في قلب الصحراء حيث الطبيعة الساحرة، وبين عبق التاريخ وأصالة العادات والتقاليد، جاء العرض المسرحي "الزينة" للمخرج عادل حسان، ليأسر القلوب ويبرز ملامح واحة سيوة الفاتنة، وذلك في إطار مشاركته بالدورة السابعة من مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، فعند غوصك في تفاصيل العرض ومنذ الوهلة الأولى له تشعر وكأنك أمام نافذة مفتوحة على عالم غني بالتفاصيل التي تعكس روح البداوة التي ربما لم يكن يعرف عنها الكثير شيئا.
اعتمد عرض "الزينة" في تيمته الدرامية على التيمة الحكائية، فقد بدأ العرض بتعاقب الليل والنهار في إحدى القبائل البدوية لواحة سيوة، ثم بدأت الحكاية التي قصها الراوي، شاب وشابة عشقا بعضهما البعض، ونوى الشاب الذي يدعى خير الله أن يتقدم لخطبة الفتاة والتي تدعى "زينة" من ابن عمها "جاسر" الذي يعد صديقه المقرب، أو بمثابة أخيه كما يقولون، وعندما أفصح له خير الله عن حبه رحب جاسربشدة، لم تسع الفرحة قلبه حينها، وبدأ في الغناء، ولكن لا تسير الأمور كما نريدها دائما.
كانت ثريا تحب خير الله حبا كبيرا، وأرادت أن تفرق بينه وبين حبيبته، فهي لم تتخيل أنه سيتزوج من امرأة غيرها، فذهبت على الفور للشوافة، وطلبت منها المساعدة، وبدأت الشوافة في نصب المكيدة لهم، وأعتمدت في حيلتها على زقزوق المجذوب، التي طلبت منه أن يغني أغنية ويذكر فيها اسم زينة ويدعي أن صديقه خير الله هو من يرددها وأوهمته أنه إذا فعل ذلك سيكافئه جاسر والزينة.
لم يكذّب زقزوق خبرا وبدأ يردد الأغنية بصوت عال بالقرب منها، ولكن عندما سمعه جاسر جن جنونه، وسأله عن مصدر تلك الأغنية فقال له زقزوق أنه خير الله طامعا في أن يحصل على هدية أو حتى وجبة غداء، كما أوهمته الشوافة، ولأن الشوافة تعلم جيدا أن الطرق على الحديد وهو ساخن أفضل بكثير ذهبت مسرعة لجاسر وأوهمته أن خير الله قد اشترى منها قماشا ملونا وأهداه لحبيبته، ولأن كل ذلك يعتبر عارا كبيرا وتعدي على القيم والعادات عند أهل الواحة، قرر جاسر الإنتقام من صديقه، ففي أعرافهم يعرف أن ابن العم يطيح بنت العم على الفرس"، أي أنه هو الأحق والمسئول عن إبنة عمه سواء في الزواج أو الحماية، فلابد أن يوافق على زواجها، وبالفعل عندما تقدم خير الله لخطبتها تفاجأ بصديق عمره أنه قرر أن يربط إبنة عمه، دون أن يخبره عن السبب أو يخبر أي شخص، وهنا جن جنون خير الله فكيف ذلك، ومالسبب الذي دفعه لأن يرفض بعدما كان مرحبا بالزواج، كل تلك الأسئلة كانت تدور في ذهنه دون أن يجد لها إجابة.
عندما وجد زقزوق صديقه الوحيد خير الله حزينا ومكتئبا قرر أن يساعده ويصلح الخطأ الذي قام به، وبالفعل ذهب لجاسر وأعترف له بكل شيء، وهنا علم جاسر أنه تسرع في الحكم على صديقه، وبعد تلك المعاناة التي عاشها خير الله وزينة والحزن الذي عشش في قلوبهم، تزوجا وأقيمت لهم الأفراح والليالي الملاح.
عرض الزينة لمؤلفه الدكتور محمد أمين عبد الصمد الذي قدم نصا مميزا، يعكس عمق البيئة البدوية، ويعتبر صاحب فرصة في توظيف وإستلهام فنون هذا المجتمع من أغاني وموسيقى وفنون حركية، وحرص دكتور محمد أمين عبد الصمد على تقديم صورة حقيقية لتنويعة ثقافية مصرية فاعلة ومتميزة رغم عدم معرفة الكثيرين بهاوبمكوناتها، وحرص كذلك على استخدام لهجة المجتمع لخلق ذاكرة سمعية لدى المتلقى، ومن هنا أكد فكرة وقيمة التنوع الثقافي في مصر، بالإضافة إلى تقديمه حوارا قويا وأحداثا مشوقة.
الحقيقة أن عناصر العرض المسرحي كانت منسجمة بشكل كبير، فالملابس التي صممتها المهندسة منار حازم، كانت تحاكي الواقع بشكل كبير، فقد أبدعت في تصميم الملابس لكل شخصية، وكانت الأغاني خلال العرض المسرحي لها نصيب الأسد، فقد قدموا أغاني بدوية يطلق عليه "شتاوي"، فهذا النوع أضفى روحا جميلة على العرض المسرحي بالإضافة للصوت العذب الذي قدمها لكلا من ماهر محمود والذي لعب دور خير الله، وشيماء يسري التي لعبت دور الزينة، وبالرغم كون الأغاني من التراث إلى أن إعادة توزيعها وتأليفها الموسيقى للمبدع حازم الكفراوي ومحمد الكاشف جعلها أكثر تماسا مع الجمهور.
هذا بجانب عنصر الإضاءة الذي برع فيه مصمم الإضاءة عز حلمي، فلأن العرض يقدم في صحراء نجد أن عنصر الإضاءة في معظم العروض لم يأخذ حقه، ولكن في عرض الزينة ركز حلمى على أن تكون الإضاءة بطلا من أبطال العرض المسرحي.
كل ذلك بالإضافة إلى التمثيل، فقد برع مخرج العرض في تسكين كل دور، بداية من الراوي، الذي إختار فيه الفنان المبدع عزت زين، فبمجرد رأيته في العرض تبث في المشاهد روح التفائل والطمأنينة، فمبالك أنه يقدم دور مثل الراوي الذي يرتبط دائما في أذهاننا ونحب سماع القصة منه، أما أبطال العرض مثل الفنان ماهر محمود والفنان محمود عبد المعطي، فالحقيقة أن أول ما لفت النظر له هو ظهورهم الأول وهم على ظهر حصان، فقلما في مثل هذه العروض أن نجد الممثل يجيد ركوب الخيل أيضا، أما شيماء يسري التي قامت بدور زينة فكان لحضورها وصوتها بجانب صوت ماهر محمود تميزا وإبداعا للغاية، ولا نستطيع أن ننسى هبة قناوي التي قامت بدور الشوافة ودينا أحمد ( ثريا) وساندرا سامح (صديقة زينة) ومحمود كالابالا ( شيخ القبيلة)، ومصطفى شيتوس (شيخ القبيلة)، فكل هؤلاء أبدعوا بشكل لافت ووجودهم أضفى طاقة وحيوية جعلت العرض متقنا ومميزا.
وحقيقة الأمر أن لولا وعي وإبداع مخرج العرض عادل حسان، الذي تجلى في إختيار الممثلين بعناية وتنسيق العناصر المسرحية بشكل متناغم، لما حقق العرض هذا التأثير الكبير، فإن قدرته على توظيف كل تفصيلة صغيرة في العرض جعلت من العمل الفني تجربة متكاملة تنبض بالحياة.
عرض الزينة
عرض الزينة
عرض الزينة
عرض الزينة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق