شارك المؤلف والملحن منصور الرحباني في صنع هوية لبنان الفنية الحقيقية، مع شقيقه المؤلف والملحن عاصي الرحباني، فأبدع الأخوان رحباني بعطائهما المتنوع، من أغنيات عاطفية، وأغنيات وطنية خالدة، ومسرحيات تحاكي الواقع، وتزرع في المواطنين حب الوطن والأرض والجيش، وكانت سفيرتنا إلى النجوم فيروز، أفضل من جسد أعمالهما صوتاً وصورة، بالإشتراك مع مجموعة من الفنانين والممثلين.
بعد رحيل عاصي الرحباني عام 1986، أكمل منصور الرحباني المسيرة، وقدم أعمالاً مسرحية وأغنيات، إلى أن رحل عام 2009.
تصادف عام 2025، مئوية منصور الرحباني (2025 - 1925)، ولهذه المناسبة، عقد مؤتمر صحفي، دعت إليه "لجنة مئوية منصور الرحباني"، في قاعة "مسرح الأخوين رحباني" في دير مار إلياس في أنطلياس، شارك فيه أولاد المؤلف والملحن الراحل منصور الرحباني، وهم المخرج والمؤلف مروان رحباني، المؤلف الموسيقي والمنتج غدي الرحباني والمؤلف الموسيقي والمنتج أسامة الرحباني، بحضور ممثل وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي مستشاره الإعلامي ألبير شمعون، السيدة نينا الرحباني زوجة الموسيقار الراحل الياس الرحباني، والقائمين على الحركة الثقافية، ومجموعة من أهل الفكر والثقافة والفن والصحافة والإعلام.

تغيّب الشاعر هنري زغيب عن المؤتمر الصحفي الذي كان من المفترض أن يديره، بسبب تعرضه لوعكة صحية، فألقى كلمة الشاعر الغائب المؤلف والمنتج الموسيقي غدي الرحباني، وقال: "بعد إحتفالنا بمئوية عاصي 2023، نجتمع اليوم كي نعلن برنامجنا العام لمئوية منصور (2025 - 1925)، ويكون أننا نلتقي في هذه القاعة بالذات، الحاملة إسميهما معاً، هما اللذان كانا عبقرية مفردة في مبدعَين. بعد غياب عاصي سنة 1986 وإنطواء مرحلة "الأخوين رحباني" على ثلث قرن رائع من تراث ساطع بالأعمال الخالدة، أكمل منصور وحده نسج تراثه الرحباني طيلة ربع قرن من الأعمال، بينها 11 مسرحية، والقداس الماروني، وحلقات تلفزيونية، وأغنيات منفردة، وكتب شعرية خمسة، فكان حتى غيابه سنة 2009 ورشة فنية متواصلة في دأب عجيب على الإبداع شعراً وموسيقى ونتاجاً لا يهدأ".
وأضاف: "قبل نحو شهر من اليوم، تنادى أبناؤه مروان وغدي وأسامة، وفاءً لذكراه، وشاركوني أمر الإحتفال بمئوية ولادته في أنطلياس نهار 17 آذار 1925، وها نحن اليوم، نتيجة إجتماعات متتالية لبرمجة المئوية، نعلن بعض الأنشطة التي هيأناها طيلة 2025، ونعلن لاحقاً برامج أخرى هي حالياً في مرحلة التحضير من البرامج المكتملة:
1. ندوة في جلستين بعد ظهر السبت 25 كانون الثاني لدى "الصالون الأدبي" في معهد "فيلوكاليّا" - عينطورة، يتحدث فيهما كل من الأخت مارانا سعد إفتتاحاً، الصحافي رفيق خوري، الشاعر سهيل مطر، الأب يوحنا جحا والفنان غسان صليبا.
2. ندوة في جلستين لدى "مركز التراث اللبناني" في الجامعة اللبنانية الأميركية LAU بعد ظهر الإثنين 17 آذار 2025، يتحدث فيهما كل من الدكتور فيليب سالم من هيوستن، الإعلامية وردة الزامل، الأب الدكتور بديع الحاج، الشاعر عبد الغني طليس والدكتور ناجي قزيلي.
3. إختيار عدد من مسرحيات منصور المصوّرة، وعرضها في عدد من المراكز الثقافية، بينها في طرابلس (مركز الصفدي)، وفي بيروت (المركز الثقافي الفرنسي)، وفي زحلة (القصر البلدي)، وفي عجلتون (المركز الثقافي البلدي)، ولدى مراكز ثقافية أخرى في مناطق أخرى من لبنان.
4. إعادة إصدار كتب منصور الشعرية الخمسة: "أنا الغريب الآخر"، "أسافر وحدي ملكاً"، "القصور المائيّة"، "بحّار الشتي"، "الأولى القصائد"، وهي ستصدر لدى "منشورات سائر المشرق".
5. إنشاء صفحة خاصة في قناة يوتيوب منصور الرحباني، لمتابعة سير البرامج والإعلان عن الآتي منها خلال سنة المئوية.
6. إطلاق أوراتوريو سيمفوني مع غناء كورالي ومنفرد، لأسامة الرحباني تأليفاً وموسيقى، لقصائد منصور في كتابه "أسافر وحدي ملكاً"، وصدور الأوراتوريو على أسطوانة مدمجة CD.
7. إعداد مجموعة حلقات تلفزيونية في محطات لبنانية وعربية عن منصور وأعماله.
8. إصدار وزارة التربية تعميماً على المدارس الرسمية، كي تشارك في برامج عن الأخوين رحباني وعن منصور.
9. ندوة خاصة في الحركة الثقافية - أنطلياس، ضمن نشاطها خلال "المهرجان اللبناني للكتاب" آذار 2025.

وكانت كلمة لوزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، ألقاها مستشاره الإعلامي ألبير شمعون، وقال: "يسعدني أن أبلغكم تحيات معالي وزير التربية والتعليم العالي الدكتور عباس الحلبي، وتهنئته بمئوية العظيم منصور الرحباني، الذي أعطى لبنان شعراً وأدباً وموسيقى ومسرحاً هادفاً على مدى عمر كامل، وقد أعطى معالي الوزير الحلبي توجيهاته إلى الإدارة في المديرية العامة للتربية ومصلحة الشؤون الثقافية والفنون الجميلة التابعة لها، للتعاون معكم من أجل إحياء فن الأخوين الرحباني، وفن منصور الرحباني، على تنوع هذه العطاءات، وذلك من خلال الأنشطة المدرسية والتربية الفنية، لكي يترسخ هذا الغنى في نفوس الأجيال، ويكون حافزاً لتعزيز اللُحمة الوطنية وتذوق الجمال والأصالة والتعلق بالوطن، وعيش الحياة الوطنية الصحيحة".
وختم قائلاً: "يتمنى لكم معالي الوزير، كما نتمنى لكم شخصياً، المثابرة على العطاء، ليتعاظم هذا الإرث الرحباني جيلاً بعد جيل".
وبعد عرض شريط مصور مدته ثلاث دقائق، لمشاهد من أعمال مسرحية للمؤلف والملحن الراحل منصور الرحباني، قال المؤلف الموسيقي والمنتج أسامة الرحباني: "أي شخص يتناول أي أغنية أو أي قصيدة، يكون قد ساهم في مئوية منصور أو مئوية عاصي، وللأسف نحن نعتمد على أنفسنا لنقوم بالمبادرات، ولا نعتمد على الأمور الرسمية، فنحن نقوم بعملنا قدر المستطاع، وبمقدار محبتكم لعاصي ومنصور وتجذّرهما فيكم، تكونون قد ساهمتم بنشر هذا الفن، الذي عمل عليه عاصي ومنصور وبعدهما إلياس".
وأضاف: "أمور عديدة يمكن أن تقام خلال سنة المئوية، مبنية على جهود ومبادرات فردية، من قبل أي مدرسة، أو محاضرات في أي مكان، فأي عمل يقدم للأخوين رحباني، أو أي فيلم يعرضه التلفزيون هو بمثابة تكريم لعاصي ومنصور، وطبعاً لفيروز أطال لله بعمرها، فهم الذين رسموا لنا هذا الوطن، وهم أجمل ناس رسموا الوطن، فقد ترجموا الواقع مثلما كان بأعمالهم وفنّهم، ولكننا للأسف غيّرنا الواقع".
وتحدث المؤلف الموسيقي والمنتج أسامة الرحباني عن المشروع الذي يحضره، من كتاب منصور الرحباني "أسافر وحدي ملكاً"، الذي يقول فيه منصور شعراً عن بيروت، وقال أسامة الرحباني إنه يعمل على أوراتوريو ضخم، فيه غناء كورس وغناء صولو، ويضم أوركسترا سيمفونية ضخمة وراوي، وسيحدّد تاريخ عرضه فور إنجاز التمارين، وذلك ضمن فعاليات مئوية منصور الرحباني، وسيتم تسجيله كي يكون بمتناول الجميع.
أما المخرج والمؤلف مروان الرحباني، فقد لفت إلى أن فعاليات مئوية منصور الرحباني التي تنطلق من لبنان، ستمتد إلى عدة دول في الخليج، وأشار إلى أنه ستكون هناك الكثير من النشاطات في العديد من الولايات الأميركية وأوروبا، منها إعادة تقديم المسرحيات، وعرض مسرحيات وإقامة ندوات، وأضاف: "نحن علينا أن نقوم بواجبنا، خصوصاً في هذه الظروف التي نعيش فيها، لكي نظهر للعالم أننا لا زلنا حاضرين من ناحية الحضارة والثقافة، رغم كل ما يشاهدونه عنا".

موقع "الفن" إلتقى الرحابنة، وعدنا لكم بهذه التصريحات الخاصة.

المخرج والمؤلف مروان الرحباني قال: "لا شك أن ما يحدث للبنان ولكل اللبنانيين هو أمر ضاغط جداً، إقتصادياً وسياسياً وللعديد من النواحي، ولكن هذا لا يمنع أن هناك الإستمرارية في كل شيء، فالفن هو إستمرارية، ولا يمكنك أن تفصل مثلاً الإقتصاد عن السياسة وعن الفن، فهذه القطاعات هي وحدة متكاملة".
وعن أهمية دور مئوية منصور الرحباني، في ظل الأزمات المتعددة في لبنان، قال: "هذه المئوية مهمة جداً، فهذه المناسبة تأتي مرة كل مئة عام، ويمكن أن تساهم في رفع معنويات الناس من خلال إعادة الحركة الفنية، التي من المفترض من أن تتزامن دائماً مع تطوير الحركة الإقتصادية والحركة والسياسية وكل الأمور التي تحدث. ستكون هناك العديد من النشاطات الفنية خلال عام 2025 ضمن مئوية منصور الرحباني في لبنان، منها ندوات وعرض مسرحيات مصورة في المراكز الثقافية، وهناك أمور أخرى لا زلنا نعمل عليها، وسنعلن عنها في وقتها، بالإضافة إلى نشاطات في الخليج وأوروبا وأميركا".
وعن تفاعل الجيل الجديد مع أعمال منصور الرحباني، قال: "كل زمن وله موسيقاه، ولكن هناك شيئاً لا يتغير، فلو مهما كان هناك من أعمال حديثة في ألمانيا أو بريطانيا، يبقى شكسبير هو شكسبير، ويبقى بيتهوفن هو بيتهوفن، فالذاكرة الرحبانية الأولى التي بدأت مع الأخوين رحباني، وإستمرت مع منصور بعد رحيل عاصي، هي موجودة، ربما غابت لأن ربما الإذاعات والتلفزيونات لا تبث أعمال الأخوين رحباني وأعمال منصور الرحباني بشكل كافٍ، إلا أن مئوية منصور الرحباني هي مناسبة للجيل الجديد، ليتعرف على هذه الأعمال، والجمهور يتأقلم بسرعة مع ما يقدم له، فأنا تفاجأت في أميركا بأشخاص أصغر سناً من أولادي، يعرفون الريبرتوار الرحباني، ربما أكثر من أولادنا".
وعما يقوله لوالده منصور الرحباني، قال مروان: "أقول لمنصور "إشتقنالك"، ولا أعلم إن كنت سأقوله له "إنه كان من الجيد أنك رحلت وعاصي، كي لا تشاهدا كيف أصبح لبنان"، ولكني في نفس الوقت أقول لمنصور "أنت أوصيتنا وربيتنا على النبالة وحب هذه الأرض، وأن نستمر، كل شخص بحسب قدرته على العطاء".
وفي ختام حديثه معنا، عايد مروان الرحباني اللبنانيين، وقال: "ميلاد مجيد للجميع، وأتمنى أن يكون العام المقبل 2025 أجمل من العام 2024".

المؤلف الموسيقي والمنتج غدي الرحباني قال لموقع "الفن": "هذه المبادرة جاءت من أعضاء "لجنة مئوية منصور الرحباني"، من بينهم الشاعر هنري زغيب ونحن أولاد منصور، لأننا فكرنا بأنه يجب أن نطلق مبادرة ليتعرف الجمهور أكثر، وخصوصاً الجيل الجديد، على منصور الرحباني وأعماله، وأعمال الأخوين رحباني، وليتعرفوا على المبدعين اللبنانيين وأعمالهم".
وعما إذا كان الجيل الجديد سيعطي أعمال منصور الرحباني، ما تستحقه من إهتمام، في ظل إنشغال الكثير من شباب اليوم بالتطبيقات الترفيهية، وإعتيادهم على سماع أنواع معينة من الموسيقى، قال: "في زمن منصور، تقبله الجيل الجديد حينها، وطبعاً الجيل الجديد الحالي سيحب أعمال منصور، وهناك دور الأهل الذين عليهم أن يعرفوا أبناءهم على الفن اللبناني عموماً، والفن الرحباني خصوصاً".
وعن برنامج مئوية منصور الرحباني، قال: "مع إنطلاقة العام 2025، ستكون هناك ندوات فنية، وندوات ثقافية، وحلقات تلفزيونية عن منصور، كما سيتم عرض مسرحيات منصور التي تم تصويرها، وذلك في الأندية الثقافية، والسفارات والمراكز البلدية، بمعنى أنه ستكون هناك نشاطات على مدار العام المقبل".
وعما إذا كانت ستكون هناك حفلات تتضمن أعمال منصور الرحباني، قال: "يمكن أن تكون هناك حفلات، ولكننا لم نقرر ذلك بعد، فهذا الموضوع قيد الدرس".
وعن الرسالة التي يوجهها إلى والده منصور الرحباني، قال غدي: "نحن سنكمل رسالة منصور الرحباني، ورسالة الأخوين رحباني، وأقول لمنصور "إننا على الوعد باقون، ومثلما صنعت مع عاصي الهوية الفنية للبنان، نحن سنستمر".

المؤلف الموسيقي والمنتج أسامة الرحباني قال: "بعد سنتين على مئوية ولادة عاصي، قررنا أن نطلق هذه المبادرة بمناسبة مئوية ولادة منصور، لأنه ليس هناك إهتمام رسمي بالأمر، ربما بسبب الظروف التي نعاني منها في لبنان، وهذه مبادرة نحب أن نطلقها، لأن هناك أموراً نستطيع أن نقوم بها لنشر هذا الفكر والفن والثقافة التي عمل فيها منصور وعاصي طوال حياتهما".
وأضاف: "لا ننسى أن منصور هو نصف الأخوين رحباني، وبعد رحيل عاصي، إستمر منصور من عام 1986 ولغاية عام 2009، فهذه مبادرة مهمة جداً لأنه يمكننا فعل الكثير من الأمور فيها، ونشاطات مئوية منصور متنوعة، تتضمن محاضرات ومسرحيات وشعراً وغيرها، بالإضافة إلى أن هناك أوراتوريو ضخماً جداً أحضّره، من كتاب منصور "أسافر وحدي ملكاً".
وعن إستقطاب الجيل الجديد من خلال مئوية منصور الرحباني، قال: "واجبنا هو أن نقوم بنشاطنا، ونبلغ جميع الناس، ما المطلوب منا أكثر من ذلك؟"
وعن وصية منصور الرحباني له، قال أسامة: "أوصانا منصور بأن نواظب على عملنا، وأن نحافظ على أعماله وأعمال عاصي، وأقول لـ منصور إني أحبه، وأشتاق إليه يومياً".