نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عقول على الهامش بين نور «اقرأ» وسلطة الخوارزميات - عرب فايف, اليوم الأحد 4 مايو 2025 11:46 مساءً
الفكر هو الشعلة التي تُنير درب الإنسان، وبالعقل تُبنى الأمم وتُرسى حضارات، فحين يعمل العقل يولد الفهم، قال الله تعالى في كتابه «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق» لقد بدأ الوحي بكلمة تُحرك الفكر، وتستنهض العقل، وتفتح باب العلم والتأمل.
لم يكن أول أمر إلهي موجهاً للبشرية نحو عبادات أو شعائر، بل كان نحو القراءة، لأنها مفتاح الفهم وجوهر الوعي، والعقل هو لبّ الإنسان وسر تميزه.
لكن، ماذا لو توقفنا عن القراءة؟ عن السؤال؟ عن التفكير؟ ماذا لو أصبحت التكنولوجيا تُفكر بدلاً منا وتقرر عنا وتُنجز المهام بالنيابة عن عقولنا؟ هل يبقى للإنسان حينها دور؟ أم يتحول إلى مجرد كائن تابع في عالم تصنعه الآلات؟
في زمنٍ ليس ببعيد، كان العقل هو القائد الأول، والسيد الأعلى في تفاصيل حياتنا. كنا نحل المسائل بأطراف أصابعنا، نحفظ أرقام الهواتف كما نحفظ دعاءً تردده قلوبنا قبل ألسنتنا، ونحمل في ذاكرتنا صوراً دقيقة من الحياة، لا تحفظها أي سحابة رقمية. كنا نكتب بخط أيدينا، نخربش على هوامش دفاتر المدرسة، نحفظ الدروس جميعها وكأنها جزء من ذواتنا.
لم نكن نملك خياراً غير استخدام عقولنا، ففعل التفكير كان طبيعياً، يومياً، غريزياً. علاوة على ذلك، يزداد القلق بشأن كيفية تأثير هذه التغييرات على التعليم.
فبدلاً من الفهم العميق للمواد الدراسية، يلجأ الطلاب الى أساليب التعلم السطحية، مما يؤدي إلى عدم الوعي والفهم الحقيقي. وبذلك، يخرج الجيل الجديد دون القدرة على التفكير النقدي أو تطبيق ما تعلموه في الحياة الواقعية. هذه الظاهرة تثير القلق على مستقبلهم ومهاراتهم في العمل وتفاعلهم مع الحياة اليومية.
اليوم، نرى كيف يُسلب العقل تدريجياً من الإنسان، وكيف تحل الآلة محل الفكر، نحن الان في زمن تديره خوارزميات وتُغذيه ذاكرة اصطناعية، بينما العقل البشري… يذبل في الظل. وإن استمر هذا الانحدار، فإن عقولنا، التي كانت يوماً أداة الإدراك والتمييز، ستتحول إلى عضو معطل، سيأتي يوماً نصحو فيه على واقعٍ باهت، لا نعرف فيه كيف نكتب فكرة، أو نحفظ رقماً، أو نحل مسألة بسيطة دون وساطة آلة.
سيصبح العقل، الذي كان منبع الإبداع، مجرد عضو كسول بلا وظيفة، سيفقد وظيفته شيئاً فشيئاً حتى يصبح مجرد هيكلاً خامداً يسكن الجمجمة. سيتسلل النسيان إلى أذهاننا كما تسلل الغبار إلى الكتب المهجورة، وسيأكل الزهايمر ما تبقى منها، لا بفعل الشيخوخة، بل بفعل الإهمال والانفصال التام عن وظيفة التفكير. فالذاكرة التي لا تُستخدم تضمحل، والعقل الذي لا يُفكر يموت.
ختاماً، إننا لا نخشى التكنولوجيا، بل نخشى خمول العقل في ظلها، وان يفقد الإنسان من داخله إرادته أن يبقى إنساناً لا تابعاً. نخشى أن نصبح أجساداً تتحرك بذكاء خارجي، دون روح وفكر، دون نبض ووعي، دون قدرة على الرفض أو الحلم أو السؤال. فإن لم نستعد عقولنا اليوم، فقد نستيقظ غداً على جيل لا يدرك أنه فقد أثمن ما يملكه ذاته المفكرة.
اقرأ أيضاً
« توليد الموزع باستخدام تحسين الخوارزميات » رسالة دكتوراه بكلية الهندسة جامعة أسوانتحريف القرآن في «Meta ai» يفجر جدلا واسعا.. وخبير أمن معلومات: استهداف مقصود للإساءة إلى النصوص الدينية
0 تعليق