مع أجراس أعياد الميلاد المجيد، أطلقت "أوركسترا فلسطين للشباب" العرض الأوركسترالي الغنائي "غزة التضحية والبطولة" عن نص "مريم غزّة" للشاعر والروائي الفلسطيني/ الأردني إبراهيم نصر الله وألحان الموسيقار الفلسطيني سهيل خوري رئيس معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى.
في العرض الذي أقيم على مسرح أكاديمية عمّان بمشاركة عشرات العازفين والعازفات وقيادة المايسترو لامار إلياس، تناوبت جوقة "أوركسترا فلسطين للشباب" المكوّنة من فرقة معهد إدوارد سعيد وجوقة "أمان" مع الشاعر نصر الله فقراته، بحيث تؤدي الجوقة جزءًا من القصيدة، ويلقي صاحبها جزءًا منها، وهكذا دواليك حتى نهاية العرض البالغة مدته زهاء نصف ساعة.
الاستهلال، بعد تمهيدٍ موسيقيٍّ لافت، كان للجوقة التي أدّت هذا الجزء من المَغناة:
"السّلامُ على الأرضِ ليسَ لنا
ليس لابني أو ابنكِ
مريمُ قالت لمريمَ..".
ثم نهض الشاعر إبراهيم نصر الله الجالس طيلة العرض في مقدمة المسرح، فألقى بمرافقةٍ موسيقيةٍ وئِيدة، خصوصًا من آلة الأوبوَا:
"مريمُ قالت لمريمَ..
يا أُختَ أرضي وأختَ خطايَ على الأرضِ
يا أختَ روحي وأختَ صلاتي
وأختَ الضُّحى في الوضوحِ وأختَ مماتي العظيمِ هنا
وما قد تبقّى لنا من مماتٍ وما قد تبقّى لنا من حياةِ
السّلامُ على الأرض ليس لنا
أهذي السماءُ التي فوقَنا
لا ترانا؟
أَمَ أنَّ الصليبَ على ظهرنا
في حقول الدَّم المرِّ يحجُبُنا؟
السلامُ على الأرضِ ليس لنا
السّلامُ لأعدائِنا يا إلهيْ
وللطائراتِ، وللموتِ يهبطُ، للموت يصعدُ
للموت يحكي، ويكذبُ، يرقصُ،
لا شيءَ يكفيه
لا دمُنا في الفجيعةِ
أو دمُنا في الجمالِ
ولا دمُنا في البحارِ ولا دمُنا في السهولِ ولا دمُنا في الجبالِ
ولا دمُنا في الترابِ ولا دمُنا في الرّمالِ
ولا دمُنا في الإجابةِ أو دمُنا في السؤالِ
ولا دمُنا في الشمالِ ولا دمُنا في الجنوب
ولا دمُنا في السّلامِ ولا دمُنا في الحروب".
من فورِها استلمت الجوقة من الشاعر مع مفردة "الحروب"، مُكمِّلَةً:
"السلام لأعدائِنا يا إلهي
لحرّاسِهم في البلادِ البعيدةْ
لحرّاسِهم في البلادِ القريبةْ
لكلِّ أخٍ كالعدوِّ أتى ليُحاصرَنا
السّلامُ لِغيري وغيرِ صغاري
للصّمتِ بعدَ مجازِرنا
للصّمتِ قبلَ مجازِرنا
للصّمتِ بينَ مجازرِنا
للصّمتِ إن نحنُ كنّا صرَخْنا
وللصّمتِ إن نحنُ كنّا صمَتْنا
وللصّوتِ حين يشيرُ إليْنا:
اقتلوهمْ، وبالصّمتِ يَقتُلُنا.
السلام على الأرضِ ليسَ لنا
ليسَ لإبني أو ابنكِ
مريمُ قالت لِمريمَ".
جاء الدور على إبراهيم منشدًا بمرافقةٍ وديعةٍ من التشيلو والأوبوا:
"السلامُ على الأرضِ ليسَ لَنا
إنّه للطغاة وللرؤساءِ الديوكِ وكل الجيوش الغُبارْ
إنّه للدّمارِ وأشباهِ من يَقتلونَ الصّغارَ على الأرضِ.. أو يَقتلونَ الكبارْ
إنّه للجنودِ ومن يَحشُرونَ المَدى في القيودْ
ومن يَسفِكونَ الدّماءَ ومن يَكرهونَ الشَّهيدَ ومن يَقتُلونَ الشّهودْ
السّلامُ لِطاغيةٍ هَهُنا..
والسّلامُ لِطاغيةٍ هَهُناكْ
لِذيولِ النُّباحِ هُنا وهُنا
ولكلِّ فحيحِ السلاحِ هناكْ
والسّلامُ لمن يفقأُ الآنَ عينيَّ كي لا أراكْ".
الجوقة بلحنٍ حزينٍ شفيفٍ أنشدت في دورِها:
"إلهيَ خذ كلَّ شيءٍ ودَعْنا قريبينَ من بحرِنا هَهُنا
إلهيَ خذ كلَّ شيءٍ ودَعْنا قريبينَ من مقابرِ أحبابِنا هَهُنا
لن نغيبَ،
سنبقى قريبينَ تأخذُنا إن أردتَ..
ونبقى قريبينِ تتركُنا إن أردتَ
متى شئتَ أو كيفَما شئْتَ
متى شئتَ وَكيفما شئتَ
إلهيَ كُن سُورنا لنْ نَفِرَّ، إذا هبطَ الليلُ، من موتِنا
إلهي سنبقى بأبوابِ روحكَ:
أعني الكنيسةَ والمسجدَ
أعني الترابَ وأعني الحياةَ إذا ظلّ فيها حياةٌ هُنا.
إلهيَ خذْنا.. إلهيَ خُدْنا ودَعْ هَهُنا بعضَ أرواحِنا
قربَ ما قد تبقّى لنا من بيوتٍ ومن عتباتٍ كأشلائِنا
فالسّلام على الأرض ليس لنا
السلام على الأرضِ ليسَ لنا
ليسَ لإبني أو ابنكِ
مريمُ قالت لِمريمَ".
وبمرافقة شجن الكمنجات هذه المرّة، أخذ نصر الله قسطَهُ من نصّه:
"السلام الذي نشتهي، ونحبُّ، ونحلَمُ، نشتاقُ.. ليسَ لنا
السلامُ البسيطُ كدمعةِ أُمّيَ في العرسِ والحزنِ ليسَ لنا
السّلامُ الذي كجناحٍ يطيرُ
السّلامُ الذي كجناحٍ يحطُّ
السّلام الأليفُ كضحكِتنا
والسّلامُ الأليفُ كقطتِنا قبلَ أنْ يقتلوها..
إلهيَ لكنّها منذُ ماتت تجوعُ تموءُ تحنُّ تهرُّ ومن غرفةٍ في الشمال إلى خيمةٍ في الجنوبِ تتابعُنا
السلامُ على الأرضِ ليسَ لنا
لا لغزّةَ إن فرحتْ بالربيعِ كأطفالِنا
أو لِعكا التي سهرتْ ألفَ عامٍ لتحرسَنا مثلَ جدَّاتِنا
أو لِيافا الجميلةِ
أو لِيسوعَ الذي قام من دمِنا، ثمَّ من لحمِنا، ثمَّ من أرضنِا وقياماتِنا
السّلام على الأرض ليسَ لنا أو لقُدْسكَ عاليةً بالنبيِّ وقرآنِنا.
السلامُ على الأرضِ ليسَ لنا".
القفلة كانت، كما الاستهلال، للجوقة، وفي قلبِ صعودٍ مارشاليٍّ ساطعٍ للموسيقى، ختم المؤدون والمؤديات والعازفون والعازفات بإحساسٍ عميقٍ بليغ، قادته لامار باقتدار:
"السّلامُ على الأرضِ لي يا إلهيَ.. لي ثمَّ لكْ..
للفَراشِ الذي يتنقّل بين أصابعِ أبناءِ روحيَ مُذ صعدوا للسماءِ إليكْ
ولمْ يبقَ لي من بقاءٍ هُنا غيرُ أشلائِهم
ونهارٍ يئنُّ وريشِ حمَامٍ على العتباتِ وأسمائِهم.
سأغنّي لهم باسمِ عشرينَ ألفًا..
أغنّي لهم أربعينَ ألفًا
قاموا على أرضِنا..
لن أقول: السّلامُ لِمن يَقتُلون ومَن يَقلعُون وَمن يَحرِقونَ
السّلامُ على الأرضِ كانَ لنا قبْلَهم هَهُنا..
والسلامُ على الأرضِ يبقى لنا بعدَهم هَهُنا..
السّلامُ لنا.. السلامُ لنا".
الموسيقار سهيل خوري كان قال في تصريح صحافيّ حول الفعالية، إن أهمية عرض أوركسترا فلسطين للشباب في قلب الإبادة الجماعية، هي التعامل مع الموسيقى بوصفها أداةَ تأكيدٍ على "عدالة القضية الفلسطينية، وعلى حقّ الفلسطيني بالكرامة والحرية"، مشيدًا بإصرار الشعب الفلسطينيّ على حتمية إسقاط الاحتلال و"إنهاء الظلم التاريخيّ الواقع عليه. لذلك تأتي عروض الأوركسترا لترسم المستقبلَ الفلسطينيَّ الذي يجبُ أن نحقّقه، وعمادُه: الشبابُ والعملُ والاجتهادُ والإبْداع".
0 تعليق