لم يكن وصفي التل من أنصار العمل الفدائي فحسب، بل كان في طليعة الذين نادوا لقيامه. مؤكدا بأن العمل الفدائي يشكل أحد دعائم الكفاح المسلح، إلا أنه لا يمكن أن يصل إلى غايته، ما لم تكن قيادته موحدة، وأن، أية محاولة لزيادة المنظمات الفدائية هي إضعاف لهذا العمل، مؤيدا جهود المنظمات الساعية للوحدة.
كما صرح بأن للعمل الفدائي فضل لا ينكر، وأنه ما زال مبقيا على استمرار المواجهة، وتأمين المشاغلة المسلحة مع العدو، وعده وجه من أجه المعركة، منبها إلى خطأ الاعتقاد أنه وحده من يستطيع تحقيق الأهداف التي يتطلع إليها العرب، طارحا تصور يقوم على إيجاد خطة تعبئة شاملة يشكل العمل الفدائي دعامتها الرئيسة.
بعد معركة الكرامة التي شاركت بها المنظمات إلى جانب الجيش، نشأ خلاف حول من هو صاحب الدور الأكبر في المعركة، ثم أخذت المنظمات بالتراجع عن المناطق المحاذية لفلسطين، وأعادت انتشارها داخل التجمعات السكانية في المدن الأردنية، ما أدى لظهور تعارض بين وجود المنظمات الفدائية، وممارسة الدولة لسيادتها، وشكل في الممارسات " دولة داخل دولة”، خاصة بعد التساهل الذي أبدته الدولة في تحجيم هذه الظاهرة، التي أصبحت تشكل تهديدا للأمن والاستقرار، وشيوع مظاهرازدواجية السلطة، وهو ما قاد لاحقا إلى انحراف العمل الفدائي أهدافه في محابة العدو، وتحرير الأرض، إلى غايات سياسية عسكرية، رفعت شعار اسقاط نظام الحكم، وممارسة السلطة السياسية.
في هذا السياق كان وصفي التل واحد من قلة، حاولوا مبكرا إيجاد معادلة توافقية بين العمل الفدائي والدولة الأردنية، وترسيخهما معا لمحاربة اسرائيل.
أكد وصفي التل أن انهيار النظام في الأردن، هو من الأهداف الأساسية للاستراتيجية الاسرائيلية، خاصة في غياب مخطط شمولي لمواجهة العدوان، وحالة الميوعة الداخلية؛ بسبب الفساد والمحسوبية، إضافة لجهات دولية ترى في انهيار الدولة عاملا أساسيا في تصفية القضية الفلسطينية، بشروط اسرائيلية، مبديا أسفه لأن إدارة الدولة تنمي الإحساس الإسرائيلي تجاهها، بصفتها الحلقة الأضعف من بين جميع الدول العربية المعنية بالصراع.
رأى وصفي التل أن هدف العدو الاستراتيجي يكمن في الوصول إلى استسلام عربي له، مع الاحتفاظ بالأرض المحتلة كلها، مؤكدا أن ترسيخ الوجود الإسرائيلي يكون في استسلام الأردن، أو انهيار نظام الحكم فيه.
كما آمن بأن ادعاء اسرائيل في الرغبة في السلام والمفاوضات المباشرة، ما هو إلا وسائل لكسب الوقت، مؤكدا أنه وحتى لو اختفى العمل الفدائي، فإن العدو لن يعدم الوسيلة التي يتذرع بها لتقويض الأردن.
وضع وصفي التل أسس الخطة العربية لمواجهة العدو، مشترطا أن تكون فورية، وقائمة على التخطيط، معتقدا أن الوقت ليس في صالح العرب. وعد الخطة الأردنية للمواجهة، مقدمة للخطة العربية، من خلال المشاغلة على الجبهة الأردنية، مع ضرورة قيام مقاومة شعبية حديثة، تستند على أساس تقسيم الأردن جغرافيا إلى مناطق عسكرية، وتقسيم المدن إلى أحياء وقطاعات جغرافية وعسكرية أصغر.
كما دعا إلى إعادة تنظيم الجيش، وتقسيمه إلى مجموعات قتالية صغيرة الحجم، تكون قادرة على الحرب الخاطفة، معتبرا العمل الفدائي ركنا من أركان الخطة الأردنية، بشرط توحيده، وجعل جهده من ضمن المجهود العسكري العام، مؤمنا بإمكانية تكرار معركة الكرامة أكثر من مرة.
وكشرط لنجاح خطته العسكرية، طالب وصفي التل أن يتحول المجتمع الأردني إلى مجتمع حرب، مبينا أن لكل مواطن في المجتمع الجديد مساهمة في معركة السلاح أو الإنتاج، بما يشبه مجتمع قرطاجة أيام حصارها من الرومان..
كان الهدف الاستراتيجي للخطة العربية ككل، بما فيها الخطة الأردنية، إنهاء وجود اسرائيل السياسي، لأن في إنهائها انقاذا للعرب واليهود من شرور الحركة الصهيونية.
في الأول من حزيران عام 1970، ألقى وصفي التل محاضرة مطولة في الجامعة الأردنية، بعنوان "حقائق المعركة”، قسمها إلى جزئين:
الأول: تناول فيه طبيعة العدو الصهيوني، وفيها يؤكد أن الحلول السلمية معه بشتى أشكالها ما هي إلا خرافة يجب إزالتها من الأذهان، كما أكد أن مسألة احتواء إسرائيل أو إمكانية التعايش أو الانسجام معها، ما هي إلا خرافة أخرى، وأن من الوهم الاعتقاد بإمكانية تحاشي صدام مصيري مع الصهيونية، والاعتماد على ما يعتقد أو يبدو انه متناقضات بين مختلف الأحزاب والطبقات اليهودية داخل إسرائيل، وخرافة الاعتماد على الضغوط والوساطات الدولية والرأي العام العالمي، والأوهام التي تتوقع إمكان انسحاب إسرائيل من بعض الأراضي المغتصبة أو كلها دون ثمن غال تأخذه، أو من إكراه شديد لا يكون بمحض إرادتها.
الثاني: خصصه لحال العرب، وفهمهم لطبيعة المعركة المقبلة مع العدو، مشيرا إلى وجود حالة من عدم الفهم العميق للعدو وأساليب مواجهته. وأن الحل الوحيد لمواجهة العدو، هو جعل المعركة عنوان وجود وقناعة، تتطلب جهدا وعملا، مؤمنا بأن الصدام هو مفتاح التحرير، وضرورة استراتيجية، مشيرا إلى الأردن باعتباره مفتاح الصدام...
0 تعليق