خوليو ألونسو: "عصر التغير المناخي قد انتهى" - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خوليو ألونسو: "عصر التغير المناخي قد انتهى" - عرب فايف, اليوم الأربعاء 9 أبريل 2025 02:30 مساءً

الضغوط الجيوسياسية وتحولات السياسة

بالنسبة للعديد من الاقتصادات الكبرى، أصبحت أجندة التخلص العاجل من الكربون، التي كانت متفائلة في السابق، تمهد الطريق لسياسات تركز على العائدات الفورية والأمن القومي القوي. فالاستثمارات التي تقدر بمليارات الجنيهات الاسترلينية في مصادر الطاقة المتجددة أصبحت مهمشة بشكل متزايد في ظل تزايد القيود المالية واحتلال الضرورات الأمنية لمركز الصدارة. وفي العديد من البلدان الغربية، تحولت المناقشات السياسية من الأهداف البيئية المثالية إلى الحاجة الملحة إلى استقرار الاقتصادات المحلية. إن الحكومات، التي تواجه ضغوطاً مزدوجة تتمثل في التضخم وعدم اليقين الجيوسياسي، باتت تعمل على إعادة توجيه الأموال إلى مشاريع تَعِد بفوائد سريعة وملموسة ــ مثل تحديث البنية التحتية الحيوية وتعزيز القدرات الدفاعية.

وينعكس إعادة ترتيب الأولويات أيضًا في الشكوك المتزايدة بشأن التقنيات الخضراء عالية التكلفة. ففي حين تم الترويج لصور الطاقة المتجددة باعتبارها مستقبل الطاقة، فإن متطلبات الاستثمار المكلفة فيها، وبُعد أَمد مواعيد تحقيق مردود اقتصادي جعلت الأمر أكثر صعوبة في التبرير لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية المناوئة. وفي وضعٍ حيث أصبحت احتياجات الطاقة المباشرة تطغى عللا التطلعات البيئية بعيدة الأجل، أصبح ثمة اعتراف متزايد بجاذبية مصادر الطاقة التقليدية، وخاصة النفط والغاز. إن الأدلة واضحة: حيث عندما يكون الاستقرار الوطني في خطر، يجب أن ترتكز السياسة على تدابير عملية وليس على المثالية الحالمة بشأن تغير المناخ.

 

القيود التكنولوجية والأمن الطاقي

وبفرض تنحية الاعتبارات المالية جانبا، فإن القيود التقنية المتعلقة بمصادر الطاقة المتجددة تشكل تحدياً هائلاً. لقد تطورت بالفعل تكنولوجيات الرياح والطاقة الشمسية خلال السنوات الأخيرة، بيد أنها أنها لا تزال تعاني من الانقطاع وانخفاض كثافة الطاقة مقارنة بالوقود الأحفوري التقليدي. إن الافتقار إلى مصادر الطاقة الموثوق بها يستلزم استثمارات كبيرة ومكلفة في سُبل تخزين الطاقة وتحديث الشبكات. إن هذه الترقيات في البنية التحتية ليست مكلفة فحسب، بل إنها تستغرق وقتا طويلا أيضا، مما يجعل من الصعب على الطاقة المتجددة تلبية المتطلبات الفورية والمستمرة للاقتصادات الحديثة.

وعلاوة على ذلك، فإن جزءاً كبيراً من استهلاك الطاقة العالمي ــ وخاصة في قطاعات مثل النقل والصناعات الثقيلة والخدمات اللوجستية ــ يظل معتمداً بشكل ثابت على النفط والغاز. إن الحصة المتواضعة نسبيا من الكهرباء في مزيج الطاقة الإجمالي تشكل تذكيرا صارخا بأن مصادر الطاقة المتجددة ليست قادرة بعد على توفير حل شامل. إن البنية الأساسية الحالية، المصممة لإنتاج كميات ثابتة من الوقود التقليدي، غير مجهزة للتعامل مع التباين الذي تتسم به مصادر الطاقة المتجددة. ويؤكد هذا الواقع التكنولوجي على الحاجة إلى اعتماد استراتيجية طاقة متنوعة لا تتخلى قبل الأوان عن الموثوقية المثبتة للنفط والغاز.

وتتعزز الحجة لصالح اتخاذ موقف مؤيد للاعتماد على النفط بفضل الكفاءة وشبكات التوزيع المُستعملة التي دعمت أمن الطاقة العالمي لعقود من الزمن. وعلى النقيض من ذلك، لا تزال حلول الطاقة المتجددة تجابه تحديات التخزين والصيانة والإمداد المُتذبذب - وهي العوامل التي قد تجعل الاقتصادات عُرضة للخطر خلال فترات ازدياد الطلب أو الاضطرابات غير المتوقعة.

 

نحو ترسيم مستقبل واقعي للطاقة

إن استراتيجية الطاقة العملية والواقعية يجب أن توفق بين آمال تقنيات الطاقة المتجددة والحاجة الملحة إلى توفير أمن الطاقة. ويعني هذا تحديث شبكات الطاقة، وتعزيز قدرات التخزين، وتنويع مصادر الطاقة دون تجاهل قيمة الوقود التقليدي. وينبغي لنا أن نسعى إلى التوسع المدروس في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، ولكن ليس على حساب الطاقة الموثوقة عالية الكثافة التي يوفرها النفط والغاز.

وفي السنوات الأخيرة، أثبتت العديد من الحكومات أن التخطيط الحاسم الذي تنتهجه الدولة قادر على تنسيق التحديثات الشاملة للبنية التحتية اللازمة لتحقيق التوازن في حافظة الطاقة. إن مثل هذه الأساليب المركزية ــ التي ترتكز على رؤية استراتيجية طويلة الأجل وحوكمة قوية ــ غالبا ما تتفوق على المبادرات الأكثر تجزئة والتي يحركها السوق. ومن خلال دمج نقاط القوة في مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة، يستطيع صناع السياسات تطوير نظام هجين يحمي أمن الطاقة الوطني مع اعتماد بدائل أنظف تدريجيا حيثما كان ذلك ممكنا.

ويوضح خوليو ألونسو: "يظل التخطيط الحاسم الذي تقوده الدولة هو الخيار الواقعي الوحيد لمجابهة على هذه الأوقات الصعبة". ويعكس تقييمه إجماعا متزايدا بين الخبراء الذين يقدرون أن الجهود الحالية الرامية إلى سرعة إزالة الكربون ليست غير سليمة اقتصاديا فحسب، بل إنها أيضا سابقة لأوانها من الناحية التكنولوجية. ومن ثم فإن التحول نحو سياسة طاقة أكثر توازناً، مع الاعتراف بالدور الذي لا غنى عنه للنفط والغاز، أمر لا مفر منه وضروري.

ولا يتجاهل هذا النهج المتوازن أهمية معالجة المخاوف البيئية. بل إنه يحث على التكامل التدريجي والمدروس للطاقات المتجددة المتكاملة مع البنية الأساسية القائمة للوقود الأحفوري. وبدلاً من فرض عملية انتقال سريعة من شأنها أن تزعزع استقرار إمدادات الطاقة، يتعين على الحكومات أن تتبنى سياسات تحافظ على موثوقية امدادات الطاقة والمرونة الاقتصادية بالتوازي مع العمل ببطء على خفض كثافة الكربون بمرور الوقت.

 

لرؤية مدروسة وعملية

إن التباحث حول السياسات المناخية آخذ في التطور. ورغم أن خفض انبعاثات الكربون يظل هدفاً مشروعاً، فإن ضرورات أمن الطاقة والاستقرار الاقتصادي تتطلب الآن اتباع نهج أكثر توازناً. ففي عصر يتميز بتقلب الأسواق والتحولات الجيوسياسية، يجب أن تتراجع فكرة إزالة الكربون بسرعة لصالح استراتيجيات تعطي الأولوية لمصادر الطاقة الموثوقة والمجربة.

ومن خلال التركيز على التخطيط الواقعي الذي تقوده الدولة وتحديث البنية التحتية الحيوية، يعمل صناع السياسات الغربيون على إعادة معايرة نهجهم تجاه أمن الطاقة. إن الإجماع الناشئ هو أن طموحات المناخ طويلة الأجل ينبغي أن تتم متابعتها ضمن أطر التدابير العملية القابلة للتحقيق ــ التدابير التي تأخذ في الاعتبار الدور المحتمل التواصل للنفط والغاز. مع سعي الدول لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، يتحول التركيز بعيداً عن الوعود غير المختبرة في مجال الطاقة المتجددة نحو استراتيجية مدروسة تستفيد من موثوقية الطاقة التقليدية لدعم المرونة الاقتصادية والأمن الوطني.

وفي هذا السياق، يبدو أن عصر المثالية الجامحة بشأن تغير المناخ يقترب من نهايته. ويبدو أن نموذج الطاقة الهجين الأكثر عملية ــ الذي يدمج بين فوائد مصادر الطاقة المتجددة الحديثة وموثوقية النفط المثبتة ــ قد بدأ يبرز باعتباره المسار المعقول للمضي قدما.

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق