نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
شجاعتهنَّ قياميَّة - عرب فايف, اليوم السبت 3 مايو 2025 05:13 صباحاً
حضور حاملات الطيب مع والدة الإله في حادثة صلب الربِّ يسوع المسيح ووضعه في القبر، ومن ثمَّ مجيئهنَّ إلى القبر يوم الأحد باكرًا جدًّا وعدم خوفهنَّ من الحرَّاس الرومان، ومتابعة سيرهنَّ مع علمهنَّ بأنَّهنَّ لا يستطعن دحرجة الحجر الكبير على باب القبر، ليست أمورًا عاديَّة على الإطلاق، وبخاصَّة إذا قمنا بمقارنة مع موقف الرسل الَّذين انتابهم الخوف والهلع واختبأوا من الرومان كي لا يكون مصيرهم مثل يسوع. هذا الخوف جعل بطرس الرسول ينكر يسوع ثلاث مرَّات كما تنبَّأ له الربُّ قبل صلبه.
إذًا، حضرت حاملات الطيب، وغاب الرسل، من غير أن ننسى طبعًا يوحنَّا الإنجيليَّ إلى جانب والدة الإله تحت الصليب.
الأحداث المذكورة في الأناجيل الأربعة تتنوَّع في ذكر عدد الملائكة واللقاءات. هذا غنى لأنَّ الحدث استثنائيٌّ والملائكة أصبحت على الأرض تعلن البشارة القياميَّة.
شجاعة حاملات الطيب أعطتهنَّ مقامًا كبيرًا جدًّا منذ القرون الأولى للمسيحيَّة، وذلك على كلِّ المستويات، الإيمانيَّة والليتورجيَّة والفنِّ الكنسيِّ. هي شجاعة أبناء المسيح والثقة به، والرب يجعلنا لا نتردَّد أمام الصعاب ونستمرُّ في تحقيق الهدف الخلاصيِّ المنشود.
مجيئهنَّ إلى القبر كان ينبوعًا قياميًّا تفجَّر من جنب السيِّد القائم الَّذي أراد توما الرسول معاينته ولمسه. فلقائهنَّ بالملائكة وبالربِّ خارج القبر جعل منهنَّ ملائكة القيامة المجيدة، فأسرعن إلى الرسل يبشِّرنهم بقيامة المخلِّص ويطردن الخوف والقلق من نفوسهم، ما جعل بطرس ويوحنَّا يسرعان إلى القبر ليشهدا على الحدث العظيم.
هكذا هي علاقتنا مع المسيح، فإن سمحنا له بأن يقيمنا أقمنا معنا الآخرين، ونقلناهم من الظلمة إلى النور. وصرخة «المسيح قام» ليست كلاميَّة بل هي صرخة الحياة الجديدة الَّتي إن دخلت نفوس من يسمعها تشقَّقت صخور الخطيئة في قلبه، وقام من جديد ليدخل أورشليم السماويَّة كما نرتِّل في ليتورجيَّتنا. هذا تمامًا ما نعنيه بأنَّنا صاعدون مع يسوع إلى أورشليم الأرضيَّة لنصعد معه إلى أورشليم السماويَّة. حياتنا هنا هي فرصة قيامة وصعود، هذا إذا تبنا توبة صادقة.
بالعودة إلى حاملات الطيب، فالكنيسة تخصِّص لهنَّ الأحد الثالث من زمن البدكستاريون[1]. كذلك الفنُّ الكنسيُّ غنيٌّ جدًّا منذ البداية بنقوش وأيقونات عن حاملات الطيب.
هناك نقاش حول جداريَّة ضمن لوحة (صورة رقم 1) موجودة في Dura-Europos (٢٣٢-٢٥٦ م) في سوريا قرب الصالحيَّة، تظهر مجموعة من النساء يحملن مشاعل مضاءة في أرجاء غرفة المعمودية. هناك من يعتبر أنَّ الأمر يتعلَّق بالعذارى العشر بحسب إنجيل متَّى (متَّى 25: 1-13). وهناك من يعتبرهنَّ حاملات الطيب لكون القيامة هي معموديَّة جديدة، ويوجد شمس في الجداريَّة كرمز للنور البازغ من القبر.
وهناك لوحة (صورة رقم 2) عاجيَّة من القرن الرابع الميلاديِّ حيث نرى في القسم السفليِّ منها ثلاث نسوة يتقدَّمن نحو القبر الفارغ الذي هو على شكل مبنى صغير Aediculaمؤطرًا بأعمدة. كان يستخدم في البيوت الرومانيّة الفاخرة لآلهة المنزل، وأيضًا كأضرحة مخصصة للآلهة. أستخدم هذا الشكل في الهندسة المسيحية المبكرة، ويحتوي على ذخائر مقدسة أو تكون جزءًا من تابوت مقدس أو مظلة فوق المذبح.
القبر في اللوحة يشبه إلى حد كبير المذبح الذي بناه قسطنطين أسفل كنيسة القيامة لقبر يسوع، ويتَّكئ عليه جنديَّان رومانيَّان يمينًا ويسارًا، وأحدهما في حالة نوم، وملاك جالس أمام القبر يكلِّم النسوة. وخلف القبر توجد شجرة عليها عصفوران إشارة إلى شجرة الحياة والملكوت السماويِّ. وفي القسم العلويِّ نشاهد الربَّ صاعدًا إلى السماء على الغمام ممسكًا بيد الله، وتحت الغمام تلميذان بحال ارتياب وتعجُّب.
وأيضًا من القرن الرابع – الخامس الميلاديِّ توجد لوحة[2] عاجيَّة قياميَّة (صورة رقم 3) نشاهد في القسم السفليِّ منها امرأتان أمام مبنى، تسجدان للربِّ يسوع (على الأرجح) الجالس في الخارج، يباركهما ويحمل بيده اليسرى لفيفة إشارة إلى رسالة الخلاص الَّتي تمَّمها فتحقَّقت النبوءات فيه.
نشاهد على درفتي الباب في الخلف من الأعلى إلى الأسفل، قيامة لعازر، وزكَّا العشَّار، والمسيح يعلِّم الناس.
نشاهد في القسم العلويِّ جنديَّين رومانيَّين في وضع انهزام كأنَّهما نائمان أمام القبر المقدَّس وشجرة الحياة. وفي الأعلى الثور يرمز إلى لوقا الإنجيليِّ، والملاك إلى متَّى الإنجيليِّ.
كما هناك نحتٌ عاجيٌّ من القرن الخامس الميلاديِّ تقريبًا (صورة رقم 4) ، يبرز امرأتين من حاملات الطيب، يمين القبر المقدَّس ويساره، في وضع تأمُّليٍّ. باب القبر مفتوح، إشارة إلى أنَّه أصبح فارغًا، دلالة على القيامة. وعلى جانبي القبر يجلس جنديَّان رومانيَّان نائمين، يمسك كلٌّ منهما برمحه ويتَّكئ على درعه.
النقوش على الباب من الأعلى إلى الأسفل هي على الأرجح الربُّ وإقامة لعازر، بحيث كانت إقامة يسوع لإلعازر استباقًا لقيامة الربِّ، في الوسط رأس أسد. كان وجوده شائعًا كزخرفة رومانيَّة. المسيحيَّة مسحنت رموزًا كثيرة، فأصبح الأسد مثلًا يرمز إلى نبوءة يعقوب عن المسيح[3] كأسد، وكما أتى في سفر الرؤيا[4].
المشهد في الأسفل مشهد ترقُّب للقيامة، مريم أخت لعازر وفي الجهة المقابلة شقيقتها مرتا.
كذلك هناك فسيفساء (صورة رقم 5) تعود إلى قبل العام 526م في إيطاليا Sant’Apollinare Nuovo, Ravenna نشاهد فيها امرأتين يكلِّمهما ملاك جالس أمام القبر الَّذي هو على شكل دائريٍّ ويبدو فارغًا.
في إنجيل رابولا (586 ميلادي)، توجد منمنمة ورقيَّة من جزأين (صورة رقم 6) ، تُظهر مشاهد ظهور الملاك لحاملات الطيب في الجزء السفليِّ، وصلب المسيح في الجزء العلويِّ.
ويذكر أنَّ الحجَّاج الآتين من الأراضي المقدَّسة استخدموا صناديق (صورة رقم 7) لجلب تذكارات معهم، وكان يوجد عليها رسومات من القرن السادس الميلاديِّ، من ضمنها حاملات الطيب، بالإضافة إلى ما يُعرف بقارورة مونزا من القرن السادس الميلادي (صورة رقم 8)، وعليها نقوشٌ عن الأعياد الكبرى، ومنها مشهد قدوم حاملات الطيب.
نذكر أنَّ أيقونة حاملات الطيب هي الأقدم للتعبير عن القيامة، وأنَّ أيقونة نزول الربِّ إلى الجحيم ظهرت بعد القرن التاسع الميلاديِّ تقريبًا.
يا ربُّ أقمنا معك.
إلى الربِّ نطلب.
[1]. بندكستاريون: كلمة يونانيَّة تعني الخمسين، وهو يبدأ مع أحد الفصح وينتهي ليتورجيًّا مع أحد جميع القدِّيسين، ويتخلَّله عيد الصعود الإلهيِّ (40 يومًا بعد الفصح) وعيد العنصرة (50 يومًا بعد الفصح).
[2]. كالقطعة من ضمن مجموعة Trivulzio، واشترتها بلديَّة ميلانو عام ١٩٣٥م.
[3]. «يهوذا جَرْوُ أسد، من فريسة صَعِدْتَ يا ابني، جثا ورَبَضَ كأسد وكَلَبوة. مَنْ يُنْهضُه؟» (تكوين 9: 49).
[4]. «فقال لي واحد من الشيوخِ: «لا تبكِ. هوذا قد غلَبَ الأسد الَّذي من سبط يهوذا، أصلُ داود، ليفتح السفر ويفكَّ خُتُومه السبعة» (رؤيا 5: 5).
0 تعليق