كمال ميرزا يكتب عن الضمانات الأمريكيّة.. والضمادات العربيّة! - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

كتب: كمال ميرزا

التفاوض والتفاوض ثم إعادة التفاوض على ما سبق التفاوض عليه.. هذا أقدم تكتيك في قاموس السياسة لدى الكيان الصهيونيّ!

بهذه الطريقة يتنصّل الكيان من التزاماته في كلّ مرّة، وبهذه الطريقة يقضم أراضي فلسطين شيئاً فشيئاً، وبهذه الطريقة يضيّق الخناق والحصار على الشعب الفلسطينيّ أكثر فأكثر.

المقاومة بطبيعة الحال تدرك هذا التكنيك الصهيونيّ المكشوف والمفضوح حدّ السماجة وتعيه جيداً، ولكنّها مضطرة لمسايرته والتماشي معه وعدم الإعلان صراحةً امتناعها عن التفاوض أو رفضها للتفاوض.. وذلك بسبب وقوف أمريكا والغرب الكامل وراء الكيان، وخذلان العرب الكامل للمقاومة، وتحيّن جميع الأطراف أدنى فرصة من أجل إطلاق العنان لكلابهم وأبواقهم للانقضاض على المقاومة، ونهش لحمها، واتهامها في حال رفضت التفاوض بأنّها لا تهتم بدماء ومعاناة الشعب الفلسطينيّ، أو أنّها تغامر وتقامر بدماء ومعاناة الشعب الفلسطينيّ!

والمهزلة أنّ أمريكا دائماً هي أول الضامنين (أو حتى الضامن الأوحد) في أي مفاوضات تحدث، وهي في نفس الوقت أول من يدعم الكيان من أجل خرق أي اتفاق والتنصّل أي التزام بعد كلّ جولة مفاوضات.

لذا عندما يأتي طرف ما، خاصة وسيط عربيّ يرضى بأن يقف في المنتصف بين أخيه وقاتله، ويقدّم مقترحاً جديداً لمفاوضات جديدة بضمانات أمريكيّة جديدة، فإنّ أول شيء يتبادر إلى ذهنك العبارة الشعبيّة الدارجة: "إنتَ خويثة ولّا بتتخوّث"؟!

شخصيّاً لطالما استوقفني مصطلح "ضمانات أمريكيّة" واستثار حيرتي: يا ترى ما هو شكل هذه الضمانة وكيف تكون؟!

هل يُطلب من الرئيس الأمريكي مثلاً أن يوقّع تعهّداً خطيّاً أمام الحاكم الإداريّ بحضور كفيل وشاهدين؟!

هل يُطلب منه توقيع كمبيالات، أو وصولات أمانة، أو شيكات على بياض تُصرف لحاملها؟!

هل يُطلب منه تحويل راتبه على بنك معيّن؟!

هل يتم وضع أملاكه ومكتبه البيضاويّ قيد الرهن تحت طائلة الحجز التحفظّي أو البيع في المزاد العلنيّ في حال عدم الالتزام؟!

هل يُطلب منه أن يضع يده على الإنجيل أو التوراه أو التلمود أو أيّاً كان الكتاب الذي يؤمن به ويحلف؟!

ما هي صيغة هذا الحلفان؟!

هل يُطلب منه مثلاً أن يقول "بشرفي"، أو "بشرف أمّي"، أو "بعرض خواتي".. أنا أضمن هذا الاتفاق؟!

جد، أنا أتمنى على أي خبر أو تغطية تقول "ضمانات أمريكيّة" أن تقول لنا ما هي هذه الضمانة وأن ترينا إياها!

أحياناً أتخيل "الضمانة الأمريكيّة" كشهادة كرتونيّة اسمها "ضمانة أمريكيّة" ممهورة بتوقيع وختم شمعيّ تشبه "سندات الخزينة" الأمريكيّة، ولكن بخلاف سندات الخزينة هذه "الضمانة" لا قيمة لها، وغير قابلة للصرف، وأقصى ما يستطيع أن يفعله حاملها هو أن "يبلّها ويشرب ميّتها"!

التجربة علّمتنا أنّ مقترحات الوسطاء العرب لإبرام اتفاقات بضمانات أمريكيّة هي كالضمادات، ليس لتضميد جراح الفلسطينيّين ومعاناتهم.. ولكن لتضميد أي إخفاق أو اهتزاز أو اختلال يعتري جبهة الكيان، ومنحه فرصة وفسحة لالتقاط أنفاسه، وسلب المقاومة زخمها، ومعاودة ترتيب أوراقه وحشد موارده ولملمة دعمه ليعود أكثر سعاراً ودمويّةً ووحشيّةً من قبل!

ألّا يظنّ العرب أنّ "ضمانة الله" تستحق أن يجربوها ولو لمرّة واحدة في حياتهم بدلاً من "ضمانة أمريكا"؟!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق