نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
غازي القصيبي والملكة.. وشكسبير! - عرب فايف, اليوم الأربعاء 1 يناير 2025 06:44 مساءً
وحالما تدخل في البحث والتفاصيل، تكتشف أن التيجان المذهبة، والبشوت الداكنة، لها الذوق والذائقة في الفنون، وأهمها الشعر، ولكل رئيس أو زعيم شاعره المفضل الذي يستلهم كلماته ويحيا بها.
في حديث تلفزيوني يجيب غازي القصيبي عن سؤال حول أجمل ما في أن تكون وزيراً مرافقاً للضيوف الرسميين للدولة، وكان الجواب هو التعرّف على ضيوف المملكة بشكل إنساني بعيداً عن الدبلوماسية، والتقاليد الرسمية. إنهم بشر بعيداً عن النياشين والتيجان والألقاب. وهكذا كان نقطة التماس الأولى عن قرب مع ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث، التي بزّت جدتها فيكتوريا إلا قليلاً، وراقبت غروب الإمبراطورية بصبر بحارة يحترمون قواعد البحر، والأنواء، وكل ما لا يستطيعون التحكّم به.
كانت إليزابيث عاشقة للشعر. يقول غازي إنها كانت تتحدث عن الشعر وخصوصاً شيلر بطريقة بديعة مستفيضة. ولم تُعلن الملكة إليزابيث الثانية بشكل رسمي عن شاعرها المفضل، لكنها أظهرت إعجابها بأعمال عدد من الشعراء البريطانيين الكلاسيكيين، فقد كانت تقتبس من أعمال روبرت براونينغ، كما أنها تقدّر أعمال ويليام شكسبير، الذي يُعدّ جزءاً أساسيّاً من التراث الثقافي البريطاني.
وليست إليزابيث وحدها في هذا المسار الشعري البديع، بل لكل رئيس شاعر وفكرة على مدار التاريخ.
وتفتتح الرحلة الرئاسية الشعرية بقصيدة كان نهرو يحبها ويكتبها بخط يديه، لشاعر عظيم كان كينيدي يحبه أيضاً، وأصبح بفضل كينيدي أول شاعر يحضر حفل تنصيب رئاسي بقصائده، وقد كان على ضفاف الثمانين. إنه روبرت فروست، الساحر الكبير الذي حضر حفل التنصيب مستعداً بقصيدته الموعودة، لكن الشمس سلبت عينيه القدرة فلم يستطع القراءة، واستعاض عنها بقصيدة من الذاكرة قرأها في الحال. كان ذلك الشيخ مهطالاً رغم العمر، وتمكّن من أن يتم قصيدته رغم الشمس!
وتشاء المقادير أن الشخص الذي قرئت قصيدته في حفل تنصيب رئيس أمريكا الشاب ومعشوقها، هو الشخص ذاته الذي كان الجميع يستخدمون قصيدته «الغابة» في تأبين الرئيس الشاب. تلك القصيدة العظمى عن الغروب، والذهاب في غابة لا يمكن أن تكون إلا الحياة.
كان اهتمام الرؤساء الأمريكيين بالشعر جزءاً من حياتهم الأدبية والسياسية، إذ استخدموه للتعبير عن القيم الإنسانية والتأملات الفلسفية في مناسبات مختلفة، وخلال الخمسين عاماً الماضية، عبّر بعض الرؤساء الأمريكيين عن إعجابهم بشعراء محددين، أو قرأوا الشعر في مناسبات خاصة، وكان لكل منهم ذوق أدبي مختلف.
فبينما جون كينيدي كان معجباً بالشعراء مثل روبرت فروست، كان جيمي كارتر يكتب بعض الشعر ويحب أديب سوانزي الكبير ديلان توماس. أما بيل كلينتون كان معروفاً أنه كان من المعجبين بالشاعر لانغستون هيوز، أحد أبرز شعراء حركة هارلم، وأيضاً بـ مايا أنجيلو، التي ألقت قصيدة في حفل تنصيبه الأول عام 1993، وكذلك جبران خليل جبران.
وفي تاريخ العرب العاربة والمستعربة نجد الكثير من العلاقات الملتبسة بين الشاعر والتاج. لم يكن المتنبي يعرف زعماءه كما كان زعماؤه يعرفونه ظاهراً وباطناً، فلم يكن شاعر شعر مجرد، بل كان زعيماً يبحث عن تاج على صهوة كلماته؛ لذلك كان كافور يلاعبه بالأمل والأمد، ولم يحصل على شيء من ذلك القصير الذي كان أعجوبة عصره بكل تأكيد، تماماً كما أن المتنبي فريد الدهر والشعر.
وحين شعر نزار قباني بالملل والبرد سفيراً في الصين البعيدة، توسط بهيكل كي يبلّغ رئيس الجمهورية العربية المتحدة آنذاك جمال عبدالناصر بأنه يصارع الملل... الملل. قال عبدالناصر: أعيدوا الشاعر الأموي إلى أندلسه. وهكذا اصبح قباني سفيراً في إسبانيا، وسال في الشعر العربي ينابيعَ وجداول خالدة.
وتتساءل لماذا الشعر في عالم المادة والتقنية المتسارعة؟ يجيبك روبن وليامز في فيلم Dead Poets Society، الذي يجسّد دور الأستاذ جون كيتنج، مقدماً منظوره الملهم عن الشعر. يقول كيتنج للطلاب:
«لا نقرأ ونكتب الشعر لأنّه لطيف. نحن نقرأ ونكتب الشعر لأننا جزء من الجنس البشري، والجنس البشري مليء بالعاطفة. الطب والهندسة والقانون والتجارة هي مهن نبيلة وضرورية لاستمرار الحياة، لكن الشعر والجمال والرومانسية والحب هي ما نبقى من أجله أحياءً».
بالفعل، هذا ما يجعلنا نحيا بأمل، في عالم مشوش، مثير للغيظ، والأذى!
0 تعليق