في 12 نوفمبر الجاري أعلن رئيس الولايات المتحدة المنتخب دونالد ترامب أنه سيعين الملياردير إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، ليقود وزارة قانونية تم استحداثها، تدعى «وزارة الكفاءة الحكومية»، إلى جانب ملياردير التكنولوجيا والمرشح السابق للرئاسة الأميركية فيفيك راماسوامي. وستكون مهمة الإدارة الجديدة كبح جماح البيروقراطية الحكومية، والحد من الإنفاق الحكومي، وتقليل الأنظمة والقوانين.
وكان ماسك صريحاً في دعمه لحملة ترامب، التي تضمنت «هدايا» مالية غير قانونية محتملة للناخبين. وعلى الرغم من أن مشاركة ماسك المباشرة في السياسة الانتخابية جديدة فإن محاولات شركات التكنولوجيا وقادتها لإعادة تشكيل السياسة العامة والحوكمة لها تاريخ طويل، بدءاً من النقل والإسكان إلى تخطيط المدن.
وقد نتمكن من الحصول على معاينة لما ستحاول «وزارة الكفاءة الحكومية» التي أنشأها ماسك القيام به من خلال النظر عن كثب في بعض هذه المبادرات، وكيف يمكن أن تبدو الحكومة القائمة على التكنولوجيا، وما قد يحدث من أخطاء.
استبدال الخدمات العامة
اقترح ماسك في عام 2013 شكلاً جديداً من النقل العام يدعى «الهايبرلوب» لربط مدينة لوس أنجلوس بسان فرانسيسكو. وتمثل شركة «سبيس إكس» التي أنشأها ماسك محاولته للتغلب على وكالة «ناسا» الممولة من القطاع العام في بناء الصواريخ، ولكن بعض شركات التكنولوجيا كان لها طموحات مماثلة.
وقامت شركة «أوبر» بسلسلة من المحاولات لاستبدال النقل العام، وبذلت شركات مثل «سايدواك لابس» وهي شركة تابعة لشركة «ألفابيت»، وهي الشركة الأم لـ«غوغل»، لاستبدال البنية التحتية المدنية من خلال بناء ما يسمى «المدن الذكية» التي تجمع وتحلل البيانات حول سلوك الناس من أجل اتخاذ القرارات بشأن تقديم الخدمات.
واقترح أحد علماء الاقتصاد أن متاجر كتب شركة «أمازون» يمكن أن تحل مكان المكتبات العامة، وتحدت شركات التكنولوجيا العروض العامة في مجالات متنوعة مثل التعليم والتحقق من الهوية والإسكان.
حدود الابتكار الثوري
كان الشيء المشترك بين العديد من المشاريع الحكومية القائمة على التكنولوجيا هو الاعتقاد بأن الحكومة غير فعّالة من الأساس، وأن التكنولوجيا (غير المحكومة بالأنظمة والقوانين) يمكن أن توفر حلولاً أفضل.
وتبنت شركات «سليكون فالي» التقنية منذ زمن «الابتكار الثوري»، وهي فكرة الإطاحة بالوضع الراهن المحتضر من خلال الابتكار. وعلى النقيض من البيروقراطيات العامة يقول أصحاب هذا الرأي إن الشركات قادرة على «التحرك بسرعة وكسر الأشياء» لإيجاد طرق جديدة وأكثر كفاءة لتقديم الخدمات والقيم.
وقدمت شركات التكنولوجيا التي تتبع هذه الفلسفة بالتأكيد خدمات تفيد الكثير منا في حياتنا اليومية وحققت مبالغ ضخمة من المال، ولكن هذا لا يعني أن نموذج «وادي السليكون» منطقي للإدارة العامة، ففي الواقع تشير الأدلة إلى أن النتائج قد تكون عكس ما هو مطلوب.
تاريخ من الفشل
كانت نتائج محاولات التكنولوجيا لتوفير الخدمات العامة مختلطة، ففي عام 2017 استبدلت بلدة «انيسفيل» الكندية جميع وسائل النقل العام الخاصة بها بشركة «أوبر» للسيارات، وكانت النتيجة ارتفاع التكاليف بالنسبة للمدينة (في الرسوم المدفوعة لشركة أوبر)، وزيادة عدد السيارات على الطريق، وارتفاع تكاليف النقل للسكان من ذوي الدخل المنخفض.
وتم التخلي عن تجربة شركة «سايدواك لابس» في مدينة تورنتو عام 2021 بعد مواجهة اعتراضات تتعلق بالخصوصية والتخطيط، وأدى «الابتكار الثوري» إلى تفاقم المشكلات القائمة في حالة الإسكان، حيث أسهمت شركة «إيربي إن بي» وشركات الإيجار قصيرة الأجل الأخرى في أزمة الإسكان.
حلول ضيقة
تميل شركات التقنية أيضاً إلى التركيز على نطاق ضيق نسبياً من المشكلات، فقد ساعد وادي السليكون في العثور على سيارة أجرة، واختيار مطعم لتناول العشاء، والتنقل بكفاءة في أنحاء المدينة، وتحويل الأموال إلى الأصدقاء، والبحث عن أفضل مسكن للإيجار لقضاء إجازتنا.
وهذا لا يعني أن وادي السليكون لديه الحل، فقد قدم عدد أقل من الحلول لإيجاد مساكن منخفضة الدخل، أو توفير الرعاية للمسنين، أو الحد من استهلاكنا للطاقة، وهناك أسباب مهمة وراء ذلك، فشركات التكنولوجيا تريد توليد الإيرادات من خلال استغلال المستهلكين من الطبقة المتوسطة العليا الذين لديهم دخل جيد.
ولكن هذه الفجوات تعكس أيضاً الافتقار إلى التنوع في «سليكون فالي» نفسه، فالعاملون في قطاع التكنولوجيا لايزالون في الغالب من (البيض)، ومعظمهم من الذكور، ومن الطبقة المتوسطة العليا، كما أن معظمهم لديهم تعليم عالٍ، وهذا يؤثر على أنواع المشكلات التي يراها وادي السليكون وأنواع الحلول التي ينتجها.
وينطوي ذلك على كمية كافية من المساوئ بالنسبة للقطاع الخاص، ولكن العمل في القطاع الحكومي لا يقتصر على رعاية المساهمين أو العملاء (أو حتى أولئك الذين صوتوا لصالحها)، بل رعاية جميع مواطنيها.
خدمات للقلة
يتمثل القلق هنا في أن أنواع الحلول و«الكفاءات» التي ينتجها وادي السليكون قد تنتهي بخدمة (القلة) على حساب (الكثرة)، ويظهر بعض «انعدام الكفاءة» في الخدمات العامة من حقيقة أنها مصممة لأخذ أكبر عدد ممكن من الناس في الاعتبار.
وتؤدي تدابير حماية كبار السن، وأصحاب الإعاقة، والذين ربما لا يتحدثون اللغة الإنجليزية كلغة أولى، على سبيل المثال، إلى خلق الحاجة إلى المزيد من البيروقراطية والمزيد من التنظيم.
وقال ماسك، إن «المواصلات العامة تسبب (قلقاً كبيراً) حيث من الممكن أن تقف إلى جانب أشخاص قد يكونون من القتلة المتمرسين، وبالطبع في العديد من الأماكن لا تحمل وسائل النقل العام مثل هذه الوصمة، وعلاوة على ذلك قد لا يكون لدى العديد من أولئك الذين قد يرغبون في التنقل في طائرات خاصة (أو حتى سيارات تسلا) خيار سوى تعريض أنفسهم لتقلبات الحافلة العامة».
وكان أحد أهداف إنشاء شركة «سبيس إكس» تقليل تكاليف الرحلة إلى كوكب المريخ إلى مليون دولار، وسيكون هذا إنجازاً رائعاً، لكنه يعني أن مستعمرة المريخ التي تخيلها ماسك ستظل نخبوية بشكل لا يصدق، كما أن المركبات الفضائية والحلقات الفائقة السرعة غير كافية على الإطلاق كسياسة عامة.
ضرورات غير جذابة
وعلى الرغم من أن فلسفة الابتكار الثوري تحاول التقليل من أهمية البنية الأساسية والمؤسسات القائمة فإن صناعة التكنولوجيا نفسها تعتمد عليها. وتعتمد شركة «أوبر» للنقل على سيارات وطرق (بما فيها الحكومات التي تحافظ عليها)، وتعتمد شركة «إيربي إن بي» على مبانٍ من الطوب والأسمنت (والعمالة التي تقوم ببنائها)، وكذلك شركتا «أمازون» و«إي باي» على البنية التحتية للنقل والخدمات البريدية.
وتعتمد جميع شركات التكنولوجيا على أنظمة راسخة وأنظمة تضمن التمويل، والعقارات، والضرائب، وقد تكون هذه البنى التحتية والمؤسسات القديمة غير جذابة وحتى غير فعّالة.
ولكن هذا الخلل في الكفاءات المزعومة غالباً ما يتطور بطرق تتماشى مع الإنصاف والعدالة والشمول. ولا يشير سجل شركات التكنولوجيا في وادي السليكون إلى أنها تتقاسم مثل هذه القيم. عن «آسيا تايمز»
• قدمت شركات التكنولوجيا خدمات مفيدة في حياتنا اليومية وحققت مبالغ ضخمة من المال، ولكن هذا لا يعني أن نموذج وادي السليكون منطقي للإدارة العامة.
هالام ستيفنز*
*أستاذ في جامعة «جيمس كوك» الأسترالية
0 تعليق