ظل الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، يقاوم دعوات إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بخفض سن التجنيد من 25 إلى 18 عاماً، مشيراً إلى حساسية إرسال رجال أصغر سناً للقتال في مجتمع يواجه بالفعل أزمة ديموغرافية، لكن مع استمرار روسيا في تجديد صفوف مقاتليها، يكافح الجيش الأوكراني للعثور على عدد كافٍ من الشباب لسدّ الفجوات في الجبهة.
وتعكس سلسلة من المقابلات مع ضباط أوكرانيين، تحدّثوا دون الكشف عن هوياتهم، نظراً لحساسية القضية، صورة مقلقة لجهود الحرب الأوكرانية. ويروي جندي يخدم حالياً في لواء الدفاع الإقليمي رقم 114 في أوكرانيا، والذي كان متمركزاً في نقاط ساخنة مختلفة على مدى العامين الماضيين: «الأشخاص الذين نستقبلهم الآن ليسوا مثل الأشخاص الذين كانوا هناك في بداية الحرب»، مضيفاً: «أخيراً استقبلنا 90 شخصاً، لكن 24 منهم فقط كانوا مستعدين للانتقال إلى المواقع. أما البقية فكانوا من كبار السن أو المرضى أو مدمني الكحول. قبل شهر، كانوا يتجولون في كييف أو دنيبرو والآن هم داخل الخنادق، وبالكاد يستطيعون حمل سلاح، ما يعكس تدريباً وتجهيزاً سيئين».
وذكر مصدران في وحدات الدفاع الجوي لصحيفة «الغارديان»، أن العجز في الجبهة أصبح حاداً لدرجة أن هيئة الأركان العامة أمرت وحدات الدفاع الجوي المستنفدة بالفعل بتسريح مزيد من منتسبيها لإرسالهم إلى الجبهة كقوات مشاة.
مستوى حَرِج
وقال أحد المصادر: «لقد وصل الأمر إلى مستوى حرج، حيث لا يمكننا التأكد من أن الدفاع الجوي يمكن أن يعمل بشكل صحيح»، مضيفاً أنه يشعر بأن الوضع يشكّل خطراً على أمن أوكرانيا.
وتابع المصدر: «هؤلاء الطيارون يعرفون كيف يعمل الدفاع الجوي، وقد تدرب بعضهم في الغرب ولديهم مهارات حقيقية، والآن يتم إرسالهم إلى الجبهة للقتال، على الرغم من أنهم لم يتلقوا تدريباً بشأن هذا الوضع الجديد».
ولفت المصدر إلى أن القادة يستغلون الأوامر لإرسال جنود لا يحبونهم إلى الجبهة عقاباً لهم. وهناك أيضاً خوف من أن هؤلاء الجنود المزودين بمعرفة حساسة حول مواقع وتكتيكات الدفاع الجوي الأوكرانية، من الممكن أن يقدموا معلومات مهمة إذا تم القبض عليهم من قبل الروس في الجبهة.
وفي الشهر الماضي، زعمت عضو برلماني صريحة ومثيرة للجدل، اسمها ماريانا بيزوهلا، في منشور كتبته على «تيليغرام»، أن قوات الدفاع الجوي يتم نقلها إلى وحدات المشاة، ما يؤدي إلى انخفاض معدلات نجاح أوكرانيا في إسقاط الطائرات دون طيار الروسية.
وأكد المتحدث باسم قوات الدفاع الجوي، يوري إهنات، في ذلك الوقت، أن عمليات النقل كانت جارية، قائلاً: «إنها كانت مؤلمة للغاية»، لكنه نفى أن يكون ذلك قد أثّر في معدلات إسقاط الطائرات دون طيار. ويقول أولئك الذين تحدثت إليهم «الغارديان»، إن المطالب المتزايدة بالتحويلات تجعل من الصعب إدارة وحدات الدفاع الجوي بشكل صحيح.
وقال مصدر آخر، وهو ضابط يعمل في الدفاع الجوي: «لقد استمر هذا الوضع لمدة عام، لكنه كان يزداد سوءاً، لقد انخفضت القوة الكاملة للدفاع الجوي بالفعل إلى أقل من النصف، وفي الأيام الأخيرة جاءت لجنة تريد تجنيد عشرات الطيارين كجنود مشاة مثل غيرهم، وتركت في الدفاع الجوي أولئك الذين تزيد أعمارهم على 50 عاماً والمصابين، من المستحيل إدارة أشياء مثل هذه».
طوابير التطوع
وفي حين شهدت الأشهر الأولى من الحرب في فبراير 2022، طوابير من الأوكرانيين المستعدين للتطوع، وذهب مئات الآلاف من المواطنين طواعية إلى الجبهة، ظلت التعبئة تشكّل تحدياً كبيراً لكييف على مدار العام الماضي، حيث تجولت فرق من ضباط التجنيد في الشوارع ووزعت أوراق استدعاء للتجنيد، ومُنع الرجال في سن التجنيد من مغادرة البلاد منذ بدء الحرب.
ويفهم معظم الأوكرانيين الحاجة إلى التعبئة، لكن سياسة التجنيد غير شعبية على المستوى الشخصي، وغالباً ما تواجه فرق التجنيد، الغضب والإساءة أثناء بحثها عن مجندين جدد.
وفي إشارة واضحة إلى تغير المواقف في البلاد، كشف استطلاع للرأي أجراه مركز «رازومكوف»، ومقره كييف خلال الصيف، أن 46% من المستجيبين وافقوا على أنه «لا عيب في التهرب من الخدمة العسكرية»، بينما عارض ذلك 29% فقط.
كييف وواشنطن
وأدى نقص الأفراد إلى توتر العلاقات بين كييف وواشنطن خلال الأشهر الأخيرة. وشعر المسؤولون في إدارة بايدن بالانزعاج، بعد أن طالب زيلينسكي ومسؤولون آخرون بشكل متكرر بمزيد من الأسلحة، على الرغم من أن كييف لم تتمكن من تعبئة القوى العاملة اللازمة لتعبئة الصفوف.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، شون سافيت، في بيان الشهر الماضي: «القوى العاملة في الجيش هي الحاجة الأكثر حيوية وإلحاحاً لأوكرانيا في الوقت الراهن». وأضاف: «نحن مستعدون أيضاً لزيادة قدرتنا التدريبية إذا اتخذوا الخطوات المناسبة لتعبئة صفوفهم».
ويشعر المسؤولون الأوكرانيون بأن الدعوات العامة من قبل الولايات المتحدة، لخفض سن التعبئة إلى 18 عاماً كانت حساسة وغير مناسبة. ووسعت أوكرانيا حملة التعبئة في أبريل، وخفضت سن الاستدعاء إلى 25 عاماً بدلاً من 27، لكن أغلبية الأوكرانيين، حتى أولئك الذين هم في الجبهة، يحذرون من خفضها أكثر، مشيرين إلى الحاجة إلى حماية الجيل الأصغر سناً.
وقال العديد من الجنود إن الطريقة لتعزيز معدلات التعبئة، ليست بخفض سن الاستدعاء، وإنما من خلال تقديم حوافز أفضل والمزيد من التدريب. وأضاف جندي من اللواء 114: «الأمر لا يتعلق بالعمر حقاً، فهم بحاجة إلى ظروف جيدة وحافز. إن الشباب في سن الـ18 مازالوا أطفالاً. ربما يمكنهم خفض السن إلى 23 عاماً، إذا لزم الأمر، لكن لايزال هناك عدد كافٍ من الأشخاص في كييف يمكن تعبئتهم لكنهم لا يريدون الذهاب». عن «الغارديان»
مشهد متكرر
بعد حلول الظهيرة في مدينة كوفيل غرب أوكرانيا، كان هناك رجل أشيب يرتدي زياً عسكرياً ويستعد للصعود إلى القطار. عانقه صبي صغير ممسكاً ركبتيه، ومصراً على عدم إفلاته، فنادته والدته وهي تسحبه بعيداً: «تعال يا (ديما)، اترك جدك يستقل القطار»، بعد بضع دقائق، انطلق القطار من المحطة وعلى متنه الرجل، متوجهاً إلى شرق البلاد في رحلة طويلة نحو الخطوط الأمامية في القتال ضد روسيا، ولوّحت له ابنته وحفيده من على الرصيف، وكلاهما يبكي.
يتكرر مثل هذا المشهد الآن في أوكرانيا، حيث يتكون الجيش المنهك والمستنزف بشكل متزايد من رجال أكبر سناً، ومع اقتراب البلاد من ثلاث سنوات من الحرب الشاملة مع روسيا، وانتظارها بقلق وصول الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، فإن النقص الحاد في الأفراد على الجبهة يمثّل معضلة كبيرة لأوكرانيا.
. نقص الأفراد أدى إلى توتر العلاقات بين كييف وواشنطن خلال الأشهر الأخيرة، وشعرت إدارة بايدن بالانزعاج بعد أن طالب زيلينسكي ومسؤولون آخرون - بشكل متكرر - بمزيد من الأسلحة، على الرغم من أن كييف لم تتمكن من تعبئة القوى العاملة اللازمة لتعبئة الصفوف.
0 تعليق