نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ما الذي تعنيه نتائج الانتخابات لمستقبل الاقتصاد الألماني؟ - عرب فايف, اليوم الأربعاء 26 فبراير 2025 11:37 صباحاً
تشهد ألمانيا مرحلة جديدة في تاريخها السياسي والاقتصادي، بعدما أفرزت الانتخابات الأخيرة نتائج مفصلية، مع صعود كتلة المحافظين بقيادة فريدريش ميرتس، في مقابل تراجع ملحوظ للأحزاب التقليدية، مما يضع البلاد أمام مشهد سياسي معقد وتحديات اقتصادية متزايدة.
تأتي هذه التطورات في وقت يعاني فيه الاقتصاد الألماني من مخاطر ركود ممتدة، مدفوعة بارتفاع تكاليف الطاقة، وتباطؤ الطلب العالمي، وتشديد القيود المالية.
وفي ظل هذا المشهد، تتجه الأنظار إلى شكل التحالفات المقبلة، حيث يُتوقع أن تلعب مفاوضات تشكيل الحكومة دوراً حاسماً في تحديد مسار السياسة الاقتصادية. فالتباين بين الأحزاب فيما يتعلق بالضرائب والإنفاق الدفاعي، وسياسات المناخ، يثير تساؤلات حول قدرة الحكومة المرتقبة على تحفيز النمو، أو ما إذا كانت الخلافات الداخلية ستعمّق حالة الجمود الاقتصادي.
في هذا السياق، نقلت "رويترز" عن عدد من كبار الخبراء الاقتصاديين قراءات متباينة حول التأثير المحتمل لنتائج الانتخابات على الاقتصاد الألماني. وبينما يرى البعض أن التحالفات التقليدية قد توفر الاستقرار، يحذر آخرون من أن التعقيدات السياسية قد تعرقل الإصلاحات الضرورية.
- كبير الاقتصاديين في بيرينبيرج، هولغر شميدنغ، يحذر من أن صعود المحافظين قد يعيق تعديل الدستور، مما يصعب تخفيف قيود الدين. ويرى أن الفشل في زيادة الإنفاق العسكري قد يعرّض ألمانيا لخطر حرب تجارية مع الولايات المتحدة.
- كبير الاقتصاديين في كومرتس بنك، يورغ كريمر، يتوقع أن يركز الائتلاف الجديد على الاستثمار في البنية التحتية، مما يفيد الشركات. لكنه يحذر من أن الخلافات السياسية بين الأحزاب قد تعرقل أي انتعاش اقتصادي حقيقي.
- الخبيرة الاقتصادية الأولى في الشؤون الأوروبية في كابيتال إيكونوميكس، فرانزيسكا بالماس، تتوقع أن تسعى الحكومة المقبلة لخفض الضرائب وزيادة الإنفاق الدفاعي، مع تقليص المزايا الاجتماعية. لكنها ترى أن إصلاح نظام كبح الديون بات أقل احتمالًا بسبب الانقسامات السياسية.
- رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في ING كارستن برزيسكي، يعتقد بأن تشكيل ائتلاف ثلاثي قد يؤدي إلى سياسات اقتصادية ضعيفة، مع التركيز على الإعفاءات الضريبية وتشديد قوانين الهجرة. ويحذر من أن الانقسامات بين الأحزاب قد تؤدي إلى مزيد من الجمود الاقتصادي.
- كبير الاقتصاديين في بنك هامبورغ التجاري، سايروس دي لا روبيا، يشير إلى أن التحالف بين الحزب الديمقراطي المسيحي والاشتراكي الديمقراطي قد يحسن التنافسية عبر خفض الضرائب وزيادة الاستثمار في البنية التحتية. لكنه يحذر من أن الانقسامات حول توزيع الموارد قد تعرقل هذا التعاون.
تحديات اقتصادية
من برلين، يقول الكاتب والمحلل المتخصص في الشؤون الأوروبية، عبد الرحمن عمار، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه منذ بداية الحرب في أوكرانيا، يمر الاقتصاد الألماني بسنوات صعبة، حيث شهد تراجعاً في النمو الاقتصادي متأثراً بارتفاع تكاليف الطاقة. لذا، فإن ألمانيا بحاجة إلى حكومة قوية ومستقرة، لكن تحقيق ذلك لن يكون سهلًا، خاصة بعد فقدانها الكثير (طيلة فترة الحرب).
ويشار إلى أن أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الألماني هو إيجاد بدائل للطاقة، إضافة إلى تجاوز الخلافات المتعلقة بالانتقال الطاقي واستعمال الطاقة المتجددة، وهو أمر يعارضه فريدريش ميرتس، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي، على خلاف حزب الخضر والاشتراكيين.
ويضيف: فريدريش ميرتس يسعى إلى خفض الإعانات المقدمة للعاطلين عن العمل، إلا أن الاشتراكيين، في حال دخولهم في تحالف حكومي معه، لن يقبلوا بذلك، نظراً لأن هذا الملف كان جزءاً أساسيًا من مشروعهم الاجتماعي منذ عام 2021، حيث كانت وعودهم الانتخابية دائمًا في اتجاه دعم ما يسمونه بـ'المحتاجين' في المجتمع.
ويستطرد عمار: ستواجه ألمانيا تحديات أخرى، مثل التعامل مع تهديدات إدارة ترامب بفرض رسوم جمركية على الاقتصاد الألماني، إلى جانب المنافسة المستمرة مع الصين، التي تنتج سيارات تنافس السيارات الألمانية بتكلفة أقل.
شبح الركود
وفي غياب أي إجراءات حاسمة، تخاطر ألمانيا بالركود. ولكن من خلال الإصلاحات الصحيحة، تستطيع البلاد إصلاح محركها الاقتصادي المتعثر وتحريكه، وفق مسؤول الأجندة الإقليمية لأوروبا في المنتدى الاقتصادي العالمي، أليكس روث، في تحليل له عبر "يورونيوز"، قال فيه:
- لقد اعتمدت القوة الاقتصادية الألمانية منذ فترة طويلة على قاعدة صناعية هائلة، وقوى عاملة ذات مهارات عالية، ومؤسسات محلية قوية.
- لكن على مدى عقود من الزمن، كان ازدهارها مدعوما أيضا بثلاثية هشة: الطاقة الروسية الرخيصة، والمظلة الأمنية التي توفرها الولايات المتحدة، وسوق التصدير المزدهرة في الصين.
- والآن أدت التحولات العالمية إلى تفكيك هذه الدعامات الخارجية، وكشفت عن نقاط ضعف بنيوية عميقة. وتهدد قوة العمل المتقدمة في السن، ونقص الاستثمار المزمن، والجمود التنظيمي بترسيخ الركود.
وبعد أن انتهت الانتخابات، أصبحت الحاجة إلى الإصلاح أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. فبعد عامين من النمو السلبي، يتعين على ألمانيا أن تعمل على تنشيط اقتصادها.
ويعتقد بأن الحكومة الجديدة لديها فرصة حاسمة لإعادة ضبط المسار الاقتصادي لألمانيا من خلال إصلاحات جريئة ومستهدفة. وفي الوقت نفسه، يتعين على ألمانيا أن تواصل الاستفادة من نقاط قوتها للحفاظ على قدرتها التنافسية في الاقتصاد العالمي الجديد.
مكابح الديون
فيما يخص السياسة المالية، يقول إن إعادة ضبط الاقتصاد لابد وأن تبدأ بالسياسة المالية. فقد أدى نظام كابح الديون الدستوري في ألمانيا، والذي يحدد سقف العجز الفيدرالي عند 0.35 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، إلى تقييد الاستثمار العام بشكل كبير.
ويعتقد بأن "الحكمة المالية" جديرة بالثناء، لكن تطبيقها الصارم أدى إلى حرمان البنية الأساسية والرقمنة والتحديث الصناعي من الأموال التي تشتد الحاجة إليها.
وتشير دراسة أجريت العام الماضي إلى أن ألمانيا يجب أن تستثمر ما لا يقل عن 600 مليار يورو على مدى العقد المقبل لتحديث البنية التحتية، وتحسين التعليم، وتعزيز إزالة الكربون - باستثناء الموارد الإضافية المطلوبة لزيادة الإنفاق الدفاعي.
ويدعم 55 بالمئة من الألمان الآن إصلاحات نظام كبح الديون، بما في ذلك 55 بالمئة من ناخبي الحزب الديمقراطي المسيحي و41 بالمئة من أنصار الحزب الديمقراطي الحر.
ويرى جان فون جيريش، وهو كبير استراتيجيي السوق في NORDEA، أن تشكيل حكومة أغلبية بقيادة الديمقراطي المسيحي والاشتراكي الديمقراطي أمر إيجابي للاقتصاد. لكنه يؤكد أن الغموض حول تغيير نظام كبح الديون يظل قضية معلقة، بحسب تقرير "رويترز".
أما رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة بيكتيت لإدارة الثروات، فريدريك دوكروزيه، فيعتبر أن التحالفات المعتدلة ما زالت ممكنة، وهو أمر إيجابي للسوق. ويستبعد السيناريو الأسوأ المتمثل في حصول حزب البديل من أجل ألمانيا على أغلبية معطلة، رغم استمرار حالة عدم اليقين بشأن الأحزاب الصغيرة.
وفيما لا تزال ألمانيا تحتفظ بنقاط قوة استثنائية، من بينها قاعدتها الصناعية الرائدة عالمياً في التميز الهندسي، وهي ميزة حيوية في عصر التكنولوجيات الخضراء والرقمية، يتعين على صناع السياسات تبسيط البيروقراطية، وإعادة النظر في القيود المالية العتيقة، والاستثمار في المستقبل. وفي غياب إجراءات حاسمة، تخاطر ألمانيا بالركود. ولكن من خلال الإصلاحات الصحيحة، تستطيع البلاد إصلاح محركها الاقتصادي المتعثر وتحريكه، بحسب روث.
نظرة متشائمة
رئيس المنظمة الألمانية الروسية للتنمية، عبد المسيح الشامي، يعبر عن تشاؤمه بشأن مستقبل ألمانيا السياسي والاقتصادي في ظل وصول المحافظين إلى السلطة؛ فهو يرى أن التحديات التي تواجه البلاد غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، خاصة في ظل تدهور العلاقات مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، مما يضع ألمانيا في موقف صعب على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
فيما يخص البعد الاقتصادي، يشير الشامي إلى أن المستشار المرتقب، فريدريش ميرتس، قد يتبنى سياسات متشددة، خاصة فيما يتعلق بالضرائب والتجارة، وحتى التحالفات السياسية، إضافة إلى موقفه من الحرب في أوكرانيا. لكنه يؤكد أن مفتاح الاقتصاد الألماني لا يزال في موسكو، حيث لعبت روسيا دوراً محورياً في تأمين الطاقة والموارد الأولية بأسعار منخفضة، مما سمح لألمانيا بإعادة بيعها وتحقيق أرباح ضخمة قبل الحرب.
ويرى أن استعادة العلاقات الاقتصادية مع روسيا أمر ضروري لإنعاش الاقتصاد الألماني، خاصة أنه لم يتم تعويض الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الانفصال عن موسكو. لكنه في الوقت نفسه يعتبر أن ميرتس يبدو متشدداً تجاه روسيا، مما قد يزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية.
ويشكك الشامي في قدرة ميرتس على إدارة هذه المرحلة الحرجة، مشيراً إلى افتقاره للخبرة في المناصب التنفيذية مقارنة بالمستشار السابق أولاف شولتز، الذي تعامل مع الأزمات السابقة بحنكة رغم التحديات. ويخلص إلى أن المستقبل الاقتصادي والسياسي لألمانيا، وهي صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، يظل غير واضح، ومن غير المتوقع أن يحقق ميرتس نتائج أفضل من سلفه في ظل الظروف الراهنة.
0 تعليق