كتب عمر النبر *
تحدث معالي وزير المالية أمام مجلس النواب في خطاب مشروع قانون الموازنة لعام 2025، مؤكدًا أنه لن يكون هناك تعديل على القوانين الضريبية الحالية. ويُعد هذا التصريح التزامًا حكوميًا واضحًا بعدم زيادة أي من الضرائب. وعلى الرغم من أن تحصيلات ضريبة الأبنية والمسقفات تذهب ريعها معظمه للبلديات إلا أنها تُعدّ من الضرائب الاساسية.وقد اكد من حضر من قبل الحكومة خلال لقائهما مع لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب الموقر خلال اجتماع مناقشة هذا القانون، أنه لن تكون هناك زيادات في المبالغ أو النسب الضريبية على المواطنين في مشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي الجديد، المعروض حاليًا على اللجنة.الا ان هذا غير صحيح .
وبكل إنصاف، فإن هذا القانون المعمول به منذ أكثر من 70 عامًا بحاجة إلى تحديث، إلا أن مشروع القانون الجديد، والذي تعود جذوره إلى الحكومة السابقة، جاء بزيادات مضاعفة في كثير من الحالات على ضريبة الأبنية والمسقفات. وسأورد هنا بعض الأمثلة التي تُثبت أن الضريبة المقترحة في مشروع القانون هي أضعاف الضريبة الحالية،وهنالك مئات الأمثلة إذا تطلب الأمر.
أمثلة:
• قطعة رقم 163 – أم السماق الجنوبية: كانت تدفع 17 دينارًا، أصبحت تدفع 46 دينارًا.
• قطعة رقم 1922 – أم السماق الجنوبية/وادي السير: كانت تدفع 18 دينارًا، أصبحت 82 دينار
• قطعة رقم 631 – حوض 2، أراضي أم زويتينة شمال عمان من 258 دينارًا إلى 1764 دينارًا.
• قطعة رقم 935 – حوض 16، وادي السير: من 35 دينارًا إلى 100 دينار.
• قطعة رقم 933 – حوض 16، وادي السير: من 30 دينارًا إلى 85 دينارًا.
• شقة سكنية – قطعة رقم 234، حوض 30، عمّان: من 157 دينارًا إلى 290 دينارًا
• مصنع مبني على 3000 متر في قرية النقيرة يدفع اليوم 600 دينار سيدفع بعد اقرار هذا القانون سيدفع حوالي 6200 دينار
ان هذا القانون يمكن البلديات من تعديل قيمة الضريبة عبر تعديل القيمة الإدارية للعقارات دون العودة إلى مجلس النواب أو إجراء تعديل قانوني. وهذا يُعد خرقًا واضحًا لآليات الرقابة والتشريع.ومخالفة للمادة ١١١ من الدستور التي تنص انه لا تفرض ضريبة إلا بقانون .
ووفقًا لخبراء عقاريين، بمن فيهم نقيب الشركات والمكاتب العقارية الحالي والسابق، فإن القيمة الإدارية المقدّرة للعقارات التي تحدد على اساسها هذه الضريبة مبالغ فيها في 30% من الأراضي ، وتتجاوز القيمة الحقيقية بنسبة تتراوح بين 20-25%. ولمنع الظلم الدي ممكن ان يحصل، يجب أن يتضمن القانون حدًا أقصى للزيادة المسموحة للقيمة الإدارية في الأنظمة من ضمن القانون وتضمن المعادلة التي تحسب على اساسها القيمة الادارية ايضا من ضمن القانون، كما هو معمول به في دول عديدة حيث لا تتجاوز الزيادة السنوية 1-2%، وتنخفض عند انخفاض أسعار السوق.
إذا لم يُحدد حدّ أقصى للضريبة ,، فإن القانون الحالي يمنح الحكومة تفويضًا مفتوحًا لتعديل الضريبة دون رقابة، كما حصل سابقًا حين تم منح الحكومة صلاحية تعديل ضريبة المحروقات بنظام دن الرجوع لمجلس النواب، التي أصبحت من الأعلى عالميًا مقارنة بمستوى دخل المواطن. علمًا أن ضريبة المحروقات تشكل اليوم 17% من إجمالي الإيرادات الضريبية، بينما في دول منظمة OECD لا تتجاوز 2-3%، مما يُعد مخالفًا للمادة 111 من الدستور التي تنص على أن لا تُفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون.
يتنافى مشروع القانون أيضًا مع الاعفاءات الممنوحة في قانون ضريبة الدخل، حيث تُمنح إعفاءات للأفراد والعائلات ضمن حدود معينة. ومن غير المنطقي أن تُفرض ضريبة مسقفات بنسبة 1% من قيمة العقار الإدارية على عائلة تتقاضى راتب تقاعدي متدني تعتاش منه ومن شقة مؤجرة ستفرض عليها نسبة ضريبة 1% من قيمة الشقة المؤجرة سنويًا، أي ما يعادل 800 دينار سنويًا عن شقة قيمتها الإدارية 100,000 دينار، علمًا بأن هذا الرقم كان أقل بكثير سابقًا.ولا يتجاوز 20% من هذه الضريبة
إن فرض ضريبة بنسبة 1% على قيمة المباني السكنية يطبق في دول ذات دخل مرتفع جدًا، مثل ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة حيث النسبة نفسها 1%. بينما لا توجد ضريبة على الأبنية والأراضي في دول مثل قطر والإمارات، حيث يُعد قطاع العقارات من الأنشط عالميا فيها الإمارات خاصة، وتُحصّل الحكومات في هذه الدول إيراداتها من رسوم التوثيق لعقود الإيجار ووسائل أخرى بعد التاكد بان المواطن امن مدخول له من عقاره.
وقد شهد قطاع العقارات في الأردن تراجعًا واضحًا في السنوات الماضية ، حيث انخفضت البيوعات العقارية وبالتالي الإيرادات الضريبية من تسجيل الأراضي وضريبة بيع العقار بنسبة لا تقل عن 20% وفقًا للتقديرات.
إن هذا القانون بصيغته الحالية سيؤدي إلى هروب بعض الاستثمارات العقارية، لا سيما أن الأردنيين بدأوا منذ سنوات بالاستثمار في دول مجاورة. على سبيل المثال، بلغت استثمارات الأردنيين في إمارة دبي نحو 3.017 مليار دولار، لغاية عام 2022 وتصل إلى 3.5 مليار دولار عند احتساب ما يُسجّل باسم شركات يملكها اردنيين في دبي قس على ذلك الاستثمارات في تركيا، قبرص، أوروبا، وأمريكا، حيث خروج الأموال من الأردن إلى هذه الوجهات اصبح أسهل بكثير.وسيزداد مع هذا القانون
كما أن القانون الحالي سيؤثر على سوق الاستثمار العقاري الداخلي ، الذي كان يُعد ملاذًا آمنًا للأرباح الرأسمالية للعديد من المجموعات الصناعية والتجارية، والتي امتنعت منذ فترة عن شراء أراضٍ جديدة إلا لاستعمالها لغاياتها و.للاسباب المذكورة أعلاه
ولا ننسى أن رأس المال جبان، ويبحث عن الأمان، والأردن يقع في منطقة جغرافية مضطربة، مما يجعل دولًا أخرى أكثر جذبًا لرؤوس الأموال، حتى الأردنية منها.
في تقديري، فإن العائد على الاستثمار العقاري سينخفض بنسبة لا تقل عن 2% إذا أُقرّ القانون بصيغته الحالية، ، نظرًا للضريبة المرتفعة.
ويُضاف إلى هذا القانون أنظمة وقوانين اخرى تضر بالاستثمار العقاري كنظام ( نظام ادارة القسم المشترك في العقار والمجمع العقاري 2025)الصادر مؤخرًا بفرض على المطور إيداع 5% من قيمة أي عقار يباع في صندوق خاص للصيانة لمدة 10 سنوات.مما سيزيد اباء وتكاليف التطوير(مادة 7-ز-2).
لم يأتِ مشروع هدا القانون أيضًا على ذكر ضريبة المجاري والمعارف، التي تضاف إلى ضريبة الابنية وتُشكّل عبئًا إضافيًا على المواطن بنسبة تقارب 5%. إضافية ولا تخصم من ضريبة الدخل .
علما أنه لم تكن تدفع الاراضي الزراعية داخل حدود البلدية ضريبة اراضي قبل هذا القانون اما الان فستدفع هذه الضريبة.
وهناك أرقام غير مدروسة في هذا القانون ، فمثلًا المواطن الذي يمتلك أرضًا أقل من دونم يدفع ضريبة بنسبة 0.04%، بينما من يمتلك دونم ومترًا واحدًا يدفع 0.2% (أي نصف الضريبة المدفوعة من الذي يمتلك اقل من دونم واحد وهذا غير منطقي.
ومن التشوهات في هذا القانون معاملة الخصم الضريبي على ضريبة الابنية والتي تبلغ 20% بالتساوي بغض النظر عن تاريخ البناء, فعمارة عمرها عام واحد في منطقة عبدون على سبيل المثال تاخذ خصم 20% وعمارة في وسط البلد عمرها 50 عاما خصمها الضريبي للبناء ايضا 20%، وهذا الاعفاء الـ 20% يجب ان يكون متدرجا وحسب موقع وعمر البناء .
ان السؤال الاهم الذي يجب ان نسأله لانفسنا هو ان كانت الضريبة ستبقى نفسها كما كانت قبل اقرار هذا القانون وكما ذكر اصحاب المعالي في لجنة الاقتصاد والاستثمار بلا زيادة فلماذا توافق البلديات على تعديل ما عمل به منذ 70 عاما و ان تورد (حسب هذا القانون المعدل) لوزارة المالية 30% من تحصيلاتها الضريبة على الابنية (المادة 12 من هذا القانون ) مع ان هذه البلديات مثقلة بالديون واولها امانة عمان التي وصلت ديونها إلى مليار دينار .هل نفهم من ذلك ان ديونها ستزداد ب 30% عما هي عليه .وانها ستوهب وزارة المالية 30% من دخلها بلا مقابل .؟
اما عن المباني الصناعية خارج المدن الصناعية فالضريبة المفروضة عليها بقيمة 3% من قيمة المباني الإدارية بدون اي خصومات حتى لو شغلها أصحابها فهو من الإجحاف بحقها وسترتفع ضريبة الابنية عليها باضعاف مضاعفةو بالاضافة للقطاع السياحي(الفنادق) التي تعاني الامرين كان يجب ان ينظر لها نظرة خاصة في هذا القانون
اما عن التعديل بقائمة الجهات المعفاة من الضريبة فمن غير المفهوم الغاء اعفاء المباني داخل أسوار القدس من الضريبة حيث كانت معفاة بقانون 1954 وقد استحدث هذا القانون مادة خاصة بالضريبة على الابنية داخل أسوار القدس (17). واقتصار الاعفاء على دور العبادة بدل من جميع المباني المملوكة من هيئة دينية كما كانت في القانون المعمول به .ايضا الغى مشروع هذا القانون الاعفاء الممنوح للنوادي الرياضية المثقلة بالديون، ولم يشرك القانون الاهالي والقطاع الخاص او وزارة المالية في اللجنة التوجيهية العليا مادة 18.
إن هذه الزيادة الكبيرة في ضريبة الأراضي والأبنية ستؤثر بشكل سلبي على الطبقة الوسطى، التي تآكلت رواتبها بسبب التضخم وجمود الأجور والرواتب ويأتي هذا القانون في وقت لا يسعى فيه الأردنيون للرفاهية، بل فقط لتلبية احتياجاتهم الأساسية.فيجب ان يراعي القانون بتخفيض ال 1% لمن يمتلك شقة واحدة ولا يمتلك مصدر دخل اخر.
لذلك، فإن معادلة احتساب الضريبة يجب أن تكون واضحة، عادلة ومرفقة كجزء من القانون ( مثل الجداول المرفقة بقانون رسوم تسجيل الاراضي) والحد الأعلى للزيادة السنوية للقيمة الإدارية ايضا محددة في القانون كما في عدة دول . وتعديل خصم 20% بزيادته حسب أقدمية وموقع الابنية ،وزيادة الخصم على الابنية الفارغة ل 80% نظرا لعدم الانتفاع منها و اخيرا وليس اخرا يجب تخفيض النسب الضريبية الموجودة في القانون ب 250-40% على الاقل.
* الكاتب نائب سابق ورئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار لدورتين في المجلس التاسع عشر
0 تعليق