في قمة "كوب 29"، التي عقدت في باكو، عاصمة أذربيجان، اعتمدت الدول اتفاقًا تاريخيًا لتوفير 300 مليار دولار سنويًا لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة آثار تغير المناخ. ومع ذلك، أثار هذا الاتفاق ردود فعل متباينة، حيث انتقدته الدول المتلقية واعتبرته غير كافٍ لمعالجة التحديات الهائلة، التي يواجهها العالم.
وهم بصري
ويهدف هذا الاتفاق إلى توفير التمويل اللازم للدول النامية للتعامل مع العواقب المدمرة لتغير المناخ. وقد تم التوصل إليه بعد مفاوضات شاقة استمرت لأسبوعين، حيث ناضل ممثلو الدول للتوصل إلى توافق في الآراء. وقد حظي الاتفاق بتصفيق حار من بعض المندوبين، لكن الآخرين انتقدوا الدول الغنية لعدم بذل المزيد من الجهد.
وقالت تشاندني راينا، ممثلة الوفد الهندي في الجلسة الختامية: "إن هذه الوثيقة ليست أكثر من وهم بصري. إنها لن تعالج حجم التحدي الذي نواجهه جميعًا. نحن نعارض اعتماد هذه الوثيقة"، وسلطت تصريحاتها الضوء على الشكوك التي تحيط بهذا الاتفاق.
ويعد توفير التمويل الكافي للدول النامية أمرًا بالغ الأهمية للتصدي لتغير المناخ. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر السهل. فالدول الغنية تواجه قيودًا مالية، في حين أن الدول النامية تكافح من أجل التعامل مع تكاليف العواصف والفيضانات والجفاف.
وأعربت بعض الدول النامية والدول الجزرية عن إحباطها من عدم كفاية التمويل، حيث قالت تينا ستيج، مبعوثة جزر مارشال المعنية بتغير المناخ: "نحن نغادر مع جزء صغير فقط من التمويل الذي نحتاجه بشكل عاجل. إنه ليس كافيًا على الإطلاق، لكنه بداية".
أهداف طموحة
وتسعى الدول من خلال هذا الاتفاق إلى تحقيق أهداف طموحة، بما في ذلك الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن العالم يسير على الطريق الصحيح للوصول إلى ارتفاع في درجة الحرارة بمقدار 3.1 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن.
وفشل الاتفاق في تحديد خطوات مفصلة للانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري وثلاثية طاقة متجددة القدرة هذا العقد. وقد ألقى بعض المفاوضين باللوم على المملكة العربية السعودية في عرقلة هذه الخطة.
وكشف الاتفاق عن انقسامات بين الدول الغنية والفقيرة. حيث تطالب الحكومات الأوروبية دولًا أخرى، بما في ذلك الصين والدول الغنية بالنفط في الخليج، بالمساهمة في التمويل. ومع ذلك، فإن الاتفاق لا يلزم الدول النامية بتقديم مساهمات.
وأدت التوترات الجيوسياسية، بما في ذلك الحرب الروسية في أوكرانيا والنزاعات المتزايدة في الشرق الأوسط، إلى تراجع الاحترار العالمي في قائمة الأولويات الوطنية. كما أن ارتفاع التضخم يضيف ضغوطًا على الميزانيات الحكومية.
تأثيرات مدمرة
وعلى الرغم من الاتفاق، فإن مستقبل العمل المناخي لا يزال غير مؤكد. فهناك شكوك حول ما إذا كانت الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، ستفي بالتزاماتها المالية بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية. وقد عبر ترامب عن شكوكه في تغير المناخ ووعد بالانسحاب من التعاون الدولي.
وهنأ الرئيس جو بايدن المشاركين في "كوب 29"، لكنه أقر بالحاجة إلى المزيد من العمل. وقال: "بينما لا يزال هناك عمل كبير أمامنا، فإن هذا الاتفاق يقربنا خطوة كبيرة".
وفي عام 2024، من المتوقع أن يكون هذا العام الأكثر حرارة على الإطلاق. وقد تسببت الفيضانات والانهيارات الأرضية والجفاف في خسائر فادحة في الأرواح في جميع أنحاء العالم. ففي أفريقيا، قتلت الفيضانات الآلاف، وفي آسيا، دفنت الانهيارات الأرضية القاتلة القرى، وفي أمريكا الجنوبية، يتسبب الجفاف في تقلص الأنهار، وحتى الدول المتقدمة لم تسلم من هذه التأثيرات، حيث شهدت إسبانيا والولايات المتحدة فيضانات مدمرة هذا العام.
وفي حين أن اتفاق "كوب 29" يمثل خطوة إيجابية، إلا أن السؤال يبقى: هل يكفي هذا التمويل لإنقاذ الكوكب من آثار تغير المناخ المدمرة؟ إن تحقيق أهداف اتفاقية باريس يتطلب جهودًا متضافرة من جميع الدول، والالتزام بالتعهدات المالية أمر بالغ الأهمية، فمستقبل كوكبنا يعتمد على العمل الجماعي والالتزام بالتصدي لتغير المناخ.
0 تعليق