تشهد منصات التواصل الاجتماعي زخماً كبيراً من المعلومات الطبية، ما يخلق حالة من الارتباك والفوضى لدى أولئك الذين يجدون صعوبة في التمييز بين الصحيح والمغلوط.
وأكد أطباء لـ«الإمارات اليوم» أن التداخل بين الحقائق والشائعات يؤدي إلى نشر مفاهيم غير دقيقة، ومعلومات مضللة تشكل تهديداً حقيقياً لصحة المجتمع عند اتباعها من دون الرجوع إلى المصادر الطبية الموثوقة.
وقالوا إن الشائعات تسبب الذعر والقلق في المجتمع، إذ يربط كثيرون بين أي مشكلة صحية قد يواجهونها وبين إجراء طبي أو علاج تلقوه.
وأضافوا أن هناك أشخاصاً تأثروا سلباً نتيجة فوضى المعلومات، مثل شخص مصاب بسرطان الدم تعرض لمضاعفات صحية بعد استخدام العسل، بناءً على شائعة، ما أسفر عن وفاته.
واقترحوا تفعيل واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للكشف عن المعلومات المضللة وإزالتها من الشبكات الاجتماعية مباشرة.
وقالت وزارة الصحة ووقاية المجتمع لـ«الإمارات اليوم» إن نشر المعلومات الصحية يخضع لقوانين وتشريعات تضمن أن تكون المعلومات صادرة عن جهات معتمدة. وأفادت بأنها تتعاون بشكل فعال مع الجهات الرقابية الرقمية في الدولة لمراقبة وضبط المحتوى الطبي غير الدقيق على الإنترنت، وفي حال رصد محتوى مخالف، يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحجب المواقع الإلكترونية أو الحسابات المخالفة ومنع الوصول إلى المحتوى المضلل.
وتفصيلاً، قال استشاري طب المجتمع والصحة العامة، الدكتور سيف درويش، إن المعلومات الطبية المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي أصبحت تشبه «السوق المفتوح»، فيتحدث الجميع سواء كانوا مختصين أو غير مختصين، كما يتم تداول معلومات حول الأدوية والأمراض والفيروسات والتطعيمات، وهو ما يخلق حالة من الحيرة والارتباك، حيث يقوم البعض بتشخيص أنفسهم بأمراض غير موجودة ويتناولون أدوية وعلاجات دون استشارة الطبيب، ما يشكل تهديداً حقيقياً لصحتهم وحياتهم.
وأشار إلى أن الفترة الأخيرة شهدت انتشاراً واسعاً للمعلومات الطبية المغلوطة، منها دراسة أُجريت على 23 شخصاً فقط، تحدثت عن علاقة التوحد ببعض الأدوية. وتبين لاحقاً أن الدراسة كانت خاطئة، وتم نقضها علمياً، وقد اعتذر القائمون عليها عن النتائج التي تم الترويج لها.
وأكد ضرورة زيادة وعي المجتمع بأهمية تلقي المعلومات الصحية من مصادر رسمية وموثوقة، وعدم الانجراف وراء الشائعات والمعلومات الطبية الخاطئة التي تضر بالصحة العامة.
واعتبر أن الكارثة الحقيقية في فوضى المعلومات الطبية تكمن في «تعميم التجارب الشخصية»، حيث يشارك بعض الأفراد تجاربهم الشخصية في التعامل مع الأمراض، معتقدين أنها الحل الأمثل، ما يشكل خطراً كبيراً عندما يحاول الآخرون الذين يعانون المرض نفسه تطبيق تجربتهم على أنفسهم دون استشارة طبية، مشدداً على أن التعامل مع المرض يختلف من شخص إلى آخر بناءً على الحالة الصحية والعوامل الفردية، كما أن الطب الحديث يعتمد على «الطب الشخصي» الذي يركز على علاج كل مريض وفقاً لظروفه الخاصة، ولا يمكن تعميم أي تجربة علاجية إلا إذا كانت مدعومة بأبحاث علمية موثوقة تثبت فاعليتها لجميع المرضى.
وبين أن هناك العديد من الحالات التي تأثرت صحياً بسبب فوضى المعلومات الطبية الخاطئة، ومن أبرز هذه الحالات شخص كان مصاباً بسرطان الدم تناول العسل بناءً على إحدى الشائعات التي انتشرت عن قدرته على شفاء المرض، ونتج عن ذلك حدوث مضاعفات صحية خطيرة أدت إلى وفاته، لأن كريات الدم البيضاء كانت في حالة ضعف، موضحاً أن العسل يحتوي على خصائص مفيدة، لكن لا يمكن اعتباره علاجاً شافياً للأمراض من دون إشراف طبي، مشدداً على ضرورة توخي الحذر عند اتباع مثل هذه المعلومات غير المدعومة علمياً.
مخاطر جسيمة
وأكد استشاري طب الأسرة، الدكتور عادل سعيد سجواني، أهمية دور منصات التواصل الاجتماعي في تعزيز الوعي الصحي لدى الجمهور حول الأمراض الشائعة وسبل الوقاية منها، موضحاً أن المعلومات الطبية غالباً ما تكون معقدة وتتطلب تبسيطاً وتوضيحاً دقيقاً من قبل الأطباء المختصين، لأن طبيعة المعرفة الطبية تتسم بالعمق والتفصيل.
وقال إن تقديم المعلومات الطبية عبر تلك الوسائل من غير المتخصصين يعد خطراً جسيماً يؤدي إلى نشر مفاهيم خاطئة تهدد صحة المجتمع، لافتاً إلى أن العديد من الأشخاص ينجذبون إلى المعلومات السطحية والوعود الزائفة التي يقدمها غير الأطباء، مثل ادعاء وجود علاج نهائي للسكري عبر اشتراكات شهرية أو خلطات سحرية، في حين أن المعلومات الصحيحة التي يقدمها الأطباء حول مرض السكري مثل كونه مرضاً مزمناً يتطلب متابعة دائمة للعلاج والنظام الغذائي، قد لا تحظى بالتفاعل.
وحذر من أن هذا النوع من المعلومات المضللة يخلق حالة من الفوضى، ما يستدعي تفعيل دور الأطباء المختصين في التوعية الصحية عبر منصات التواصل الاجتماعي بطريقة علمية ومبسطة من أجل الحفاظ على صحة المجتمع وضمان تقديم المعلومات الصحيحة، مؤكداً ضرورة الاعتماد على الأطباء المرخصين والممارسين لمهنتهم الطبية بشكل إكلينيكي، وليس أولئك الذين يقتصر دورهم على المهام الإدارية أو الذين يقدمون نصائح طبية بناءً على تجارب شخصية أو معلومات غير موثوقة.
الذكاء الاصطناعي
وبينت الطبيب العام، الدكتورة حنان الحنا، أن من أبرز المعلومات الخاطئة التي انتشرت في الآونة الأخيرة الادعاءات حول علاج أمراض، مثل السرطان أو السكري، بالأعشاب، دون وجود أدلة علمية كافية، وهناك معلومات مغلوطة حول علاج الفيروسات باستخدام أدوية أو مكملات غذائية غير معتمدة علمياً، إضافة إلى تداول نصائح غذائية تدعي علاج الأمراض أو المساعدة في فقدان الوزن بشكل غير علمي، ما يؤثر في صحة المرضى سلباً.
وحددت ثلاثة إجراءات أو خطوات للتحقق من صحة المعلومات الطبية هي البحث عن مصادر موثوقة مثل المواقع الإلكترونية الخاصة بالمستشفيات أو الهيئات الصحية العالمية، واستشارة الأطباء أو المختصين في المجال الطبي قبل تطبيق أي معلومة جديدة، والتأكد من أن المعلومة تستند إلى دراسات أو أبحاث علمية معترف بها.
واقترحت تفعيل واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والبرمجيات الحديثة للكشف عن المعلومات المضللة وإزالتها من الشبكات الاجتماعية لمكافحة انتشار المعلومات المضللة، والحد من فوضاها، ما يسهم في الحد من تأثيرها على المجتمع ويعزز جودة المحتوى المتاح للجمهور.
ضوابط وقوانين
وأفادت وزارة الصحة ووقاية المجتمع بأنها - بحكم اختصاصها التشريعي والرقابي - تتابع وترصد الإعلانات الصحية والمحتوى الطبي المنشور على المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، لضمان أن تكون دقيقة وموثوقة ولا تشكل خطراً على صحة وسلامة الأفراد، مشيرة إلى وضع التشريعات واللوائح المنظمة للإعلانات الصحية، والتأكد من التزام جميع المنشآت الصحية والممارسين الصحيين بها.
وأضافت في تصريحات خاصة لـ«الإمارات اليوم» أن عملية نشر المعلومات الصحية في الدولة تخضع لمجموعة من القوانين والتشريعات التي تهدف إلى ضمان دقة وموثوقية المحتوى الصحي المعروض على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، من بين هذه القوانين قرار مجلس الوزراء رقم (07) بشأن نظام الإعلانات الصحية الذي يشترط حصول أي إعلان صحي على ترخيص مسبق قبل نشره، كما تشترط القوانين أن تكون المعلومات الصحية المعروضة صادرة عن جهات صحية معتمدة ومبنية على أدلة علمية موثوقة، وتمنع تقديم أي ادعاءات طبية غير مثبتة علمياً أو ترويج علاجات غير مرخصة، ويهدف هذا النظام إلى مراقبة إعلانات المنتجات الطبية للتأكد من أن الإعلان لا يضلل أو يرغب في استخدام غير ضروري للمنتج الطبي وأن المنتجات الطبية المراد الإعلان عنها أو المروجة للبيع لا تؤثر على الصحة العامة.
وذكرت أن دولة الإمارات كانت سباقة على مستوى المنطقة في إصدار قرار اتحادي بشأن الإعلانات الصحية منذ عام 2007، لافتة إلى أنها أبرمت أخيراً مذكرة تفاهم مع مجلس الإمارات للإعلام، بهدف تعزيز التعاون في مجال رقابة الإعلانات الصحية لضمان توافقها مع المعايير الصحية المعتمدة، بما يعزز مصداقية المحتوى الإعلامي ويسهم في توجيه رسائل توعية للمجتمع تعزز جودة حياته.
وأكدت الوزارة التعاون مع الجهات الرقابية الرقمية في الدولة، مثل هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية في ضبط المحتوى الطبي غير الدقيق على الإنترنت من خلال آليات متكاملة لمراقبته وتحليله.
وتابعت: «في حال رصدت الوزارة أي محتوى مخالف أو معلومات طبية مضللة، يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحجب المواقع الإلكترونية أو الحسابات المخالفة التي تنشر هذه المعلومات غير الدقيقة، ويشمل ذلك تطبيق إجراءات تقنية لإيقاف الوصول إلى المحتوى المضلل في نطاق الدولة، كما تعمل الوزارة على تنظيم دورات تدريبية لفرقها لتمكينهم من استخدام أدوات وتقنيات متقدمة تساعد في التعرف السريع على المحتوى الطبي المضلل».
قنوات التحقق والإبلاغ
دعت الوزارة الجمهور للتواصل معها عبر قنواتها الرسمية الرقمية لتقديم استفساراتهم حول موثوقية المعلومات الطبية المنشورة على الإنترنت، إضافة إلى تقديم البلاغات حول الحسابات التي تقدم معلومات خاطئة للتحقق منها واتخاذ الخطوات القانونية المناسبة، بما في ذلك إبلاغ الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المخالفين.
«الصحة» لـ «الإمارات اليوم»:
. تعاون فعّال مع الجهات الرقابية في الدولة لمكافحة المحتوى الطبي المضلل.
. معلومة طبية مغلوطة عن «العسل» تتسبب في وفاة مريض بسرطان الدم.
0 تعليق