل الشباب الطموحين، ممن يتمتعون بطاقات إبداعية تستحق الفخر بها، من بطل الفيلم الطفل الإماراتي، ناصر المصعبي، الذي نجح في تحدي التوحّد، إلى مخرجة العمل الشابة زينب شاهين.
ويروي الفيلم، الذي يضم 32 ممثلاً وطاقم عمل إماراتياً، قصة الطفل «سهيل»، المتعايش مع التوحّد ويعاني الإهمال من والده، ويخوض رحلة فريدة ومغامرات ملحمية برفقة صديقه الجديد الكلب «براكة»، للعثور على عائلة والدته في أبوظبي، بحثاً عن الاندماج المجتمعي والدفء العائلي، فيما تدور الأحداث حول مغامراته في جبال الفجيرة التي تبرز صلابته ورباطة جأشه، وتعكس القصة دور المجتمع في ترسيخ قيم الدمج والدعم والتمكين لجميع أفراده، وهو ما يتماشى مع أهداف عام المجتمع 2025 في دولة الإمارات.
إدارة ناجحة
وفي مستهل حديثها مع «الإمارات اليوم»، توقفت المخرجة الإماراتية، زينب شاهين، عند وصف مسؤوليتها في تقديم أول تجربة سينمائية لها بهذا الزخم، وطرق إدارتها لطاقم عمل الفيلم وممثليه، مؤكدة أن «فتى الجبل» فيلم عائلي بالدرجة الأولى، يتناول الرسالة العميقة بين الإنسان والطبيعة والعائلة والأصدقاء، من خلال شخصية طفل يعاني التوحّد.
وأضافت: «يحمل الفيلم رسالة حول أهمية دعم الأطفال والأشخاص المميزين من فئة أصحاب الهمم من ذوي التوحد، لتقديم أفضل ما لديهم وإبراز مواهبهم في كل المجالات، ولاشك أن رحلة الطفل سهيل من الفجيرة إلى أبوظبي وتناولها خلال فترة نهاية الخمسينات من القرن الماضي، تُعد تسليطاً رمزياً لرحلة الفيلم في ربوع الإمارات التي تعكس جماليات طبيعتها الخلابة وسحر مناطقها المتعددة ومنظومة العادات والتقاليد العربية الأصيلة التي نعتز بها جميعاً».
وحول إدارتها للطفل ناصر المصعبي، أشارت مخرجة الفيلم إلى نجاحها مع مرور الوقت، في بناء علاقة إنسانية ناجحة ومتميزة معه، مكنتها لاحقاً من تذليل عقبات التعامل مع تداعيات التوحد التي يعانيها أطفال هذه الفئة: «في بداية التصوير، حدث العديد من المفاجآت التي كنا نضطر فيها إلى إيقاف التصوير بناء على حالة (ناصر) ومدى تقبله وتفاعله مع أجواء التصوير وساعاته الطويلة، لكن مع مرور الوقت، استطاع ناصر التأقلم سريعاً مع الأجواء وتقديم أفضل ما لديه، لدرجة أنه كان يحفظ دوره قبل الحضور إلى موقع التصوير، والتصرف بعفوية أكبر أمام الكاميرا».
وتوقفت زينب شاهين عند محدودية الحيز الزمني الذي خصص لإنجاز «فتى الجبل» على مدار نحو 35 يوماً، مضيفة بنبرة تفاؤل: «لحسن الحظ، نجحنا في الحصول على أهم النتائج الفنية التي تعاون في تقديمها كل أعضاء فريق الفيلم لإبراز خصوصية الثقافة الإماراتية والطبيعة الخلابة في مختلف أرجاء الدولة، وهذا ما جعلني أشعر بالفخر لتقديم هذا العمل السينمائي الذي أتمنّى أن يحدث فرقاً إيجابياً في رؤيتنا وتعاملنا مع أطفال التوحد، وأصحاب المواهب الاستثنائية».
ضيف شرف
من جانبه، أعرب النجم الإماراتي، أحمد الجسمي، عن سعادته بالمشاركة في «فتى الجبل»، الذي يقدم طرحاً إنسانياً بشكل مشوق لحكاية الطفل المتوحد «سهيل».
وقال: «مشاركتي كضيف شرف تأتي من منطلق إيماني الدائم والمستمر بدعم المواهب الجديدة والمساهمة في تقديمها للساحة الفنية بالشكل الذي ينصف موهبتها الحقيقية، وهذا ما حدث بالنسبة لتعاملي الأول مع المخرجة الشابة زينب شاهين التي تميزت برؤيتها الفريدة، ورصانتها وصبرها ونشاطها الدؤوب في موقع التصوير، إلى جانب حرصها على الاستماع لمختلف الآراء ووجهات النظر دون ادعاء».
وأضاف: «أما بالنسبة لتعاملي مع الطفل ناصر المصعبي، فأودّ أولاً أن أشكر والديه على حسن تربيته وإعطائه هذه الفرصة والثقة الكبيرة له للدخول إلى عالم التمثيل، ولاشك أنه بطل حقيقي نجحت سريعاً في بناء علاقة ثقة ومحبة معه، بعد أن حرصت على التنزه معه على شاطئ البحر خلال فترات الاستراحة أثناء التصوير، وأعتقد أن هذا الأمر ضروري للتعامل معه بشكل مختلف».
وتوقف الفنان الإماراتي الكبير عند مراحل تنفيذ الفيلم السينمائي بشكل محترف، مشيداً بحسن إدارة فريقه لكل العناصر الفنية وتعاونه المثمر مع الممثلين والفنيين، وتابع: «كنت شاهداً على تنفيذ (فتى الجبل)، ونجاح مخرجته في تقديم أجمل اللقطات السينمائية وأكثر اللحظات الإنسانية تأثيراً وعمقاً، الأمر الذي أثمر طبعاً فوز الفيلم بأكثر من 22 جائزة ذهبت أغلبيتها للاحتفاء بالجانب الفني، وهذا ما أسعدني، لكنني سأكون أكثر سعادة في حال تحقيقه النجاح الكبير والمتابعة الجماهيرية وقت عرضه في صالات السينما المحلية، لأن الجائزة الكبرى لنجاح أي فيلم سينمائي، تبقى متوقفة على المشاهد أولاً وأخيراً».
خصوصية
بينما قال الفنان الإماراتي بلال عبدالله: «قبل كل شيء، أهنّئ والديّ الطفل ناصر المصعبي بقدرتهما على التكيف بطريقة ذكية مع ابنهما وإبرازه بشكل جميل وطبيعي في هذا الفيلم، الذي سلط الضوء بامتياز على رؤية إنسانية جديدة وفريدة لفئة أصحاب الهمم من ذوي التوحد»، واصفاً مشاركته ضيف شرف في الفيلم، بالمثرية والمهمة في تجربته الفنية، باعتبار النجاح الواسع والصدى الكبيرين اللذين حققهما الفيلم منذ طرحه أول مرة في الإمارات، وصولاً إلى بلدان عدة حول العالم.
وأكمل عبدالله: «تُعد مشاركتي في فيلم بطله طفل متعايش مع التوحد بالنسبة لي نجاحاً بحد ذاتها، إضافة إلى خصوصية موضوع الفيلم الذي يعالج قضية ملحة وهي الدور الكبير الذي يلعبه المجتمع في قبول هذه الفئة ودمجها وتمكينها، وهنا يبرز دور الفن والفنانين طبعاً، في الدفاع عن القضايا المجتمعية الكبرى ومناقشتها في السينما، وهذا ما يشعرني شخصياً بالكثير من الفرح والاعتزاز بأن أكون جزءاً من هذا الجهد الفني المتميز».
محطة مضيئة
أمّا الممثل الإماراتي، أحمد عبدالرزاق، فرأى أن «فتى الجبل» من الأفلام الروائية الطويلة الجديرة بالاهتمام والمتابعة باعتبارها توثق إحدى المحطات المضيئة في مسيرة السينما الإماراتية، بعد أن أبهرت كثيرين حول العالم بما حصدته من جوائز في المسابقات والمهرجانات، موضحاً: «أجسد شخصية (النوخذة) الذي يوصل البطل من أبوظبي إلى دبي ليصارع معه سلسلة من المحن وأبرزها مفاجأة عاصفة هوجاء، تتوطد خلالها علاقته بالطفل سهيل لتمتد من ثم في دبي، إلى سلسلة من التحديات والمواقف الصعبة التي ينجحان معاً في تخطيها».
وحول تفاصيل تجربة الفيلم الناجحة وفريق عمله، أشاد عبدالرزاق بالجهود التي بذلتها المخرجة زينب شاهين التي تنتمي إلى جيل «شباب البلاد» الطموحين: «وما هذا النجاح إلا دليل على تميز مواهبنا المواطنة وطاقاتنا الإبداعية الشابة التي نفتخر بها على الدوام».
فرصة مميزة
من جهته، قال الممثل الإماراتي ماجد الجسمي: «أعتبر مشاركتي في هذا العمل، الذي تحمست لخوض تجربته بعد الاطلاع على صناعه وقصته، إضافة مهمة لمسيرتي الفنية، لأنها منحتني فرصة ثمينة للتشارك مع فريق عمل شغوف واحترافي، في تجربة فنية وسينمائية فريدة تحمل رسائل إنسانية، اجتماعية وثقافية مهمة».
وعن دوره في الفيلم وعلاقته بالبطل، أوضح ماجد الجسمي: «أقدم شخصية (علي) الذي يعد لقاؤه بالشخصية الرئيسة ورحلته القصيرة مع البطل التي اقتسما خلالها أجمل اللحظات الإنسانية، بعض إحدى المحطات المميزة في مسيرة (سهيل) في الفيلم وصولاً إلى مبتغاه»، مؤكّداً جمالية العلاقة التي جمعته مع بطل الفيلم، وذلك، على الرغم من صعوبة الخطوة الفنية الجديدة التي اتخذها ناصر لأول مرة في حياته ليثبت نفسه باقتدار، عاكساً حساً بالمسؤولية والحرفية والاحترام والمودة لجميع أعضاء فريق العمل.
العالم بعيون «سهيل»
قالت الرئيس التنفيذي ومؤسِّسة شركة «ديزرت روز فيلمز»، نانسي باتون، عن مشروع تحويل السرد القصصي إلى فيلم سينمائي وترجمة ثيماته سينمائياً: «ألهمتني قصة كتاب (الفتى الذي عرف الجبال) لمؤلفته الإماراتية ميشيل زيولكوفسكي، فشعرت بأهمية وقيمة مشاركتها مع العالم، ورغم أن الكتاب مخصص للأطفال، إلا أنه شكّل أساساً قوياً لبناء الفيلم، ومع ذلك، فإننا شعرنا بضرورة إضافة موضوعات جديدة حتى يتمكن الجمهور من فهم شخصية (سهيل) ورؤية العالم من خلال عينيه، فيما حاولنا التركيز على عناصر الصوت وإبراز عمق المشاعر والأحاسيس لتكون منسجمة مع عوالم (سهيل) الخاصة، فيما أضفنا في الفيلم قصة عائلته، حتى يتمكن الجمهور من التعرف أكثر إلى سهيل، فهمه ومحبته كما أحببناه نحن».
وحول الإجراءات التي تم اتخاذها إنتاجياً لتقديم تجربة (سهيل) بشكل واقعي وأصيل يعكس بصدق تجارب هذه الفئة على الشاشة الكبيرة، أكّدت نانسي: «إضافة إلى عملنا عن قرب رغم ضيق الوقت طبعاً، مع عائلة (ناصر) لمساعدته على حفظ حواراته وفهم شخصيته، فقد عمدنا إلى الاشتغال على تجهيز البطل لتجارب عدة، منها تمرين (ناصر) على وجود الكلاب والتعامل معها، وتدريبه على ركوب الخيل، وصولاً إلى تقديمه تدريجياً إلى أعضاء طاقم العمل لضمان اندماجه معهم قبل التصوير، وتقليل شعوره بالخوف أو التوتر، كما تعاونا مع أخصائية ذوي الاحتياجات الخاصة لمرافقة (ناصر) يومياً في موقع التصوير لضمان دعمه نفسياً عند الحاجة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
0 تعليق