الصين: هل وصلت الرحلة إلى القمة العالمية؟! - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصين: هل وصلت الرحلة إلى القمة العالمية؟! - عرب فايف, اليوم السبت 22 مارس 2025 09:16 مساءً

بينما كنت جالسا في مقعدي على متن الطائرة المتجهة من الرياض إلى شينزين، كنت أفكر في هذا البلد الذي أصبح الشغل الشاغل للاقتصاديين والمحللين حول العالم. الدولة، التي لطالما كانت تُعرف بأنها «مصنع العالم»، أصبحت اليوم أكثر من مجرد دولة صناعية ضخمة. إنها تقود الاقتصاد العالمي، وتُعيد تشكيل النظام الاقتصادي الدولي بطرق لم نكن نتخيلها قبل عقدين فقط.

كان الهدف من رحلتي هو تجربة هذا التحول على أرض الواقع، أن أرى بعينيّ كيف استطاعت الصين تحقيق هذه القفزة الهائلة، كيف أصبح الابتكار والتكنولوجيا جزءا من حياتها اليومية، وكيف تسير البلاد بخطوات متسارعة نحو المستقبل. منذ لحظة هبوط الطائرة في مطار شينزين الدولي، أدركت أنني أمام تجربة مختلفة تماما. المطار بحد ذاته أشبه بمستقبل متجسد: أنظمة ذكاء اصطناعي تدير العمليات، روبوتات ترشد المسافرين، وتصميم معماري فائق الحداثة يعكس الرؤية الطموحة للبلاد وبنية تحتية ضخمة ودقيقة.

⁃ الابتكار «مصنع العالم» محرك الاقتصاد الجديد

عند الهبوط في مطار شينزين، كان أول ما لفت نظري هو البنية التحتية المتطورة. أنظمة الذكاء الاصطناعي تدير العمليات، والروبوتات ترشد المسافرين، والمباني المصممة بأسلوب مستقبلي تعكس رؤية طموحة. كان واضحا أن الصين لم تعد مجرد دولة تعتمد على التصنيع، بل تحولت إلى مركز عالمي للابتكار والتكنولوجيا.

خلال العقود الماضية، ارتبطت صورة الصين لدى البعض بالمصانع العملاقة والمنتجات الرخيصة، لكن الواقع اليوم مختلف تماما. وفقا لتقديرات 2025، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين 20.3% من إجمالي الاقتصاد العالمي، متفوقة على الولايات المتحدة وفقا لمعيار تعادل القوة الشرائية.

بينما كنت أتجول في شوارع شينزين، شعرت وكأنني في مدينة تسبق عصرها. لم يكن الاقتصاد قائما فقط على الإنتاج الضخم، بل أصبح الابتكار هو المحرك الرئيسي. في كل زاوية، تظهر بصمات التكنولوجيا المتقدمة؛ من السيارات الكهربائية التي تسير بلا سائق، إلى أنظمة الدفع عبر الهاتف التي جعلت التعاملات النقدية شبه منعدمة.

هي الآن لم تعد مجرد مصنع، بل أصبحت مختبرا عالميا للتقنيات الحديثة.

أثناء زيارتي لمركز تكنولوجي متقدم، بدت ملامح التحول واضحة. الحكومة تستثمر بشكل غير مسبوق في الصناعات المستقبلية، بدءا من الذكاء الاصطناعي وحتى العملات الرقمية. مشروع «اليوان الرقمي» أصبح واقعا، حيث يستخدم على نطاق واسع في المعاملات اليومية، مما يقلل من الاعتماد على الدولار في التجارة الدولية.

⁃ قطار السرعة والطيران نحو المستقبل!

خلال تنقلي بين المدن، استخدمت القطار فائق السرعة، الذي يُعد من الأسرع في العالم. التجربة كانت أشبه بالدخول إلى المستقبل، حيث تتحرك القطارات بسرعة تصل إلى 350 كيلومترا في الساعة، تربط بين المدن الكبرى والأرياف التي كانت تعاني من الفقر قبل عقود قليلة. على امتداد الطريق، لم تعد القرى المتواضعة كما تخيلتها، بل أصبحت تضم ناطحات سحاب تعبر بها القطارات المتنوعة السرعة تعكس التحول الاقتصادي الهائل.

في صناعة الطيران الآن، توجد 509 شركات طيران و2913 مدنية وتجارية ونقل وخاصة طائرة مدنية.

وأدرجت الصين صناعة الطيران العامة كواحدة من الصناعات الاستراتيجية الناشئة واتخذت تدابير لتعزيز تنميتها.

وتظهر بيانات أن العدد الإجمالي للطائرات بدون طيار للعمليات التجارية قد تجاوز 120 ألف طائرة!

⁃ صدارة الثورة الصناعية الرابعة

عند زيارتي لمقر هواوي في شينزين، أدركت مدى التقدم الذي حققته في السبق التقني، في معرضها، شاهدت تجربة حية لأحدث ابتكارات الشركة. لم تعد مجرد شركة هواتف ذكية، بل تحولت إلى منصة متكاملة للذكاء الاصطناعي، السيارات الكهربائية، وشبكات الاتصال المتقدمة. أكثر ما لفتني كان التكامل السلس بين الأجهزة المختلفة، حيث أصبح الهاتف الذكي يتحكم بكل شيء، من الإضاءة في المنزل إلى تشغيل السيارة.

لم تعد البلاد تستهلك التكنولوجيا فقط، بل أصبحت رائدة في تطويرها. تستحوذ اليوم على أكثر من 40% من براءات الاختراع الخاصة بشبكات الجيل السادس (6G).

وفي الذكاء الاصطناعي أصبحت أكبر مستثمر عالمي بـ35 مليار دولار في 2025، متجاوزة الولايات المتحدة، مع سيطرة شركات مثل «بايدو» على الأسواق الناشئة.

وتستثمر المزيد من مليارات الدولارات سنويا في الذكاء الاصطناعي، وتحدث ثورات في المعدلات المالية والتقنية كما فعلت (ديب سيك) وكذلك الحال في الحوسبة السحابية مع شركة مثل (Ali baba cloud). وتحقق قفزات في صناعة أشباه الموصلات الدقيقة رغم العقوبات الأمريكية للحد من سرعتها في هذا المجال!

⁃ زيارتنا لمقر «تنسيت» في قوانغتشو

كانت تجربة أخرى كشفت التحول الرقمي العميق. بدا المكان أشبه بمدينة تكنولوجية متكاملة، حيث ينعكس الابتكار في كل التفاصيل. تطبيق WeChat لم يعد مجرد وسيلة للتواصل، بل أصبح نظاما شاملا للحياة الرقمية، يتيح للمستخدمين الدفع، حجز المواصلات، وإدارة الأعمال من خلال الهاتف فقط.

وفي مجال الألعاب الإلكترونية، أيضا، أدركت حجم تأثيرها العالمي في هذا المجال. الشركات الصينية لم تعد تكتفي بصناعة الألعاب، بل أصبحت تتحكم في قطاع الألعاب الإلكترونية عالميا، مع شركات مثل Tencent التي تمتلك حصصا في ألعاب عالمية شهيرة مثل PUBG Mobile وLeague of Legends.

⁃ السيارات الكهربائية: من المنافس من القائد؟

في شوارع المدن والقرى والأرياف، أصبحت السيارات الكهربائية هي السائدة. اليوم تستحوذ على أكثر من 65% من الإنتاج العالمي للسيارات الكهربائية، متجاوزة تسلا بفارق هائل وكبير. لم تكن هذه السيارات مجرد منتجات، بل منظومة متكاملة تمتد من البطاريات إلى محطات الشحن والتقنيات المتقدمة للقيادة الذاتية.

زيارة أحد معارض السيارات الكهربائية كشفت السرعة التي تتحرك بها هذه البلاد، هنا يوجد أكثر من 100 مصنع، و500 علامة تجارية مسجلة، كلها تتنافس في سباق الابتكار.

في إحدى الزوايا، وقفت أمام نموذج لسيارة ذاتية القيادة بالكامل، تدير نفسها عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وتتواصل مع إشارات المرور والبنية التحتية الذكية. وسيارة أخرى تحمل في جوفها طيارة آلية يمكنها أن تحمل شخصين إلى مسافات أبعد.

⁃ الاستدامة: هل يمكن تحقيق التوازن؟

رغم أنها لا تزال أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم، إلا أن الصين تتحرك بسرعة نحو الطاقة المتجددة. مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تتوسع بشكل هائل، حيث تغطي مصادر الطاقة المتجددة الآن أكثر من 50% من إجمالي إنتاج الكهرباء.

مزارع الطاقة الشمسية، يمكنك أن تراها عبر الطرق السريعة، كيف تحولت الأراضي الزراعية وبعض الصحراوية إلى حقول من الألواح الشمسية، تمتد على مد البصر. واضح أن البلاد تستثمر بقوة في تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية.

بعد هذه الرحلة التي أخذتني عبر المطارات الحديثة، السكك الحديدية العملاقة، والمصانع الذكية، أدركت أن الصين ليست مجرد اقتصاد عملاق، بل نموذج يُعيد تعريف التنمية الاقتصادية. استثماراتها الضخمة في التكنولوجيا، وتوسعها في الأسواق الناشئة، كلها تؤكد أنها تسير بخطوات متكاملة نحو الهيمنة الاقتصادية العالمية.

لكن يبقى السؤال: هل ستكون هذه الهيمنة مستدامة؟ وهل ستتمكن الصين من التعامل مع التحديات الجيوسياسية؟

إلا أنه مع اقتراب 2025، بات من الواضح أن الصين تجاوزت مرحلة التنافس مع الغرب إلى مرحلة إعادة رسم ملامح الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، فإن نجاحها لا يخلو من التحديات.

ما رأيته يجعلني متأكدا من شيء واحد: حتى الآن - هذه البلاد «قد» تُبطئ أو يُبطأ من سرعتها، لكنها تستمر في التقدم بوتيرة مذهلة، تجعلها «الآن» عمليا القوة الاقتصادية الأولى في العالم. أو على أقل تقدير القوة الاقتصادية التي لا يمكن للعالم التخلي عنها!

⁃ التالي: رحلة الهيمنة الاقتصادية والتحديات العالمية والفرص..

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق