مبدعون عن مستقبل كتاب الطفل العربي: متفائلون بحذر - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

أكد مبدعون في مجال أدب الطفل أن جيل زمن الذكاء الاصطناعي وفضاءات التكنولوجيا صعّب المهمة على العاملين في هذا الميدان، إذ إن على الكتّاب والرسامين مجاراة تطور هذه العوالم، واستخدام لغة تتماشى مع واقع أبناء هذا العصر الذي يتسارع بشكل كبير كل يوم.

وأعرب صناع لأدب الطفل، التقتهم «الإمارات اليوم» على هامش مهرجان الشارقة القرائي للطفل، الذي اختتم أخيراً، عن تفاؤلهم، لكن بحذر، بمستقبل كتب الأطفال والناشئة، لاسيما وسط المغريات الكثيرة التي تتجاذبهم، معترفين بمسؤولية المبدعين في الوقت ذاته عن القطيعة ما بين بعض أبناء هذا الجيل والكتاب الورقي بشكل خاص، بسبب أنهم «لا يجدون أنفسهم فيه، ولا يعبر عنهم، إذ لا يحترم عقولهم».

وطالب المبدعون بضرورة إنتاج «كتب تشبه أطفالنا، وتحاورهم بصدق، وتمنحهم صوتاً، وتضعهم في قلب المعادلة، لا على هامشها».

إمكانات.. وتحديات

من ناحيتها، أعربت الكاتبة الأردنية، ديمة العلمي، عن «تفاؤلها الحذر» حول مستقبل كتاب الطفل في العالم العربي، إذ يحمل الكثير من الإمكانات، لاسيما مع ازدياد الوعي بأهمية تمثيل الطفل العربي بلغته، وهويته وخصوصية مجتمعه.

وقالت إن «مستقبل كتاب الطفل لن يُبنى من فراغ، فهناك حاجة إلى استثمار حقيقي في الكتّاب والناشرين والمبادرات المستقلة التي تضع الطفل في قلب المعادلة، لا على هامشها». وأشارت إلى أن هناك حاجة إلى كتب تشبه أطفالنا، وتحاورهم بصدق، وتمنحهم صوتاً، مشددة على أنه إذا ما استطعنا إعادة تعريف جودة الكتاب من منظور الطفل لا من منظور الراشد، فسيكون مستقبل كتاب الطفل أكثر إشراقاً، وصدقاً وتأثيراً، وحول مدى محاكاة كتاب الطفل لواقعه، أبدت العلمي أسفها لأن هذه المحاكاة لا تحضر دائماً، فالكثير من الكتب الموجهة لهذا الجيل مازالت أسيرة تصورات قديمة عن الطفولة، ولا تواكب التغيرات السريعة في عالم اليوم، خصوصاً واقع التكنولوجيا المتغلغلة في تفاصيل حياته اليومية.

وأشادت بالجهود الصادقة من قبل مؤلفين وكتّاب عرب يحاولون ردم هذه الفجوة من خلال قصص تحاكي يوميات الطفل بين الشاشة والواقع، وتطرح أسئلة عميقة عن الهوية والانتماء والخيال دون أن تقع في فخ التوجيه أو التلقين.

ورأت على أن ما هو مطلوب اليوم، ليس الحديث فقط عن التكنولوجيا، بل توظيفها كأداة لتمكين الطفل من التفكير النقدي وفهم العالم من حوله، وليس التفاعل معه فحسب.

تطوير الأدوات

من جانبه، رأى الشاعر المصري، عبده الزراع، أن كاتب قصص الأطفال لابد أن يعمل على نفسه على نحو كبير، ليواكب طفل اليوم، الذي يمتلك الكثير من «الميديا» من مواقع التواصل الاجتماعي إلى فضاءات الإنترنت المختلفة، وشدد على ضرورة أن يطور المبدع أدواته، لأن الطفل تدهشه الصورة أكثر من الكلام.

وحول القطيعة بين الكتاب وطفل هذا العصر، طرح الزراع العديد من الطرق التي يمكن من خلالها بناء علاقة سليمة بين هذا الجيل والصفحات، ومنها القصص المبهرة والرسومات الجميلة والإخراج الجيد والورق المصقول، وكذلك الورش التفاعلية التي تقام في المحافل الثقافية وتجمع المبدع بالأطفال، وأضاف «لابد من الاجتهاد للوصول إلى عقل ومخيلة الطفل، الذي أصبح ممتلكاً لكم كبير من المعلومات والخبرة الحياتية، وحول المستقبل، أشار إلى أن كتاب الطفل سيستكمل مسيرة ازدهاره، لاسيما أننا نشهد بروز دور نشر جديدة خاصة بأدب الطفل، وهناك إقبال كبير جداً من الأطفال على الكتاب، معتبراً أنه في السنوات الـ10 الأخيرة هناك صحوة في مجال أدب وثقافة الأطفال في الإمارات خصوصاً، والعالم العربي عموماً، علاوة على وجود مسابقات كبرى، أوجدت جيلاً جديداً يكتب للطفل سعياً لكسب الجوائز، وهذا حق مشروع لأي كاتب.

وعن الذكاء الاصطناعي وما يحمله من فرص وتحديات في هذا الميدان، ذكر الشاعر المصري أن الكاتب المتمكن الذي يمتلك أدواته القوية سيستفيد من هذه التقنيات الحديثة في توليد الأفكار وتطويرها وتقديم المعلومات البحثية في وقت وجيز، بينما الاعتماد على الذكاء الاصطناعي تماماً سيؤدي إلى بروز قصص مشوهة.

دخلاء على المهنة

في المقابل، رأى الدكتور إيهاب القسطاب أن الكتاب الذي يوجّه للطفل لا يحاكي عالمه شكلاً ومضموناً، وهذا ما أدى إلى ظاهرة ابتعاد الطفل عن الكتاب لأنه لا يمسه، فضلاً عن الكثير من الدخلاء على هذا المجال، وكذلك وجود بعض الهواة الذين لم يتلقوا أي دراسات خاصة بسيكولوجية الطفل أو آليات الكتابة، ما أدى الى كوارث في الأدب الموجه لهذه الفئة، وأضاف القسطاب: «بسبب هذه الظاهرة ابتعد الأطفال عن الكتاب واستعاضوا عنه بمواقع التواصل الاجتماعي، لأن الكتاب لم يعد يقنع الطفل، نتيجة الأفكار التي يقدمها، دون مراعاة الأبعاد النفسية والاجتماعية والتكنولوجية للناشئة»، وأكد أنه لا يمكن الاستعاضة عن الكتاب، ولكن لابد من مراعاة المتغيرات، وضرورة استثمارها للتشجيع على القراءة التي تعد نافذة الطفل للإبداع.

واعتبر أن تطوير كتاب الطفل يتطلب تجديد الأفكار التقليدية التي تقدم للطفل الذي بات أكثر اضطلاعاً ولا يمكن الاستخفاف بعقله، والتفكير باهتماماته، وتقديم لغة تراعي ما يفهمه، لافتاً إلى أن من يرى نفسه موهوباً في الكتابة للطفل، لابد أن يثقف نفسه في كيفية التقدم لهذا الجيل باللغة المناسبة والموضوعات الملائمة لتفكيره.

وشدد على أن كتاب الطفل باقٍ في المستقبل، على الرغم من كل التخوفات من اختفائه نتيجة التطورات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن الأخير لا يبدع، إذ يقوم على التغذية من البيانات التي يقدمها البشر.

ونوه القسطاب بمؤشرات مهمة تؤكد تطور صناعة أدب الطفل، ومنها إطلاق أول دبلوم جامعي متخصص في أدب الطفل نهاية هذا العام، وإنشاء مرصد للدراسات الأدبية الموجهة للطفولة وتحليل الكتاب والخطاب الموجه للطفل، وهي بمجملها ستضيف الكثير للمشهد الإبداعي الخاص بأدب الطفل.

تحفيز المخيلة

من جهتها، قالت رسامة كتب الأطفال الفلسطينية، براء العاوور، إنها من خلال الأعمال البصرية التي تقدمها تسعى دائماً إلى التركيز على تحفيز مخيلة الصغار، لأن كل واحد منهم يحتاج إلى تطوير خياله، لاسيما في ظل وجود منصات التواصل الاجتماعي والعالم الإلكتروني.

وأشارت إلى أن مستقبل كتاب الطفل وتطويره يرتبط بمختلف عناصر صناعة الكتاب، بدءاً من النص إلى الرسوم والإخراج والطباعة وكذلك الأنشطة التي تنظم مع الأطفال بعد إصدار الكتاب، فالعمل يقوم على التوازن بين النص والرسم والتناغم الفكري واللغوي، ويقدم فناً حقيقياً للطفل، لافتاً إلى أن القارئ الصغير يحتاج الى إبداع حقيقي يأخذه من عالم لعالم آخر، وأوضحت براء العاوور أنها في عملها تركز على الألوان والتفاصيل، وتسعى دائماً إلى الإضافة من خلال الرسومات على النص، دون الاكتفاء بترجمته أو تكراره عبر الرسومات، معتبرة أن هذا الأسلوب يليق بذكاء الطفل وتمييزه بين الرسومات المترجمة لحرفية النص أو المضيفة له.

ورأت أن جيل هذا العصر يجعل من مهمة العاملين في مجال أدب الطفل أصعب، ولكن هذا يوجد نوعاً من التحدي، فهي كرسامة تسعى إلى جذب الأطفال من خلال توجيه رسالة أن الرسم لهم وعنهم، وأن الكتاب يتيح استكشاف العالم بالخيال والمتعة.

وتابعت: «انطلاقاً من النظريات العلمية التي تؤكد أن الطفل يفهم العالم من خلال ما يراه وليس ما يسمعه أو يقرؤه، فالمحتوى البصري يجب أن يكون ذكياً ومناسباً للمرحلة العمرية للطفل، بدءاً من الفترة المبكرة التي يتعرف فيها على المفاهيم الأولية المجردة من خلال الرسومات، ثم المرحلة اللاحقة التي يرتبط خلالها الطفل عاطفياً بعناصر الكتاب البصرية ويبني علاقات مع أبطال القصص، ثم التي تمتد من ثماني سنوات إلى 12 سنة، والتي يحتاج فيها إلى نص بصري عميق وقائم على الخيال والرمزية لأنه يبدأ بربط وتحليل الرسومات».

ثورة في الطباعة

من جهتها، سلطت خبيرة تطوير وتحسين المدارس في هيئة الشارقة للتعليم الخاص، الدكتورة رنا نزال، الضوء على التطور الذي يشهده أدب الطفل، والثورة في الطباعة للفتيان والفتيات، وأشادت بتجربة الغرب في تطوير الكتاب سواء من خلال الرسومات أو المضمون، أو كذلك تقديم الكتاب القماشي للصغار جداً، داعية إلى ضرورة الاستفادة من تلك التجارب، متسائلة عما يتم تقديمه من محتوى لطلبتا الصغار في الأدب، وأشارت إلى أن هناك تحدياً كبيراً في تطوير العناوين الخاصة بالطفل، لأن طبيعة الكتب المقدمة بشكلها الإخراجي والتصويري في واقع متسارع يستدعي استنهاض الهمم وتفريغ الكتّاب ووضع التشريعات والارتقاء بالعمل لاستدعاء الفنانين من المستويات التصميمية وإعداد البرمجيات من أجل تقديم تصورات أولية تتيح للكتاب إعادة صياغة المحتوى على نحو مميز.

ورأت أن هذا قد لا يتحقق بالسرعة المطلوبة، فمحتوى الكتب التي تقدم لا يحاكي الواقع، والمشكلة تكمن في عدم إدراك كتّاب أن الطفل بات كبيراً في فكره وخبراته، مشددة على أهمية احترام ذكاء الأطفال ومحاكاتهم كعقلاء.

وأكملت: «كان هناك استبشار بالذكاء الاصطناعي الذي يولد أفكاراً، ولكن لابد من وضع استراتيجيات وأطر لتطوير الكتاب مع التسارع الذي يحصل في عالم التكنولوجيا».


تطور عملية القراءة

الكتب الموجهة للجيل الجديد مازالت أسيرة تصورات قديمة. تصوير: إبراهيم صادق

قال منسق اللغة العربية في مدرسة العلا الخاصة، إسلام الصانع، عن مكتبات المدارس المخصصة للطلبة الصغار، إنه من خلال خبرته في التعليم وجد أن مكتبات المدارس تهتم بتنوع العناوين الخاصة بالصغار، وشهدت المزيد من التطوير مع إطلاق مبادرة «تحدي القراءة العربي».

وأشار إلى أن هناك مدارس تتبنى العديد من المشروعات التي تعزز العلاقة بين الطالب والكتاب، لافتاً إلى أن عملية القراءة شهدت الكثير من التطور، إذ لم تعد اليوم محصورة في الكتاب الورقي الذي طور أشكاله عبر الزمن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق