قناة عبرية: "جيشنا" ينهار ومجتمعنا منهك.. وفي النهاية نحن سنهاجر وليس الغزيون #عاجل - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

مثلما هي الحال دائماً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، من الصعب معرفة مَن يخدم ماذا. هل عودة الفوضى الداخلية إلى الذروة، وإقالة رئيس الشاباك والمستشارة القانونية للحكومة، وتغيير لجنة اختيار القضاة، أمور كلها تخدم الهدف الحقيقي، أي احتلال غزة وبداية الحكم العسكري و"تشجيع الهجرة الطوعية"، بدعم من دونالد ترامب (حتى إشعار آخر)؟ أم عكس ذلك، يعلم نتنياهو، أو يفترض أن أحداً ما سيوقفه، وهو على طريق "النصر المطلق"، ويستخدم ذلك من أجل إدامة حُكمه والاستجابة الكاملة لمطالب بن غفير [زعيم قوة يهودية] وغولدكنوف [وزير الإسكان، من حزب يهودت هتوراه]، وليفين، بشأن كل ما له علاقة بتدمير سلطة القانون وجيش الشعب؟

وفي أيّ حال، تتدحرج الأمور، مع فارق واحد بين مستويَين: على الجبهة الداخلية، هناك معارضة شعبية لخطوات الحكومة لدرجة تحوّل فيها رئيس جهاز الاستخبارات السرية إلى المعقل الأخير للديمقراطية. بينما لا يوجد معارضون فعليون لاحتلال غزة وفرض حُكم إسرائيلي على القطاع كأمر واقع. هناك همس بشأن المصير القاتم للمخطوفين الذين سيحكم عليهم استمرار الحرب باستمرار العذاب القاسي، وربما سيؤدي إلى موت الذين ما زالوا في قيد الحياة، بالإضافة إلى المعاناة الرهيبة لعائلاتهم. ولا يوجد في الحقيقة نقاش للخطط العسكرية، وما المقصود باللغة الأورويلية [نسبةً إلى الروائي البريطاني جورج أورويل مؤلف الرواية الشهيرة "1984"] التي تُستخدم في الاستديوهات التلفزيونية لدى الحديث عن أن "مضاعفة الضغط العسكري سيأتي بـ"حماس" إلى المفاوضات"، أو عن "خطة هجومية متزامنة ومبتكرة"، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك في مكانة إسرائيل واقتصادها وجيشها.

إن احتلال إسرائيل لقطاع غزة قد يقدم جرعة من الأدرينالين مدة ربع ساعة لدونالد ترامب حتى يأتي السعوديون والقطريون ويقولون له شيئاً مختلفاً. في العالم الذي تربطنا به علاقات ثقافية وتجارية، ستصبح "إسرائيل" منبوذة بين دول العالم. وسيكون لذلك تداعيات مباشرة على اقتصادها وثقافتها، الأمر الذي يشجع الهجرة الطوعية، ليس من غزة، بل من داخل إسرائيل.

 

الجيش الإسرائيلي مُنهك، وكذلك وعي المجتمع الإسرائيلي

فيما يتعلق بالجيش، في الوقت الذي يقرّ رئيس الأركان الجديد خططه، الجيش الإسرائيلي يتفكك. لقد انخفضت نسبة التطوع بين الاحتياطيين إلى 50%، وتستمر مغادرة الطبقات الوسطى. والتأثير الكبير لذلك في الحوافز، وفي رتب الضباط، أو في الجيش النظامي، سيبرز في السنوات المقبلة. وتنوي المنظومة مواجهة هذا كله من خلال طريقتين: المال وغضّ النظر، وهذا لن ينفع.

لا ينقصنا جنود لاحتلال غزة. فالفرقة 36 انتقلت من الشمال، وهي تتمركز هناك، ولا قدرة لـ"حماس" على مواجهة أرتال المدرعات. لكن المتاعب ستأتي لاحقاً. ولا حاجة إلى ألوية "حماس" وكتائبها للقيام بما تقوم به من حرب عصابات منذ 100 عام: مهاجمة جنود يتمركزون في أرض أجنبية بسلاح مضاد للدروع وقناصة وهجمات. انتحاريون يفجرون أنفسهم في "الجيش". مشاهدة رفض الاحتياطيين دعوتهم إلى الخدمة للمرة الرابعة والخامسة، وتهرُّب طبقات كاملة من السكان [المقصود الحريديم] من الخدمة، وتآكل القيم التي لها تداعيات عملانية مباشرة، والتي لا يمكن لأيّ جيش احتلال الهروب منها.

إن التآكل في القيم في الجيش يعكس الإنهاك في المجتمع الإسرائيلي. وسيكون له تداعيات دموية. في الأسبوع الماضي، برز مؤشر إلى ذلك عندما استأنفت إسرائيل قتالها في غزة، بحجة أن "هذا سيعيد حماس إلى المفاوضات" (إلى صفقةٍ، إسرائيل هي التي فجرتها)، وسيساعد على إعادة المخطوفين؛ إنه تكتيك فاشل يدفع المخطوفون ثمنه من حياتهم منذ سنة ونصف. في العملية التي حظيت باسم مثير للجدل "قوة وسيف"، هاجم سلاح الجو بصورة خاصة المسؤولين في "حماس"، ولا فكرة لدينا عن أعداد الذين يُعتبرون باللغة المتداولة "أضراراً جانبية". الأرقام الوحيدة للقتلى هي من مصدر غير موثوق به، هو "حماس" التي تحدثت عن 400 شهيد، بينهم 174 من الأطفال. لكن من الواضح للجميع أننا عندما نهاجم فجأة أشخاصاً ينامون في منازلهم مع عائلاتهم، فإن "الأضرار الجانبية" ستكون بالعشرات على الأقل.

الجمهور غير منزعج

من المفيد التذكير بتاريخ غير بعيد. في تموز /يوليو 2002، اغتال الجيش الإسرائيلي صلاح شحادة، قائد الذراع العسكرية لـ"حماس" في قطاع غزة. كانت تلك الأيام دموية، ليس مثل 7 أكتوبر، لكن أسوأ كثيراً من اليوم: في حزيران/يونيو، قُتل 57 إسرائيلياً في هجمات، وخلال سنة 2002، قُتل 452 مدنياً وجندياً. كان شحادة مسؤولا عن مقتل المئات، والمخطِّط لقتل مزيد من الإسرائيليين. على الرغم من ذلك، فإن نقاشاً حقيقياً جرى على المستوى العملاني للعملية، وتم تأجليها عدة مرات بسبب الخوف من قتل أبرياء. في نهاية الأمر، جرى تنفيذ العملية، فقُتل شحادة و14 شخصاً من أبناء عائلته، بينهم نساء وأطفال.

المجتمع الإسرائيلي انزعج، وسلاح الجو ارتجف خوفاً، إلى حد أن قائده اللواء داني حالوتس دُعيَ إلى مقابلة صحافية من أجل الدفاع عن مقاتليه. احتلت المقابلة العناوين الأولى. وقال حالوتس في إفادته أمام المحكمة العليا إنه "لو عرف المشاركون في العملية بنتائجها المأساوية مسبقاً، لما حظيت بالموافقة". قال أحد الطيارين الذين شاركوا في القصف، في مقابلة معه: "ليس لديّ الصورة الاستخباراتية الواسعة، لو كنت أعرف أن هناك صورة استخباراتية تتعلق بأمور ممنوعة، لما هاجمت. بالنسبة إليّ، لا يمكن أن أهاجم (...)، لكن في لحظة الانطلاق، أتحول إلى آلة حرب. .."

هذه هي الثقة الأساسية بنظام اتخاذ القرارات، التي من دونها، لا يمكن للطيار التحليق وإلقاء قنبلة. في تموز/يوليو 2002، لم تكن حياة ومعاناة 59 مخطوفاً مطروحة، نصفهم على الأقل أحياء، بحسب معرفتنا، وبحسب أبناء عائلاتهم. في تموز/يوليو 2002، كان في إمكان الطيار في سلاح الجو الاعتماد على أن هناك شخصاً لديه "الصورة الاستخباراتية الكبيرة"، ويدرس الاعتبارات بموضوعية، ويتحمل المسؤولية عن الضرر الأخلاقي لمن قام بـ"عمل خاطىء ". في تموز /يوليو، لم يكن مقتل شحادة مرتبطاً بعودة شخص، مثل بن غفير، إلى الائتلاف واعتبارات تتعلق ببقاء رئيس الحكومة.

لكن حالياً، لا يبدو الجمهور الإسرائيلي منزعجاً، وبحسب علمنا، فإن سلاح الجو لا يرتجف قلقاً. يوافق رئيس الأركان على خطط ترِد في بنود أهدافها كلمات لم تُكتب قط في أوامر عسكرية في السابق. وزير الدفاع يشكل إدارة لتشجيع الهجرة الطوعية وأتباع سموتريتش بدأوا بإعداد الكرافانات.

يُعدّ يوم 7 أكتوبر، اليوم الأكثر فظاعةً في تاريخ إسرائيل، غطاء على صعيد الوعي للمغزى الواضح والعملي لهذه الأفعال والخطط. إنه "المعجزة" التي كانت تنتظرها أوريت ستروك [وزيرة الاستيطان والمهمات القومية] وكل الذين يريدون أن تصبح إسرائيل إسبارطة، وأن يتحول الجيش الإسرائيلي إلى عصابة انتقام وتطهير إثني، والقيادة العليا لا تقف في مواجهة ذلك، بل تروي لنفسها قصصاً عن خطوات موقتة، ربما ستؤدي إلى معجزة تمنع الكارثة الكبرى...

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق