منذ خمسين عامًا، كانت أليس موريسون، المستكشفة البريطانية، فتاة صغيرة تحمل في يدها كتاب “رمال عربية” لويلفريد ثيسجر، تتخيل نفسها تجوب صحراء الربع الخالي وسط الكثبان الرملية الشاسعة. اليوم، تحقق حلمها وتسير عبر المملكة العربية السعودية في رحلة استكشافية غير مسبوقة، تهدف لأن تكون أول من يعبر المملكة من الشمال إلى الجنوب سيرًا على الأقدام.
رحلة العمر: 578 ميلًا حتى المدينة.. والبقية تأتي
انطلقت موريسون من حالة عمار على الحدود الأردنية، قاطعة 578 ميلًا حتى وصلت إلى المدينة المنورة، في المرحلة الأولى من رحلتها، والتي ستستأنفها لاحقًا لمسافة 932 ميلًا حتى تصل إلى الحدود اليمنية. مغامرة لم تكن ممكنة قبل سنوات، لكنها أصبحت اليوم واقعًا مع انفتاح السعودية على السياحة العالمية، وفتح أبوابها للمستكشفين الباحثين عن التجربة الحقيقية للصحراء العربية.
رفاق الدرب.. بين الكرم البدوي والتكنولوجيا الحديثة
لم تكن أليس تسير بمفردها، فقد رافقتها الجمال ورفاق الدرب، إلى جانب فريق دعم من شركة “ملاح الدروب” المتخصصة في المغامرات، والتي وجدتهم عبر الإنترنت. رغم امتلاكها لخريطة وجوجل مابس، إلا أن روح المغامرة الحقيقية كانت في الاستكشاف الفعلي للصحراء، والاستمتاع بكرم الضيافة السعودي الذي بدأ من الليلة الأولى عندما دعاها المزارع أبو سقر للمبيت في مزرعته وذبح لها خروفًا تكريمًا لرحلتها.
الصحراء تتغير.. حمم بركانية في الشمال وجنة مخضرة في الجنوب
خلال رحلتها، عبرت موريسون الحقول البركانية السوداء في حرة العويرض، حيث تبدو الأرض وكأنها من كوكب آخر بسبب الصخور البركانية الحادة التي تجعل المشي فيها شبه مستحيل. ثم تغيرت المشاهد كليًا عندما دخلت وادي الديسة، حيث تحولت الرمال الجافة إلى واحة ساحرة مليئة بالمياه والنخيل والحياة البرية، وسط إشراف نساء سعوديات يعملن كحارسات للطبيعة، مهمتهن الحفاظ على الحياة البرية وتنظيم دخول الزوار.
العلا.. كنز التاريخ والجغرافيا
بعد عشرة أيام من المشي المتواصل، وصلت أليس إلى العلا، قلب طريق التجارة القديم حيث كانت القوافل تحمل البخور والتوابل إلى شمال الجزيرة العربية وأوروبا. هناك، زارت مواقع أثرية تعود إلى مملكة دادان قبل أكثر من 2000 عام، حيث نقوش الأسود المنحوتة على المقابر، واستمعت إلى قصص التاريخ التي لا تزال محفورة على الصخور.
جمال الصحراء.. وخفايا سكة حديد الحجاز
تابعت موريسون طريقها على خطى سكة حديد الحجاز، حيث كانت تبحث عن بقايا القطارات والمواقع العثمانية القديمة التي كانت تستخدم لنقل الحجاج إلى المدينة المنورة. في تلك المساحات الشاسعة، حيث يلتقي الذهب الأحمر لجبال العلا مع رمال الصحراء الناعمة، عاشت تجربة فريدة لا تتكرر.
وصولًا إلى المدينة المنورة.. ختام المرحلة الأولى بروحانية خاصة
بعد أسابيع من الترحال، وصلت أليس إلى المدينة المنورة، تزامنًا مع خروج المصلين إلى المسجد النبوي لصلاة الجمعة. لحظة مؤثرة لفريقها المرافق من السعوديين الذين أدوا الصلاة تعبيرًا عن امتنانهم على سلامة الرحلة.
التحدي القادم.. جبال الجنوب في انتظارها
بعد انتهاء المرحلة الأولى، تستعد موريسون للجزء الثاني من رحلتها في أكتوبر القادم، حيث ستعبر المناطق الجبلية في الجنوب، حيث يزين الرجال رؤوسهم بالزهور في مرتفعات عسير وجازان. مغامرة مختلفة كليًا عن صحاري الشمال القاحلة، لكنها تعد بأن تكون تجربة استكشافية مليئة بالمفاجآت.
رسالة من قلب الصحراء: التغيير قادم
رغم الانتقادات التي واجهتها من البعض، إلا أن موريسون خرجت بانطباع مختلف تمامًا بعد لقاءاتها مع السعوديين، خاصة الشباب والنساء اللاتي يعملن في مجالات جديدة مثل حماية البيئة والسياحة.
وتختتم حديثها قائلة:
“الضيافة العربية والتشجيع الذي تلقيته كان مذهلًا، وكلماتهم ستظل عالقة في ذهني: ‘الله يقويك، الله يوفقك، الله يبلغك هدفك إن شاء الله’.”
رحلة لم تكن مجرد مغامرة، بل بوابة لاكتشاف السعودية كما لم يرها أحد من قبل.
0 تعليق