نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ماكرون - السيسي وزيارة الأحلام - عرب فايف, اليوم الثلاثاء 8 أبريل 2025 12:28 صباحاً
صالح أبو مسلم
نظراً للظروف العربية والإقليمية الشائكة التي تمر بها المنطقة، ونظراً للظروف المضطربة التي يعيشها العالم الآن بسبب الإبادة الجماعية والحرب الوحشية التي يقوم بها جنود الاحتلال الإسرائيلي بأوامر من متطرفيه ومستوطنيه، وبدعم ومساندة أمريكية غير مسموعة، إضافة إلى القرارات غير المسئولة التي يتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه دول العالم، وآخرها فرضه للتعريفة الجمركية الجائرة علي صادرات دول العالم لأمريكا، وبانتهاكه لحقوق الدول، ولكل ذلك وغيرها من حروب وأزمات إسرائيلية في المنطقة، تكتسب زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أهمية كبيرة، باعتبار فرنسا شريكاً هاما ومحوريا مع مصر في كافة المجالات، ومنها دعم فرنسا الدائم لمصر وتضامنها مع قضايا البلدان العربية وعلي رأسها القضية الفلسطينية، ولهذا عكست تلك الزيارة التاريخية والتي بدأت يوم الاثنين الماضي الموافق 6 من شهر إبريل الجاري ولمدة ثلاثة أيام، إذ يستعرض خلالها الرئيس الفرنسي ماكرون مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العلاقات المشتركة بين البلدين، وعمل فرنسا على تفعيل كافة المجالات والاستثمارات الفرنسية كاستجابة للتباحث والتوافق المتواصل بين حكومتي البلدين.
لقد بدأت زيارة الاحلام التي قام بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون منذ وصوله واستقباله بطائرات الراڤال المصرية الفرنسية، ثم زيارته للمتحف المصري الكبير، وذلك للدلالة علي أهمية الحضارة المصرية باعتبارها أم الحضارات، وكرمزية من الرئيس ماكرون للدلالة علي تقدير الشعب الفرنسي وعشقه لتلك الحضارة، ثم اصطحاب الرئيس السيسي له خلال جولة سياحية سيرا علي الأقدام في منطقة خان الخليلي والحسين بالقاهرة، وذلك لإعطائه صورة جمالية وحضارية تعكس عبق تلك المنطقة، كما اشارت زيارته لتلك المنطقة إلي جو الحارة المصرية التي عاش بها أبناء الديانات الثلاث، وإشارة إلي تلك المنطقة التي انطلقت منها روائع نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الآداب، إضافة إلي نقل صورة حضارية وجمالية لمنطقة حب الجمالية، هذا الحي الذي ظل مصدراً خصباً لإلهام الفنانين والمستشرقين، وأجواء ألف ليلة وليلة، ناهيك عن إظهار طبيعة وكرم المصريين الذين يرحبون بضيوف وزوار مصر.
وفي صباح اليوم الثلاثاء اليوم الثاني من الزيارة، بدأ الرئيس ماكرون يومه باجتماع موسع مع الرئيس السيسي بقصر الاتحادية، وخلال هذا اللقاء تم التوقيع خلاله علي الكثير من الاتفاقات، وذلك لتعزيز الشراكة الاستراتيجية في كافة المجالات، بما يحقق التنمية المستدامة لمصر باعتبار فرنسا رائدة في مجال الصناعات والتكنولوجيا، والتحول الرقمي والرعاية الصحية والنقل والاتصالات والذكاء الاصطناعي والتعليم والطاقة النظيفة، وغيرها من المشاريع الاقتصادية والاستثمارية الكبيرة، وكافة المشروعات التي من شأنها تقدم مصر وخلق شراكات استراتيجية بين مصر وفرنسا، كما بحث المنتدى الاقتصادي بين البلدين إلي مضاعفة حجم الاستثمارات الفرنسية مع مصر، كما طالب الرئيس السيسي بتشجيع الاستثمارات، وبتشجيع توطين الصناعات الفرنسية وعلي رأسها الصناعات الدوائية في مصر.
و أكد الرئيس ماكرون علي دعمه ومساندته لموقف مصر في صندوق النقد الدولي، ودعمه الدئوب لها في المؤسسات المالية الداعمة بالاتحاد الأوروبي، والتي كانت منحت مصر مؤخرا 4 مليارات يورو، أعقب ذلك القمة الثلاثية بين الرئيس الفرنسي والرئيس المصري، والملك الأردني الملك عبد الله الثاني، خرجت فيه تلك القمة ببيان مشترك أعرب فيه الزعماء الثلاثة عن مطالبتهم بوقف الحرب علي غزة، وحماية المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية، وبرفصهم القاطع لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، والدعوة لتبادل الأسرى وحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية، مع استعداد الدول الثلاث لتقديم الدعم والتنسيق مع كافة الشركاء والدول الداعمة لتقديم المساعدات الإنسانية وفقاً للقانون الدولي.
كما أكد الرئيس ماكرون علي دعمه لخطة مصر والدول العربية لإعمار غزة كبديل حسمي وواقعي عن خطة ترامب الظالمة، ثم اعقب ذلك قام الرئيس ماكرون بزيارة محطة عدلي منصور التبادلية، ودعوته إلي مشاركة الشركات الفرنسية في خط المترو السادس، وقيامه بجولة تفقدية مع الرئيس السيسي وصولاً إلى جامعة القاهرة، وحضوره اجتماع ملتقى العلم الثقافي لقاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة بصحبة الرئيس السيسي، وبحضور وزيري التعليم العالي في البلدين أساتذة الجامعات المصرية وكبار الضيوف بين البلدين، وحضور بعض الطلبة المصريين الدارسين بفرنسا والجامعات الفرنسية بمصر، وبحث تعزيز تطوير التعليم العالي والبحث العلمي والبعثات المصرية وتبادل الخبرات، والتوقيع علي 42 بروتوكول في مجال التعليم العالي والبحث العلمي بين البلدين، وقد قام الرئيس ماكرون خلال الملتقى بتوجيه كلمة علمية وإنسانية حث فيها على أهمية الجامعات والتعليم، وحث الطلاب علي العلم واللغة الفرنسية، وبتشجيعه البحث العلمي والإبداع في كافة المجالات، ووعده بتقديم كافة المساعدات العلمية والبحثية للطلبة المصريين الدارسين بفرنسا، وبتقديم المساعدات المالية والعلمية للجامعات الفرنسية بمصر، وبمطالبة وزير التعليم العالي بتشجيع دراسة اللغة الفرنسية، لمساهمة مصر في الفرانكفونية، وسوف يقوم الرئيس ماكرون غداً بزيارة إلي منطقة الحدود المصرية مع فلسطين، ليبدأها بزيارة المرضى والمصابين الفلسطينيين بمستشفيات العريش، وباجتماعه مع البعثة الأمنية الفرنسية المشاركة في قوات حفظ السلام بمنطقة رفح، لتعكس تلك الزيارة تضامن الرئيس ماكرون مع أبناء غزة، وبثه رسالة إلي العالم بأن هناك عدوان وإبادة جماعية من جانب إسرائيل تستوجب تضامن العالم لوقف هذا العدوان.
إن العلاقة مع فرنسا ليست علاقات سياسية واقتصادية فقط، بل حكاية علاقات حضارية وتاريخية وعلمية تمتد منذ حملة نابليون بونابرت علي مصر سنة 1798، تلك الحملة التي وإن كانت عسكرية، إلا أنها أسست لعلاقات تاريخية وثقافية وفنية واهتمام فرنسا بعلم المصريات، والتي انطلقت من خلالها البعثات العلمية منذ عصر محمد علي، وعلي رأسها المجالات العلمية والعسكرية والثقافية والزراعية، كما تم نقل الكثير من الحداثة والعمارة والفنون الفرنسية لمصر خلال حكم أسرة محمد علي، إضافة إلى جهود البعثة العلمية الاثرية التي صاحبت نابليون خلال حملته عن مصر، والتي كشفت عن الكثير من رموز وكنوز الحضارة المصرية، تلك التي انطلقت منها فرنسا لبناء حضارتها التي اعتمدت بشكل رئيسي علي الحضارة المصرية، الأمر الذي كان له بالغ الأثر علي التواصل الثقافي والحضاري والإنساني والتفاهم المشترك بين البلدين.
0 تعليق