في لقاء مع خالد الكركي قال:
أنا لا أنظر للوطن الغالي من ثقب الباب! بل من قلب مثقوب!!
هذا الوطن لم يشهد زورًا!
بل شهدوا بالزور عليه!
ليس معقولًا أن يكون ثَمّةَ خطاب أو جملة من أحد ضدّ جهاز حكومي، سببًا كافيًا لكل هذا الحشد، والتوتر! الوطن على حد السيف! ليس معقولًا أن يؤدي هذا إلى استدعاء كل الغرائز، والحوار بلغة قصّ اللسان، وقطع اليد، وحبس أنفاس الجميع بانتظار الانتقام، والثأر، وإسكات المطيع قبل العاصي- وليس في وطن خالد الكركي عُصاة-. فكل مواطن خفير. وكل مواطن مسؤول، وليس هناك مواطنون قُضاة، ولا مواطنون عُتاة!
كتبت الأسبوع الماضي عن الحالة التي عشناها بين "صراع" الإخوان، والحكومة، وقلت: أنا لا أستطيع الوقوف مع كثير من سياسات حكومية، ولا سياسات إخوانية! كما أنني لا أستطيع قول: كل ما يجب بحق الحكومة، أو بحق الإخوان خوفًا من أن يعود الطرفان للصفاء على حسابي!!
ولست أدري كيف يضع كتاب الطرفين
المجتمع على حدّ السيف!!
والوطن على حدّ السيف! ولو أن أحدًا من المثيرين يهمه استقرار الوطن لما وُلِدت هذه الأزمة!
وأقتبس بتصرف ما قاله سمير الحياري عن المتبرعين بالدفاع والهجوم:
إذا أردت أن تخسر قضية وطنية
وتسيء لمن تدافع عنهم، استضف أحد الوجوه البائسة
المستهلكة للدفاع عنها!
(١)
علاقة الإخوان بالدولة
لن أشارك بأي حملة ضد الإخوان، ولي أسباب عديدة لعل أهمها ظروف الشيطنة التي يتعرضون لها. ولكن سأقدم تحليلًا قد لا يقبلونه. لا يرتاح الإخوان إلى القول بأنهم تنعموا بحضن الدولة منذ الخمسينات، وأن الدولة تنعمت بدعم الإخوان الذين وقفوا معها ضدّ الأزمات القومية، واليسارية منذ أربعينات القرن الماضي!
وبالرغم من ذلك، تفاوتت العلاقات بين مدّ وجزْر عبر تاريخ الأردن، إلى أن وصلت شكل الصّدام الحالي! فالدولة كانت ينبوع الإخوان! حتى قبل فترة قصيرة، بل ما زالت هي الداعم الأكبر للإخوان تربويّا، والمصادم له سياسيّا!
(٢)
ينابيع الإخوان
اعتمد الإخوان على ينابيعَ، وروافدَ متعددة، أوصلتهم إلى ما هم عليه من عزّة، ومنَعة، وقوة!
فما هذه الروافدُ، والينابيع؟
الأول؛ هو إطلاق يدِ الإخوان في وزارة التربية منذ الخمسينات،
وزراء موالون، أو منسجمون، أو قابلون، حيث تعاقب على الوزارة
ثلاثة شيوخ، ووزيران منتميان، ووزراء محايدون حتى الثمانينات.
والثاني؛ تمثل بالمناهج الدراسية،
التي كان ممنوعًا لغير الإخوان، أو حاملي ثقافتهم العمل فيها! وتم تحميل الكتب باختلاف موادها: "علوم، تربية اجتماعية، تربية وطنية، لغة عربية، ثقافة إسلامية، رياضيات" بثقافة صديقة للإخوان! حيث تخرجت أجيال منذ الخمسينات، وحتى الآن ملتزمة بهذه الثقافة!
والثالث؛ نشوء العديد من الجمعيات الخيرية، وغير الخيرية، وآلاف المراكز، والمؤسسات الملتزمة بثقافة الإخوان.
والرابع؛ هو حرص الحكومات المتعاقبة على عدم الاصطدام معهم، حتى سيطروا على مِفصل القرار التربوي من المدرسة حتى الوزارة، وصولًا لضبط الرأي العام في المجتمع على إيقاعهم.
ففي سنة١٩٨٢ كان جميع مسؤولي التربية في الوزارة، والمديريات، وحتى المدارس من الإخوان، تنبهت حكومة زيد الرفاعي سنة ١٩٨٥، وأجرت جراحات حاسمة جدّا! كان هذا أول موقف حكومي واجه الإخوان، ولم يتكرر. حيث اختفوا من مراكز القرار، لكن ثقافة الإخوان وأدواتهم ما زالت حتى الآن!
والخامس؛ وهو الأكثر أهمية، هو ذكاء الإخوان والتحامهم بالناس، "وشرعية" الفكر الذي يحملونه جعلتهم في عمق المجتمع وضميره!
(٣)
الواقع الحالي
يمثل الإخوان ضمير غالبية الناس: ثقافيُا، ودينيُا، واجتماعيّا، ومن الطبيعي ، أن يستثمروا ذلك سياسيّا، فقد نجحوا في السيطرة على كل شيء! وها هم وحدهم أصحاب الكلمة المسموعة شعبيّا ومن دون منافس!
قلت: هذا واقع، سواء أرَدنا، أم رفَضنا، ومن يريد أن يؤثر على قوة الإخوان، فليتعامل مع روافدهم، ووقف ينابيعهم، فليس من المعقول دعمهم اجتماعيّا، وثقافيّا، و تربويّا، ومواجهتهم سياسيّا؟؟
طبعًا! أنا لا أحرّض على ذلك! لكن لا يفهم كيف ندعمهم تربويًا ، ونسمي شوارعنا بأسماء رموزهم ونواجههم سياسيًا؟!
(٤)
عبّرت عن موقفي: أنا نظريًا مع الإخوان فيما لا يسرُ الحكومة، ومع الحكومة فيما لا يسرّ الإخوان! مع التزامي: مَن لا يستطيع قول كل ما يجب، فليسكُت أيضًا!
فهمت عليُ؟!!
0 تعليق