مبابي ليس كريستيانو رونالدو.. ولن يكون! - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مبابي ليس كريستيانو رونالدو.. ولن يكون! - عرب فايف, اليوم الأحد 13 أبريل 2025 11:28 مساءً

شكؤا متابعينا الكرام لمتابعتكم خبر عن مبابي ليس كريستيانو رونالدو.. ولن يكون!

في زوايا البرنابيو التي لا تزال تحتفظ بأنفاس كريستيانو رونالدو بين حناياها، يقف كيليان مبابي اليوم كشبحٍ من الماضي أو كبطلٍ من المستقبل. السؤال الذي يطن في آذان الجماهير كدويٍّ لا يهدأ: هل نستعيد ماضياً ذهبياً أم نستقبل حلماً لم يولد بعد؟ تلك المقارنة التي تلاحق مبابي كظله الخاص: كلاهما جاء من أرضٍ صغيرة تتناثر فيها أحلام الكبار، واحد من ماديرا حيث الأمواج تضرب الصخور، والآخر من بوندي حيث الأحلام تضرب أسوار الفقر، وكلاهما ارتدى القميص الأبيض كرداءٍ ثقيل، وكلاهما وقف في حفل التقديم مرتجفاً كعريس في ليلة زفافه.

المقارنات مع شبح البرتغالي الذي ما زال يسكن ممرات الملعب أصبحت حتمية. فبينما كان كريستيانو يأتي كإعصارٍ من ماديرا يحمل وعوداً غير مكتملة، يأتي مبابي كإعصارٍ آخر من باريس يحمل ضماناتٍ جاهزة، الأول صقل موهبته بالعرق ليرتقي إلى القمة، والثاني يحاول أن يثبت أن القمة تتسع لأكثر من رجل، لكن الأهم من الأرقام هو ذلك الشعور الغريب الذي ينتاب الجماهير عند مشاهدته، ذلك الإحساس بأنهم أمام فصل جديد من ملحمة قديمة، كرواية كتبها التاريخ بيد ثم أعاد صياغتها بقلم آخر. 

“من الصعب مقارنة لاعبين مختلفين، ولكني أتمنى أن يتمكن مبابي من تحقيق ما حققه كريستيانو رونالدو مع ريال مدريد”
كارلو أنشيلوتي. 

أما البرنابيو، تلك الكاتدرائية التي شهدت صلوات الأساطير، فيعرف أن كل شخصية تحمل مفتاحها الخاص، كما يعلم أن اللاعب لا يُستنسخ، لكنه يعلم أيضًا أن بعض الأحلام قد تتكرر، وإن كانت بثياب مختلفة، واليوم، بينما يخطو مبابي أولى خطواته على العشب، يحمل في حذائه أحلام طفل من بوندي، وفي عينيه تحديات جبل اسمه كريستيانو. الفرق الوحيد فقط هذه المرة، أن الجبل حيٌ يرزق، ويشاهد من مقعده كيف سيتعامل خليفته مع الإرث الثقيل، وفي زحمة المقارنات، يبقى السؤال: هل يمكن لمبابي أن يرقص على إيقاع ظل كريستيانو الطويل دون أن يختنق به؟ 

ليلة بداية التاريخ

في صباحٍ لم يكن ككل الصباحات، ارتدى كيليان مبابي حُلته الأنيقة، كفارسٍ يستعد لارتداء درع النبالة،  خطواته نحو المقر الرئيسي لريال مدريد كانت أشبه بحركة بطيئة في فيلم سينمائي، كل إطار فيها يحمل معنى، كل نظرة تعكس ترقباً لبداية فصل جديد، الشمس التي تلألأت على واجهة المدينة الرياضية في الساعة الحادية عشرة صباحاً، لم تكن مجرد ضوء، بل شمعةً أضيئت لإعلان ميلاد جديد، وكما تتدفق الأنهار نحو البحر، توافدت عيون العالم بأسره إلى ملعب سانتياجو برنابيو، جاءوا جميعًا: من خوسيه إميليو سانتاماريا الذي يحمل ذكريات العصر الذهبي، إلى راؤول غونزاليس الذي ما زال عطره يفوح في ممرات الملعب، وحتى زين الدين زيدان، الساحر الصامت، حضر كشاهد على هذه اللحظة، وكأن الأقدار جمعت كل من صنعوا مجد هذا النادي العريق ليشهدوا ارتداء الوريث الشرعي حلة النادي.

ولم يكن الصوت الذي ارتج له الملعب مجرد هتافٍ عادي، بل كان زئيراً لعشاق ظلوا ينتظرون هذه اللحظة منذ سنوات، ثمانون ألف صوت ارتفع كموجة عاتية، كل منها يحمل ذكرى، كل منها يحمل ألماً طويلاً، كل منها يحمل حلماً، والشاشات العملاقة التي عرضت مسيرة مبابي، لم تكن تعرض لقطات، بل كانت تعكس أحلاماً على وشك التحقق، وحتى عندما أمسك مبابي الميكروفون، لم تكن كلماته مجرد عبارات خاوية من المعنى، بل كانت عهدًا، عهدٌ بين لاعبٍ عرف أنه ولد ليرتدي هذا القميص، وبين جمهورٍ ظل ينتظر ظهور بطلٍ جديد، صوته الذي ارتج له الملعب، ولم يكن صوت لاعبٍ فقط، بل كان صوت كل طفلٍ فرنسي حلم بلعب الكرة، وكل شابٍ مدريدي ظل يحلم بهذه اللحظة.

وقبل ساعات فقط من هذا الاحتفال، خضع مبابي لفحص طبي في مستشفى “لا موراليخا”، لم يكن مجرد فحص روتيني، بل كان طقسًا للعبور، كل الجهاز الطبي كان يسأل: هل أنت مستحق لهذا القميص؟ كل تحليل كان يهمس: هل ستتحمل ثقل هذا التاريخ؟ ربما نعم؛ وربما لا، لأن بعض اللاعبين لا يختارون النادي، بل النادي هو من يختارهم، لكنه بدا دافئًا وودودًا على غير العادة، زيارته لمدينة التدريب كانت كمن يزور منزله الجديد، ابتسامة أنشيلوتي الدافئة، ونكات كورتوا، وترحيب دياز، كلها كانت تقول له: لقد وصلت أخيراً إلى حيث تنتمي، حتى العشب في ميدان التدريب بدا أكثر اخضرارًا، وكأنه يستعد لاحتضان خطوات ستصبح جزءاً من تاريخ هذا المكان.

الضربات الركنية تحت المجهر: بين فلسفة أرسنال وفوضى ريال مدريد

وحتى في زوايا الملعب، حيث تختبئ الذكريات، بدا وكأن أرواح دي ستيفانو وبوتشيني ورونالدو تحضر هذا الحفل، الأضواء التي انعكست على الكؤوس في صالة العرض، لم تكن تضيء ماضي النادي فحسب، بل كانت تشير إلى مستقبله. كل نجمٍ حضر، كل ضيفٍ شارك، كان بمثابة حلقة في سلسلة طويلة، وكأن التاريخ نفسه ينتظر اكتمال هذه الحلقة الجديدة، نعم؛ وكأن الأقدار تستمتع بكتابة السيناريو ذاته: يعود الزمن خمسة عشر عاماً إلى الوراء، في ذلك الصيف البعيد من 2009، وقف شاب نحيل من ماديرا على نفس المنصة، حاملاً الميكروفون بنفس اليد المرتعشة، ناطقاً بنفس الكلمات التي تردد صداها اليوم في أرجاء البرنابيو. 

كان وجه كريستيانو آنذاك يعكس ذات الدهشة التي نراها اليوم في عيني مبابي،  الأضواء التي انعكست على قميص كريستيانو الأبيض ذلك اليوم، هي نفسها التي ترقص اليوم على كتفَي مبابي، والجماهير التي صفقَت حتى أدمت كفوفها عام 2009، هم أبناء وأحفاد نفس العائلات التي تصفق اليوم بحماس مماثل، حتى العشب الذي اختُزن تحت أرض الملعب اليوم، يحمل ذكريات خطوات كريستيانو الأولى، وفي تلك اللحظة التي أمسك فيها مبابي الميكروفون، لم يكن يقلّد كريستيانو، بل كان يخاطب ظلّاً ما زال يرفرف فوق العشب الأبيض، وقد اعترف فعلًا: “لقد كانت كلماتي الأولى في البرنابيو تحية لطفلٍ كبر وهو يحلم بأن يصبح مثل كريستيانو رونالدو، ذلك الطفل الذي كنته، والذي ما زال بداخلي اليوم”. 

لكن القصة لم تعد مجرد حلم طفولي، فقد تحولت إلى مصافحات ونصائح، وتبدلت مشاهدها كثيرًا عن الماضي: في غرفة صغيرة بضاحية باريسية: طفلٌ يتأمل ملصق كريستيانو كل ليلة قبل النوم، في أروقة السانتياغو: رجلٌ يخطو على آثار قدمي معشوق طفولته، وعلى شاشة الهاتف: رسائل نصية من أسطورة إلى من يطمح لأن يحل محلها، هذا ليس انتقالاً عادياً، بل هو تسليم مشعل بين عهدين،  وفي النهاية، لم تكن كلمات مبابي مجرد اعتراف بالجميل، بل كانت إعلاناً عن بداية حوارٍ يتجاوز الزمن، حوار بين ملكٍ سابق ووريث عرش، بين أحلام طفولة ووعود نضج، بين تاريخٍ كتبته أقدام كريستيانو، وتاريخ (قد) تنقشه أحذية مبابي على نفس العشب الأخضر. 

 “القدر منحني شرف صداقته اليوم.. نتبادل النصائح كما يتبادل اللاعبون الكرات في الملعب”
كيليان مبابي عن كريستيانو رونالدو. 

الموسم الأول 

لم يكن الموسم الأول لكيليان مبابي في ريال مدريد مجرد انتقال عادي، بل تحفة فنية بدأتها فرشاة القدر بخطوط عريضة من التوقعات العالية، ليكملها النجم الفرنسي بتفاصيل أذهلت العالم حتى الآن، ذلك الفتى الذي قدم إلى العاصمة الإسبانية محمولاً على أكتاف الأحلام، وجد نفسه يصنع التاريخ بقدميه قبل أن تنطق به شفتاه، وفجأة نجح مبابي في معادلة إنجازٍ كان يبدو مستحيلاً؛ تسجيل نفس عدد أهداف كريستيانو رونالدو في موسمه الأول بالنادي، هذه ليست مصادفة، بل هي رسالة موقعة بدماء الموهبة والإصرار. 

فبينما كانت أنوار برنابيو تُزيح ظلال فريق ليجانيس، كتب كيليان مبابي فصلًا جديدًا في السجل  بتسجيله هدفين في المباراة التي انتهت 3-2، لم يكن النجم الفرنسي يحتفل بانتصار عابر، بل كان يختم صفقة تاريخية مع القدر. 33 هدفًا – الرقم السحري الذي جعل الأذهان تعود بالزمن إلى 2009، عندما سجل كريستيانو رونالدو نفس العدد في موسمه الأول، بالطبع هذا ليس مجرد تشابه عددي، بل هو تقاطع مصيري بين عهدين، بين حلمين، بين أسطورتين، لكن القصة أعقد من مجرد أرقام: فكريستيانو وصل كـ”وعد” يحتاج إلى سنوات ليتحول إلى “يقين”، أما مبابي فجاء كـ”ضمانة” جاهزة لكنها تحتاج إلى اختبار الزمن، ولذلك فهذه المقارنة لم تكن مجرد لعبة إحصائية، بل كانت اختبارًا وجوديًا تحول إلى سؤال: هل يمكن تكرار السحر؟ 

فعندما وصل كريستيانو رونالدو إلى مدريد في صيف 2009، لم يكن مجرد لاعب ينتقل بين الأندية، بل كان حدثاً تاريخياً يختصر أحلام جيل كامل، الرئيس فلورنتينو بيريز، برؤيته الثاقبة، أراد بهذه الصفقة أن يعلن للعالم أن الملكية عادت إلى عرشها، وبعد خمسة عشر عاماً، جاء كيليان مبابي ليكمل هذه السلسلة، حاملاً معه أحلام جيل جديد وآمالاً أخرى، ثم الجماهير التي احتشدت لاستقبال كريستيانو ذات يوم، عادت لتتزين بالأبيض وترحب بمبابي، ثم تبدأ القصة: كلاهما حمل ذلك الثقل الثقيل المتمثل في القميص الملكي، وكلاهما واجه التحدي بقلبٍ يخفق بالطموح، ولذلك فالتشابه في عدد الأهداف (33 هدفاً) في الموسم الأول ليس مجرد صدفة رقمية، بل هو إشارة إلى أن بعض اللاعبين يتشابهون في العطاء وإن اختلفت الأساليب. 

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

لكن خلف هذه التشابهات الواضحة، تكمن فروق دقيقة تروي قصة كل منهما، فكريستيانو، سجل أهدافه بمعدل مذهل (0.94 هدف لكل مباراة) رغم الغيابات القسرية بسبب الإصابات، بينما أخذ مبابي طريقاً أكثر اتزاناً (0.73 هدف لكل مباراة) لكنه كان حاضراً في معظم المواجهات، مؤثراً في مسار الفريق، هذه الاختلافات لا تعني تفوق أحدهما على الآخر، بل هي تعكس تنوعاً في الأنماط والظروف: كريستيانو كان العاصفة التي لا تعرف التوقف، بينما مبابي هو التيار الهادئ العميق، وفي النهاية كلاهما وصل إلى الهدف نفسه، لكن كلٌ سلك طريقه الخاص، التاريخ هنا لا يكرر نفسه، بل يقدم نسختين مختلفتين لكل منهما رونقه وتميزه.  

كما أن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن كريستيانو واجه ظروفاً مختلفة تماماً، حيث قلّصت إصاباته وغياباته من فرصه في زيادة رصيده التهديفي، بينما نال مبابي رفاهية المشاركة المستمرة طوال الموسم، هذا الفارق الزمني يضع الإنجازين في سياقين مختلفين، رغم وحدة الرقم النهائي، أما في صناعة اللعب، يظهر فرق جلي آخر، حيث قدم كريستيانو 10 تمريرات حاسمة في موسمه الأول، بينما اقتصر مبابي حتى الآن على 5 تمريرات فقط، هذه الأرقام تكشف أن البرتغالي كان أكثر شمولية في تأثيره على اللعب، بينما لا يزال الفرنسي يطور هذا الجانب من مهاراته. لكن لا يمكن إنكار أن مبابي قد صنع لحظات خاصة به.

فبينما سجل كريستيانو هاتريك وحيد ضد مايوركا في موسمه الأول، أهدى مبابي جماهيره هاتريكين لا يُنسيان، أحدهما في شباك مانشستر سيتي والآخر أمام ريال بلد الوليد، أما في ما يخص الثنائيات، يتفوق كريستيانو بسبع ثنائيات مقابل أربعة لمبابي، ورغم كل هذه الفروقات الدقيقة، تشير البوصلة بوضوح إلى أن مبابي يسير على الطريق ذاته الذي سلكه سلفه من قبل، مع أكثر من 13 مباراة متبقية هذا الموسم، بما في ذلك احتمالية المشاركة في كأس العالم للأندية، قد يتجاوز الفرنسي رصيد كريستيانو عندما يحين وقت المحاسبة النهائية، وهذا يعني أن النظر إلى مستقبل مبابي مع الفريق الملكي يبعث على التفاؤل، بأدائه الحالي، ودعم زملائه المستمر، وتكيفه المتزايد مع متطلبات الدوري الإسباني، يبدو أن الفرنسي في طريقه لكتابة فصل جديد قد يكون أكثر إشراقاً مما تخيله حتى أكثر المشجعين تفاؤلاً، الأرقام لا تكذب، قد تخدع قليلًا فقط، وهي تقول لنا إننا أمام مسارين متوازيين للعظمة، لكل منهما سحره الخاص وتميزه الفريد.

لحظة الولادة 

كانت تلك الليلة الأوروبية التي طالما حلم بها كيليان مبابي، والتي تنتظرها جماهير ريال مدريد بفارغ الصبر. رغم سجله الجيد مبدأيًا، ورغم ثنائيته المبهرة أمام بلد الوليد، إلا أن المواجهة أمام مانشستر سيتي كانت اختباراً مختلفاً تماماً، على أرض البرنابيو المقدسة، وتحت الأضواء الساطعة لبطولة الأبطال، قدم الفرنسي أداءً لا يُنسى، حيث لم تكن  ثلاثية مبابي القاتلة مجرد أهداف تُسجل في شباك الخصم، بل كانت إعلاناً مدوياً عن بداية عهد جديد، كل كرة دخلت الشباك كانت بمثابة فصل جديد في سجل أساطير النادي الملكي، الهدف الأول جاء كالصاعقة، مزق به دفاعات السيتي بسرعة البرق، والثاني أظهر برودة أعصاب نادرة أمام حارس مرموق مثل إيدرسون، أما الثالث فكان الختم الذهبي على أداء كامل، التوقيع الأخير على وثيقة انتصار لا تقبل الجدل. 

في تلك الليلة، تحول مبابي من نجم واعد إلى بادرة أسطورة حية. البرنابيو، الذي شهد على مر السنين ولادة العديد من العظماء، وجد نفسه أمام بطل جديد يخطو بثقة ليشغل مكانه بين الأسماء الكبيرة. المواجهة لم تكن مجرد مباراة في دوري الأبطال، بل كانت لحظة تاريخية يشهد فيها العالم على انتقال المشعل من جيل إلى آخر. بتسجيله ذلك الهاتريك لم يكتفِ مبابي بإقصاء أحد أقوى الفرق في العالم، بل أرسل رسالة واضحة للجميع: “لقد وصلت، وهنا سأبقي”، حيث انضم إلى قائمة اللاعبين الستة الذين سجلوا هاتريك في البطولة بقميص الملكي، ومنذ ذلك الحين بدأ السؤال يتردد: هل سيعادل قريباً رقمي كريم بنزيما (أربعة) وكريستيانو رونالدو (سبعة)؟ 

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

نعلم أن المسافة شاسعة بين الفرنسي وبين رقم رونالدو القياسي: 422 هدفاً، 116 تمريرة حاسمة، و14 لقباً كبيراً،  لكن أداءه المرعب أمام السيتي أطلق العنان للتكهنات: هل يمكن لهذا الشاب أن يصل لتلك المرتفعات يوماً ما؟ الأرقام الجافة تقول إن الطريق طويل، لكن عندما يلعب بهذا الشكل، يصبح الحديث عن مجاراة أساطير النادي ليس مجرد حلم، بل احتمالاً ملموساً، وهو ما أكد عليه كارلو أنشيلوتي بعد المباراة، حيث عبر عن اقتناعه بأن الفرنسي يمتلك كل المقومات لبلوغ مرتفعات كريستيانو رونالدو، لكنه شدد على ضرورة العمل الدؤوب، خاصة وأن البرتغالي قد وضع معايير خارقة يصعب مجاراتها، المدرب الإيطالي، بخبرته التي تمتد لعقود، رأى في عيني مبابي ذلك الشغف نفسه الذي ميز كريستيانو، مؤكداً أن النجم الشاب قادر على الوصول إلى نفس المستوى إن حافظ على تركيزه وتطوره. 

وهنا في تلك اللحظة: وقف مبابي على أعتاب مستقبل قد يحمل له ما لم يحلم به حتى أعظم اللاعبين في التاريخ، مقارنةً برونالدو الذي أمضى تسعة مواسم حافلة في مدريد، وسجل خلالها عدداً مهولاً من الأهداف في مختلف البطولات، مع ندرة لافتة في الإصابات، تبدو المهمة شاقة، لكن الأداء الأخير للفرنسي يبعث على التفاؤل، خاصة مع معدله التهديفي المذهل الذي يتجاوز 0.91 هدف في المباراة عبر مسيرته مع فرق موناكو وباريس سان جيرمان وريال مدريد، هذه الأرقام ليست سوى بداية القصة، فمسار مبابي يشير إلى إمكانية تجاوز إنجازات سلفه إذا استمر على هذا المنوال، الموهبة موجودة، والفرص متاحة، والرغبة في صنع التاريخ لا تنضب، الفارق الوحيد هو أن مبابي يسير في طريقه الخاص. 

على النقيض من مسيرة مبابي، احتاج كريستيانو رونالدو إلى وقت أطول ليصل إلى قمة أدائه التهديفي. ففي موسمه الخامس مع مانشستر يونايتد فقط، تمكن البرتغالي من تسجيل 39 هدفاً، ليعلن عن بداية تحوله إلى آلة تهديفية لا تعرف التوقف، لكن التحول الحقيقي حدث في مدريد، حيث ارتقى رونالدو إلى مستوى خاص، على مدى سبعة مواسم متتالية بين عمر 24 و30 عاماً، تجاوز معدل هدف في كل مباراة بسهولة، محققاً إنجازاً مذهلاً بتخطي حاجز الخمسين هدفاً في جميع البطولات في ست مناسبات مختلفة، ورغم أن مبابي لم يبلغ بعد ذروة كريستيانو، إلا أن ثباته المبكر يمنحه أساساً متيناً لتحدي تلك الأرقام القياسية، شرط أن يتمكن من تطوير أدائه ويحافظ على معدلات التهديف حتى أواخر مسيرته، فكأي مهاجم قاتل من الطراز الأول، يتمتع الفرنسي بمهارة فطرية في تسديد الكرات بدقة متناهية، تمكنه من صنع الفرص من اللاشيء، محققاً معدلات تهديف تفوق التوقعات بشكل ملحوظ. 

وهنا الأرقام تكشف قصة مثيرة أخرى: على مدى المواسم السبعة الماضية في الدوري المحلي، تجاوز مبابي توقعات الأهداف المتوقعة (xG) بـ 192 هدفاً مسجلاً مقابل 166.5 متوقعة)، مما يثبت قدرته على تحويل الفرص العادية إلى أهداف ملموسة، مع تعمق فهمه التكتيكي مع فينيسيوس جونيور ورودريجو وجود بيلينجهام، وإمكانية انضمام صانع الفرص الاستثنائي ترنت ألكسندر-أرنولد إلى الفريق الموسم المقبل، تتجه كل المؤشرات إلى تحسن جودة الفرص التي سيحصل عليها مبابي، مما يعد بمزيد من الأهداف في المستقبل، هذه المعادلة التهديفية الفريدة لا تعكس فقط موهبة مبابي الاستثنائية، بل تطرح أيضاً سؤالاً مشوقاً: هل نحن أمام أسطورة في طور التكوين قادرة على تجاوز كل التوقعات؟ 

بشكل مفارق، قد يكون أحد العوائق القليلة التي تواجه مبابي في سعيه لكسر الأرقام القياسية هو بالضبط مستوى النجوم المحيطين به، كان كريستيانو المحور التهديفي غير المنازع في ريال مدريد، حيث ازدهرت إنتاجيته بدعم من بنزيما وجاريث بيل وهيجواين خلال سنواته التسع في العاصمة الإسبانية، ونادراً ما وجد نفسه في الظل. حيث سجل أكثر من 40% من أهداف الفريق في الدوري الإسباني في موسمين منفصلين، وهو إنجاز يصعب على مبابي تحقيقه مع وجود نجوم آخرين يتقاسمون معه الأضواء. لكن الأداء الأخير للفريق كشف عن إمكانية التكامل بين الرباعي الهجومي، حيث منحهم أنشيلوتي حرية التناوب خلال المباريات، وفي مباراة الذهاب ضد مانشستر سيتي، تنقل مبابي بشكل متكرر إلى جناحه الأيسر المفضل، متبادلاً المواقع مع فينيسيوس، لكن خرائط لمسات الكرة أظهرت أن كليهما حظيا بفرص كافية للتأثير بالقرب من منطقة جزاء الخصم، هذه علامات مشجعة تؤكد أن نجومية مبابي وفينيسيوس يمكنها التعايش بسلاسة، وأن تعدد النجوم قد يصبح نعمة بدلاً من أن يكون عبئاً في مسيرة الفرنسي نحو تسجيل الأرقام القياسية.

مقارنات لا مستجابة

رغم تباعد المسارات واختلاف الأندية، يحمل مبابي نفس الجين الروحي الذي ميّز كريستيانو، تلك الشهية الكانِمة للانتصار التي لا تشبع، وتلك الرغبة الجامحة في تحطيم الأرقام القياسية،  هذه العقلية قد تكون سمة مشتركة بين النخبة من الرياضيين، لكن أوجه التشابه بين النجمين تتجاوز مجرد الصدف لتصل إلى درجة التطابق الروحي، في وثائقي “قادة العالم” على نتفليكس، كشف مبابي عن عقيدته الكروية بكلمات تُذكرنا بأصداء الماضي: “هوسي الأول هو الفوز”. هذه العبارة التي قد تبدو بسيطة، تعكس فلسفةً متكاملة لا تختلف كثيراً عما صرح به كريستيانو في فيلمه الوثائقي عام 2015: “الفوز هو الأهم بالنسبة لي، الأمر بهذه البساطة”. هذا التشابه اللفظي ليس مجرد تقارب في الصياغة، بل هو انعكاس لروح متطابقة تسكن جسدين من عصرين مختلفين، كلماتهما تشبه وثيقة تسليم وتسلم بين جيلين من العظمة، حيث ينتقل توقيع الشغف نفسه من يد إلى أخرى، مع الحفاظ على نفس القوة الخطية. 

وقد لاحظ لويس كامبوس، المدير الرياضي السابق لباريس سان جيرمان، ذلك الخيط الذي يربط بين الشخصيتين، ففي تصريحه لفرانس فوتبول عام 2017، قال ببصيرة نافذة: “هما نفس الشخصيةK وُلِدا نجومًا بجينات الانتصار”. كلماتٌ تكاد تكون نبوءة تُقرأ اليوم بدهشة، بعد أن تجسدت حرفياً على أرض الملعب، كما أن ديدييه ديشان، قائد فرنسا الأسطوري ومدربها الحالي، لم يختلف في الرؤية، ففي حديثه لـ”لاكيب” عام 2020، حلل بعين الخبير: “كريستيانو يمتلك تلك القوة النادرة، قوة الحسم في كل لحظة، كل موسم، وهي الميزة نفسها التي يمتلكها كيليان رغم صغر سنه، وهذا ما يضعهما في مصاف اللاعبين الاستثنائيين”. أربع سنوات لم تغير من قناعة ديشان، فقبل مواجهة الربع النهائي في هامبورغ، أكد: “سيظل كريستيانو هدافًا حتى النخاع، تجاوز مرحلة التحفيز إلى مرحلة التحدي الأبدي، قد يتقدم به العمر لكن روح المنافسة فيه لا تشيخ”. 

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

هذه الشهادات ليست مجرد مجاملات، بل شهادات ميلاد لنوعية نادرة من اللاعبين، كريستيانو الذي حوّل الطموح إلى دين، وعبد طموحه الشخصي حرفيًا، ومبابي الذي يكتب الإنجيل الجديد للمسيرة، كلاهما يحمل في عينيه بريقاً خاصاً، بريق الذي لا يضيء الملاعب فحسب، بل يخترق الزمن ليصل إلى قلوب مدريد عبر الأجيال. في النهاية، قد تختلف التفاصيل، لكن جوهر العظمة يبقى واحدًا: إرادة لا تقهر، وشغف لا يعرف الحدود، وقلب ينبض برتم واحد هو “الفوز أو الفوز”.

ورغم صعود نجمه كأحد أبرز اللاعبين في العالم، ظلّ مبابي يحتفظ بذلك البريق الخاص في عينيه كلما ذُكر اسم كريستيانو رونالدو، في مقابلة مع قناة beIN قبل سنوات، لم يتمالك الفرنسي نفسه حين وصف هدف كريستيانو في مرمى يوفنتوس (ربع نهائي دوري الأبطال 2018) بأنه “أجمل هدف شاهده في حياته”. كلمات خرجت من القلب قبل اللسان، تكشف أن النجم العالمي ما زال بداخله ذلك الطفل الذي كان يعلق ملصقات أسطورته على حائط غرفته، وفي أكتوبر 2020، كتب مبابي على منصاته الاجتماعية كلمة “مثلي الأعلى” مرفقةً بصورته مع كريستيانو أثناء مواجهة فرنسا والبرتغال في دوري الأمم الأوروبية، حيث استخدم رمزي التاج والماعز (GOAT)، نفس الرموز عادت لتظهر عندما علّق على منشور كريستيانو بعد خروج البرتغال من مونديال 2022 أمام المغرب، في لفتة وفاء نادرة من نجم في قمة مجده لأسطورته التي مهدت الطريق.

وعندما أعلن مبابي انتقاله المرتقب إلى ريال مدريد في يونيو، محاكياً خطى أسطورته كريستيانو إلى السانتياجو برنابيو، اكتملت الدائرة بلمسة من القدر، “دوري الآن للمشاهدة”، كتب كريستيانو في تعليق حماسي على منشور انتقال مبابي، مشيراً إلى أن ابنه،  وهو من أشد المعجبين بالفرنسي، قد تلقى قمصاناً موقعة من النجم نفسه. هذا التعليق الذي حصد أكثر من ستة ملايين إعجاب، لم يكن مجرد كلمات، بل كان تسليم مشعل رمزياً بين جيلين، يصل مبابي إلى إسبانيا في الخامسة والعشرين، بعمر يفوق كريستيانو بعام عندما قدم في 2009. 

“آمل أن أكتب قصة عظيمة في مدريد، لكنني لست هناك لأكمل قصة كريستيانو. ما فعله هناك فريد من نوعه، وآمل أن أفعل شيئاً فريداً أيضاً. سيكون الأمر مختلفاً تماماً، لكن لا يسعني إلا تقدير لاعب بمستواه”. 
كيليان مبابي عن كريستيانو رونالدو. 

ورغم هذا الاحترام المتبادل، لم يسعَ النجمان، وهما من أكبر وجوه نايكي الرياضية ولديهما أحذية مخصصة،  إلى التعاون تجارياً، على عكس علامات مثل هوبلوت التي جمعت بين مبابي ومعشوقه بيليه، وعندما سُئلت نايكي عن رأيها قبل المواجهة الأخيرة بين البرتغال وفرنسا، اكتفت بالقول إنها “تتمنى التوفيق للاعبين والفرق”، وتلك كانت آخر مرة التقيا فيها على أرض الملعب، قبل ثلاث سنوات في مواجهة منتخبيهما باليورو 2020 (التي أُقيمت عام 2021 بسبب الجائحة)، حيث سجل كريستيانو هدفين من ركلتي جزاء قابلها هدفان لكريم بنزيما، بينما صنع مبابي تمريرة حاسمة. تلك الليلة، كما هو الحال اليوم، أثبتت أنهم قد يتقاسمون الملعب، لكن لكل منهم نجوميته الفريدة التي لا تُنسخ، خاصة وأن كل منهم، للمفاجأة، يلعب في مركز وبشكل مختلف تمامًا عن الآخر!. 

ولذلك فالفارق بينهما يبقى جلياً: واحد جاء ليصنع التاريخ، والآخر جاء ليكتب تاريخاً جديداً، لكن القاسم المشترك الأكبر هو تلك الروح التي لا تعرف الكلل، والعزيمة التي تحول الأحلام إلى حقائق. اليوم، بينما يقف مبابي على أعتاب المجد، يبدو أن البرنابيو قد وجد أخيراً من يحمل المشعل بيدين قويتين، ليس ليكمل مسيرة من سبقه، بل ليبدأ حكاية جديدة عنوانها “أسطورة القرن الحادي والعشرين”، في النهاية، السؤال ليس إن كان مبابي سيتجاوز كريستيانو، بل متى وكيف سيفعل ذلك. لأن التاريخ لا يعيد نفسه، لكن العظماء دائماً ما يجدون طرقاً جديدة لصنع المعجزات. والبرنابيو، بكل حكمته، يعلم أن أسواره ستشهد فصولاً جديدة من المجد، كتبها ذلك الفتى الذي لم يعد يحلم بأن يصبح مثل كريستيانو، بل صار يحلم بأن يكون “مبابي” الذي لن يتكرر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق