لمدة تجاوزت الخمسة عقود، انتهت سوريا من حكم عائلة كان غطاؤها حزب سياسي جعجعي، هذه العائلة حكمت دولة نظامها الأساسي جمهوري ديموقراطي، والسيادة به للشعب وفق دستورها في العام 2012، طبعاً هذا الذي لم يكن طيلة فترة حكم هذا النظام وزمرته.
بعد ثورة الشعب التي تجاوزت الأربعة عشر عاماً مرت هذه الثورة بمراحل متعددة منها الاقتراب من سقوط النظام في فترات والابتعاد عن سقوطه في فترات أخرى لأسباب عديدة منها البراميل المتفجرة والغارات الروسية والدعم الميليشي والصمت الدولي، أما اليوم وبعد سقوط الرئيس المخلوع فقد سقطت الدولة معه أيضاً لأيام بكافة مؤسساتها السيادية.
ويُعدّ نظام سوريا السياسي نظاماً رئاسياً جاء ما بعد انقلاب حزب البعث في العام 1963 فدستور عام 1973 عزز سلطات حزب البعث وجعله الحزب الوحيد والقائد للدولة، فتكرس النظام الرئاسي ولكن بطريقة مختلفة عن أبجديات الأنظمة الرئاسية الكلاسيكية الديمقراطية التي تفصل ما بين السلطات الثلاث: القضائية والتشريعية والتنفيذية، ولكن في سوريا ومن خلال السلطة التنفيذية يسيطر الرئيس على كل السلطات، ورغم التعديل الدستوري لعام 2012 وما بعد بداية الثورة الذي نص في المادة (2) منه على أن سوريا جمهورية ديموقراطية، وأعطى حق لبقية الأحزاب بالمشاركة والتعددية السياسية الحزبية وألغى هيمنة وحصرية حزب البعث في الحكم، إلا أن هذه التعديلات فقط على الورق ودون مشاركة فعلية وتغيير على الساحة السياسية، وكانت فقط بشكل صوري، ولكن النظام السياسي بقي "رئاسي مركزي".
المطلوب من الشعب السوري اليوم، وبكافة مكوناته، إلى جانب قوات الثورة الجلوس على طاولة الحوار ورسم النظام السياسي للدولة من خلال القانون الأساسي فيها (الدستور) والأعلى في الدولة الذي يبين طبيعة تشكيلها القانوني والسياسي وتنظيم عمل سلطاتها الثلاثة، والنص على مبادئ الحقوق والواجبات وضمان الحريات، والمشاركة السياسية الفاعلة من مختلف التيارات.
يجب أن تكون سوريا اليوم ديموقراطية، لأن هذه كانت الغاية من ثورة أبنائها، لذلك هناك أشكال متعددة للنظم الدستورية والأنظمة السياسية الديموقراطية التي أساسها مشاركة الشعب والفصل بين السلطات، وأغلب النظم الدستورية أو السياسية المطبقة في الدول تقسم إلى ثلاث: النظام الرئاسي والذي بموجبه يكون رئيس الدولة هو رئيس السلطة التنفيذية، والنظام البرلماني الذي تتشكل فيه الحكومة من الأحزاب التي تملك الأغلبية في البرلمان، ويكون موقع رئيس الدولة شرفياً، والنظام شبه الرئاسي الذي يتشارك فيه رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية في إدارة الدولة خارجياً وداخلياً.
في الدول التي تخرج من الأنظمة الاستبدادية، يحبذ كاتب هذا المقال أن يكون نظامها السياسي نظاماً برلمانياً وذلك لإيجابياته العديدة، إلا أنه من الممكن أن يكون معقداً في البداية كون الدول التي تخرج من الأنظمة الدكتاتورية، لا تتواجد فيها أية أحزاب نشطة وحقيقية عاملة على الأرض نتيجة النظام السابق، ولكن من الممكن إعطاء هذه الدول وقتاً ولو لدورة سياسية من 4 - 5 أعوام لتركيز هذا النظام فيها الذي يعطي ميزة بالمشاركة الشعبية من خلال كافة القوى السياسية والأحزاب، للمشاركة بالحكم والوصول إليه ورسم سياسة الدولة من خلال أصوات الشعب .
لا شك، بأن بناء دولة جديدة يحتاج إلى مجهودات كبيرة، منها بناء أو ترميم المؤسسات لتصبح قوية وتتمتع بالاستقلال، بالإضافة لنشر ثقافة الديموقراطية والمشاركة الشعبية ومحو ثقافة الخوف، وتعزيز استقلال القضاء وسيادة القانون على الجميع، وأن يتمتع دستورها بقبول وشمول الجميع، وأهم هذه الاحتياجات هو عملية إدارة انتقال السلطة بحذر ومسؤولية.
ما نتمناه للأشقاء السوريين في قادم الأيام الخير والقدرة على بناء دولتهم، لأن الدول تُبنى بالنظم الديموقراطية الحقة، وتتقدم من خلال المشاركة الشعبية الصحيحة واحترام الرأي العام، وتعزيز سيادة القانون على الجميع .
0 تعليق