اطلعت على مقال معالي الدكتور سهيل بن حسن قاضي المنشور بصحيفة المدينة تحت عنوان: "القطاع غير الربحي في الأعوام الثقافية" الذي اقترح فيه تخصيص عام للقطاع غير الربحي ضمن الأعوام الثقافية التي قدمت مبادراتها وزارةُ الثقافة ضمن إستراتيجيتها النوعية المتناغمة مع مستهدفات رؤية المملكة 2030م في "بناء مجتمع ثقافي مزدهر"، حيث أطلت علينا تلك المبادرة النوعية للوزارة عام 2021م بـ "عام الخط العربي"، ثم عام القهوة (2022م)، وعام الشعر العربي (2023م) وصولاً إلى عام الإبل (2024م) ثم عام الحرف اليدوية (2025م).
وقد كان مبعث سرورنا من إطلاق مبادرات هذه الأعوام، هو ملامستها لحزمة من الأبعاد التي استطاعت من خلالها إثراء التجارب الثقافية وتحفيز الإبداع والابتكار وإطلاق المواهب والقدرات الخاصة في سياق تعزيز الهوية الوطنية والحفاظ على الموروث الثقافي، بالتوازي مع تعزيز مسارات التنمية الاقتصادية.
لقد أثبت عام الإبل بكل ما يحمله من قيم فنية وحضارية واقتصادية نجاحه كإحدى ركائز الهوية الوطنية، وأحد معززات المسيرة التنموية، من خلال استقطابه آلاف الزوار، وعقد الشراكات خلال أيام فعالياته، في ظل ما أضفاه البعد الثقافي على هذا الموروث الوطني الهام من أبعاد استثنائية، تفتح المجال لابتكار المزيد من الأعوام الثقافية والمزيد من الفعاليات التي ترفد مسارات التنمية وتساهم في تحقيق جودة الحياة، وخلق مجتمع حيوي تتعانق فيه طموحات الوطن مع ازدهار الاقتصاد، بما يتواكب مع مسارات الرؤية التنموية التي تدفع باتجاه إطلاق الإمكانات الواعدة للقطاعات غير النفطية، بما يعزز فاعليتها في دفع عجلة النمو والازدهار وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة.
ولعل التجارب الملهمة التي تجسدت في مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل الذي أقيم على أرض الصياهد تحت شعار "عز لأهلها" والذي ساهم في ترسيخ قيمة الإبل في الموروث الثقافي والتاريخي للمملكة، وأثبت عظيم الأثر الناتج عن دمج هذا الموروث في منظومة التنمية الاقتصادية.
نقول: لعل ذلك يحفزنا على التحليق برؤية اقتصادية في آفاق (عام الحرف اليدوية) 2025م، الذي سنحتفي فيه بقيمتها الفريدة في الثقافة السعودية، بما يعكس الارتباط الوثيق بعناصر الموروث الثقافي التي يفخر الجميع بجذورها الراسخة وتميز مخرجاتها، في ظل ما يحمله هذا المكون الثقافي من قيمة بالغة يشكل معها ركيزة محورية في بناء الهوية الثقافية.
وحريٌّ بنا أن نشير هنا إلى الدور الريادي الذي يضطلع به المعهد الملكي للفنون التقليدية (ورث) في إبراز الهوية الوطنية وإثراء حضور الحرف اليدوية والاحتفاء بقيمتها الثقافية الفريدة ومكانتها في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال برامجه الأكاديمية والتعليمية المتخصصة التي تستهدف تنمية القدرات والمواهب الوطنية المبدعة وتعزيز قدرتها على ريادة الأعمال والمشاركة بفاعلية في المسيرة التنموية.
عودٌ على بدء.. ففي ظل التوقعات بأن تشهد السوق العالمية للحرف اليدوية نمواً يصل إلى 5 تريليونات ريال، مع نمو حجم السوق السعودي ليصل إلى 5 مليارات ريال بحلول العام 2028م.
وامتداداً للنجاحات التي حققها القطاع غير الربحي في مشاريع الإسناد الحكومي التي قاربت الـ 7 مليارات ريال حتى نهاية العام 2023م، فإننا نضع مقترحنا بأن يتم الاستفادة من مخرجات الجمعيات الأهلية خلال عام الحرف اليدوية.
فكثير من تلك الجمعيات -كجمعية البر بجدة- احتضنت آلاف الأسر المحدودة الدخل وقدمت لها ولأبنائها مختلف البرامج التدريبية والتأهيلية، لتساهم في تمكينها من خلال استثمار شراكاتها مع قطاع الأعمال، والقطاع الحكومي، والقطاع غير الربحي، لفتح منافذ بيع لها في الأسواق ودعم مشاريعها الصغيرة التي توسّع بعضها، وأثبت قدرة هذه الأسر على ريادة الأعمال.
فكم نتمنى أن تتسع مساحات الرعاية لتلك الأسر المسجلة في الجمعيات الأهلية من خلال وضع تنظيمات تتيح لها المشاركة بفاعلية في عام الحرف اليدوية في ظل ما تحمله من خبرات وتجارب مكتسبة.
ونجزم أن ذلك سيكون عاملاً مؤثراً في إثراء نجاحات مبادرة (عام الحرف اليدوية)، وتعظيم الأثر المستدام لأنشطة القطاع غير الربحي، وتحقيق جودة الحياة من خلال إثراء معايير قابلية العيش والارتقاء بأنماط الحياة لأفراد تلك الأسر، وتنويع خياراتها.
إنه اقتراح نضعه على مائدتي وزارة الثقافة، والمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، آملين أن يجد منهما الاهتمام المعهود، والله الموفق.
* المستشار الإعلامي لجمعية البر بجدة
0 تعليق