حكاية شارع.. الجاحظ - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حكاية شارع.. الجاحظ - عرب فايف, اليوم الأربعاء 19 مارس 2025 02:28 مساءً

نشأ الجاحظ في عصر ازدهرت فيه كافة العلوم العربية والإسلامية، حيث حازت اللغة العربية مكانة رفيعة، ونشطت حركات الترجمة والنقل عن الأجانب، كما انتشر في ذلك العصر الأسواق الأدبية، حيث تقام حلقات الشعر ويعرض فيها كل جديد في اللغة والأدب، لذلك أحب العلم واللغة والأدب فتعلم علي أيدي العلماء البصريين وكان واسع الثقافة والعلم، فجمع مختلف ضروب الثقافة والعلم في زمانه كما عمل جمالاً عند عمرو بن قلع الكناني، كان الجاحظ ذكياً جداً وصبوراً علي طلب العلم، وقد تتلمذ علي أيدي فحول العلم والأدب حينذاك، فقد أخذ اللغة والأدب عن الأصمعي، وأبي عبيدة، وأبي يزيد الأنصاري، والنحو عن الأخفش، والحديث عن حجاج بن محمد، وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة. ثمّ تثقف ثقافة الاعتزال وكان أهم أستاذ له في ذلك النظّام، فكان المعتزلة يهتمون بالاطلاع علي الديانات الأخري ومعرفتها جيداً لأنّهم جعلوا من أنفسهم دعاةً للإسلام، وكانوا يعتقدون أن عليهم أن يكونوا علي معرفة تامة بدينهم وبالديانات الأخري، فدرسوا الفلسفة اليونانية لأن أعدائهم كانوا قد اتخذوها وسيلةً للدعوة إلي دينهم، لذا درسوا ثقافة أرسطو وما فيها عن علم الحيوان، وصبغوها بطابعهم الديني.

كان الجاحظ شديد الولع بالقراءة والمطالعة، حتي أنه كان يستأجر دكاكين الوراقين ويبيت فيها للقراءة والدراسة، وقد اندمج في الحياة الواقعيّة واستفاد منها، وتنوّعت المواضيع التي درسها وكتب فيها. ومنها الحيوانات والنباتات، وقد كان لاندماج الجاحظ في المجتمع واختلاطه بكافة فئاته ومجالسته للأدباء والشعراء والملوك والأمراء الأثر الواضح في تنمية معرفته وزيادة تجاربه.

كان الجاحظ في بداياته يعيش حياةً بسيطة. فقد نشأ في طبقةي اجتماعيةي فقيرة مكتسبًا قوته من عمل يديه، ورغم ذلك فهو لم يترك العلم والمطالعة، فكان يعمل ويتعلم في آني واحد، وكان يحضر الدروس في المسجد، ثم اتصل بالشيوخ والأئمة آنذاك وأخذ عنهم كما سبق الذكر، كما خالط أعلام الترجمة والكتابة وقرأ ما تيسر له من الكتب المترجمة أيام المنصور والرشيد والبرامكة والمأمون، ومن الجدير بالذكر أن المكتبات العامة لم تكن متوفرة في تلك الفترة أي في أواخر القرن الثاني للهجرة، كما كانت الكتب نادرة وغالية جداً، فلم تكن إمكانيات الجاحظ المادية تسمح له بشرائها، لذا كان يحصل عليها عن طريق أساتذته وأصدقائه الذين كانوا يضعون مكتباتهم تحت تصرفه.

اشتملت ثقافة الجاحظ علي كافة العلوم المعروفة في عصره. فدرس المنطق والفلسفة والرياضيات والطبيعيات والسياسة والأخلاق والفراسة، وقد أبدع فيها جميعها، وتكونت لديه ثقافة متنوعةي وغزيرة، وحين ذاك انتقل إلي بغداد ليزيد من معرفته واطلاعه، ثم اتصل فيها بالكبار من رجال الدين وعلماء اللغة.

اعتبر الجاحظ من أغزر المؤلفين إنتاجًا، فكتب عن الأدب والشعر والديانات والعقائد، والإمامة والنبوة، والمذاهب الفلسفية، وبحث في السياسة والاقتصاد والأخلاق وطبائع الأشياء، وتكلم عن العصبية وتأثير البيئة، ونظر في العلوم التاريخية، والجغرافية والطبيعة. فكتب في المدن والأمصار والمعادن وجواهر الأرض، والكيمياء والنبات والحيوان، والطب والفلك، والموسيقي والغناء وكتب في الجواري والغلمان، والعشق والنساء، والنرد والشطرنج، وغير ذلك مما يتناول الحياة الاجتماعية والأدبية والعلمية في عصره وقبل عصره.

اشتُهر الجاحظ بأسلوبه الإنشائي الذي لا يوجد من كتّاب العربية من يتفوق عليه فيه، فهو في النثر كالبحتري في الشعر، فامتاز أسلوبه الإنشائي برقي الألفاظ والجمل. والسهولة والوضوح، وسحر البيان، كما تظهر شخصية الجاحظ بقوة في كتاباته، كما يكثر فيه أيضاً من الاستطراد حتي يخرج بالقارئ عن الموضوع الرئيسي ليتناول موضوعاً غيره ثم يعود للموضوع الأول، وهذا يدل علي غزارة مادته وطاعة الألفاظ له وكثرة المران علي الجدل، فلم يترك الجاحظ موضوعاً من مواضيع الحياة إلا وكتب فيه، فقد كتب في التوحيد والقرآن ومذاهب الفِرَق الإسلامية، وكتب في الأدب وفنونه شعرًا ونثرًا، وجدًّا وهزلًا، وكتب في الأخلاق والاجتماع وطبائع الناس. ولم يَفُتْهُ أن يكتب في الطب والكيمياء، وأبدع في دقة التصوير وحكاية الواقع ووصف الحديث، ثم إن أدب الجاحظ واقعي صريح يصور الحقيقة كما هي، ويري في ذلك السبيل الأقوم فيدعو إليه ويعيب من يرغب عنه، امتاز أسلوب الجاحظ أيضاً بالسخرية والنظر الثاقب، وخصوبة الخيال. وخلط الجد بالهزل، ويعتبر الجاحظ هو مبتكر هذا الأسلوب، وهو يري أن المزاح شعبة من شعب السهولة.

بالإضافة إلي ذلك كان الجاحظ شاعرًا وناقدًا في الشعر، فكان يري أن الشعر يقوم علي أربعة أركان، الصبغة، والصياغة اللفظية، والوزن، والتصوير.

كتب الجاحظ في كافة العلوم وفنون الأدب المعروفة في زمانه، كما أن كتبه تجمع بين العلم والفائدة والبراعة في التعبير وسحر البلاغة في الأسلوب، كما يجد القارئ متعة في قراءتها لما فيها من تشويق ونوادر وسخرية، ويقال إن الجاحظ هو أول من بدأ التأليف في الأدب وعلي نهجه سار الأدباء والمؤلفون، كما تعتبر مؤلفات الجاحظ التي تعد بالمئات مراجع مهمة فلولاها لاندثر الكثير من أدب العرب، وقد ورد في مقدمة كتاب التاج أن الجاحظ ترك نحوًا من ثلاثمائة وستين مؤلَّفًا رآها سبط ابن الجوزي كلها تقريبًا في مشهد أبي حنيفة النعمان ببغداد.

عاش الجاحظ أكثر من تسعين سنة، نهل فيهم من تجارب الحياة، لكنه أصيب بالمرض في أواخر أيامه حتي توفي في عام 255 هجرية الموافق 868م، حيث روي أنه توفي تحت كتبه التي انهارت عليه.

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق