خواطر على هامش العيد! #عاجل - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

 

كتب: كمال ميرزا

الحمد لله على نعمة اختلاف الأنظمة العربيّة في رؤية هلال العيد!

أخيراً سمعنا أصوات بعض الغيورين على الدين وحياضه، هؤلاء الذين ألفيناهم خلال الخمسة عشر شهراً الماضية يلتزمون الصمت حدّ الخَرَس عندما يتعلّق الأمر بغزّة وأهل غزّة، ويركنون إلى توكّل كاذب على الله هو في حقيقته تواكل، مكتفين بدعاء ينافقون به أنفسهم أكثر ممّا أنّهم يرتجون الإجابة، ويركنون إلى وجوب طاعة أولياء الأمر ليبرروا السكوت والخنوع والخذلان والتواطؤ والخيانة!

قطرة دم طفل غزّاوي واحد أهم من جميع أهلّتكم منذ بدء الخليقة!

فقط لو تغضبون لغزّة وأهلها وتتفصّدون حميّة من أجلها معشار حميّتكم لهلال العيد!

 

كان الناس قد تنادَوا العام الماضي للتخفّف من مظاهر العيد تضامناً مع الأهل في غزّة وعموم فلسطين، واقتصار ضيافة العيد على القهوة السادة والتمر. يا ترى هل ما يزال هذا التضامن قائماً وسارياً هذا العيد أم أنّ "الترند" قد بهت وانتهى؟!

المؤسف أنّني لا أجرؤ على طرح هذا السؤال حتى على أقرب المقرّبين منّي لكي لا أكتشف أنّني "ما بمون" وتلافياً لـ "تسقيع وجهي"!

أهل غزّة لا يحتاجون مثل هذه اللفتات، وآخر همّهم مثل هذه اللفتات في غمرة كلّ هذا الخذلان والتنصّل والتآمر الذي يتعرّضون له. نحن الذين بحاجة لمثل هذه اللفتات من باب تذكير أنفسنا، وللتشبّث ببقايا إنسانيّتنا، وعلى أمل زرع بذرة ما أو عِبرة ما في نفوس أطفالنا قد تُزهر في المستقبل بطرق لا نتصوّرها حين نقول لهم: لا شوكولا في العيد ولا معمول في العيد تضامناً مع إخوانكم أطفال غزّة!

 

أتى العيد على البعض في الوطن العربي وقد أصبحوا وزراء بعد أن كانوا مطاريد!

مبارك!

في ضوء "الأخلاق البروتستانتيّة" على طريقة "ماكس فيبر" التي يتميّز بها نمط تديّن هؤلاء الإسلاميّين، أعلم أنّهم سيعتبرون مناصبهم الجديدة مؤشراً على رضا الله تعالى وتوفيقه (وليس ابتلاءً أو مدّاً لهم مثلاً)، وضرباً من تعجيل الثواب لهم في الدنيا إضافة إلى ما يدّخره الله لهم من نعيم في الآخرة!

من هنا إلى أن يلقى أصحاب المعالي الجدد ربّهم، سؤال لخبراء أنظمة الموارد البشريّة والضمان الاجتماعي في الوطن العربيّ:

عندما يُعيَّن وزير جديد في حكومة "ثوريّة" عربيّة (وضع ثوريّة بين مائة قوس)، ولغايات احتساب سنوات الخبرة من أجل العلاوات، وسنين الخدمة من أجل التقاعد.. هل تُحتسَب المدّة التي قضاها واحدهم وهو يعمل كـ "مُرتزَق" متفرّغ بدوام كامل؟!

وهل يحتاج إلى شهادات خبرة مصدّقة حسب الأصول لهذه الغاية؟!

ومن أين يمكن استصدار مثل هذه الشهادات وتصديقها: الجهة التي خطّطتْ ونظّمتْ وأشرفتْ.. الجهة التي جنّدتْ.. الجهة التي موّلت.. الجهة التي سلّحت.. الجهة التي درّبتْ.. الجهة التي مرّرتْ.. الجهة التي سهّلتْ.. الجهة التي آوتْ.. أم جميع هذه الجهات؟!

 

في غمرة التركيز على ما يحدث في غزّة والضفّة وجبهات الإسناد، إنْ مع وإنْ ضد، مرّ خبر الشهداء من أبناء قرية "كويا" جنوب سوريّة مروراً سريعاً، ولم ينل هؤلاء الأبطال حقّهم من الحفاوة والتقدير حين هبّوا للتصدّي لمحاولة العدو الصهيونيّ التوغّل في قريتهم!

ألا يستحقّ هؤلاء الشهداء الأبطال ـ كأضعف الإيمان ـ أن يكونوا موضوعاً لدعاء نبتهل به إلى الله تعالى؟

ـ اللهم طهّر بوصلتنا من الزيغ والانحراف كطهارة بوصلة شهداء "كويا"!

 

يا ترى هل كان حجاب المرأة وعفافها هو الموضوع الأثير لجميع خطباء العيد في العالم العربيّ والإسلاميّ المُحتفِل بفطره؟ أم كانت هناك تنويعات؟

هل تطرّق الخطباء للمرأة الفلسطينيّة التي يباغتها القصف الصهيو - أمريكيّ قبل أن تتمكن من ستر عورتها كما ينبغي؟ أو التي تُكشف عورتها وتتبعثر للأسف حين تمزّقها القذيفة إلى أشلاء؟

وماذا عن المرأة الفلسطينيّة التي لا تستطيع أن تخلع حجابها لساعة من ليل أو نهار لأنّها محشورة وسط أكداس النازحين في الخيام؟ هل من رخصة ما هنا على غرار الرُخَص "المبحبحة" التي اعتاد هؤلاء العلماء والفقهاء قطعها لولاة الأمر وأصحاب القرار؟!

وماذا عن عفاف الرجال؟ أليس التخاذل عن نصرة إخوتنا الذين يُستباحون ويُبادون هو قمة العُري والسفور وكشف العورة وهتك الحياء والعِرض؟!

من حكمة الله تعالى ورحمته أنّ خطبة العيد هي بعد الصلاة وليس قبلها. أظنّ أنّ الأمر ضربٌ من "العيديّة"؛ فإذا كان المصلّون مضطرون لتحمّل خطباء وزارات الأوقاف/ الداخليّة طوال السنة، فقد منحهم الله فرصة في العيد ليفرّوا بأنفسهم بعد الصلاة مباشرة دون الاضطرار لسماع الخطيب!

قد يجادل البعض أنّ الأجر هكذا لا يكتمل. حسناً، نصف أجر خير من الاستماع لأمثال هؤلاء!

 

قبل أيام تداول الناس عبر "السوشال ميديا" وصية لطفل غزّاوي شهيد كتبها بخطّ يده:

((أنا عمر الجماصي، عليّا دين "واحد شيكل" من ولد اسمه عبد الكريم النيرب... عبد الكريم ساكن بشارع أبو نافذ... وأنا يا أحبابي أحبكم، وأتمنى أن لا تتركوا الصلاة.. وأن تحافظوا على قراءة القرآن والاستغفار)).

لولا أنّ كلمة الله عزّ وجلّ قد سبقت بأنّ الرسالات قد خُتمتْ، والوحي قد انقطع، لما اندهشتُ لو أنّ سيدنا "جبريل" قد تنزّل من الملأ الأعلى، ووقف بين السماء والأرض، وهتف بالثَقَلَيْن مُبلِّغَاً: ((ألا لا يقضيّن أحدكم دَيْن عمر الجماصي.. ألا إنّه دَيْنٌ الله وليّهُ ووليُّ صاحبه في الدنيا والآخرة))!

قد نكون أُمْة "الترليونات" التي تُنثر جُزافاً، لكنّنا عند الله لا نساوي شيكل عمر الجماصي!

 

كلّ عام وغزّة ومخيمات الضفة وجبهات إسنادهما بخير... فقط!

أمّا نحن البقيّة، فمجرد أنّنا ما نزال على قيد الحياة، ومجرد أنّ الأرض لم تُخسَف بنا بعد، والسماء لم تهوِ علينا لتخاذلنا وتقاعسنا عن نصرة إخواننا.. فهذه أكبر منيّة ورحمة وفضل من الله تعالى!

 

قصة قصيرة:

ناح "عزرائيل" حتى أوشكت دموعه أن تفيض وتُغرق أهل الأرض؛ الطفلة الغزّاوية ذات العامين والضفيرتين والسنّين اللبنيّين التي قبض روحها توّاً كانت تمدّ يدها مبتسمةً لتعطيه حلوى العيد!


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق